يشارف العام الحادي عشر من عمر الحرب الليبية على الانتهاء، في وقت ما زالت الألغام ومخلفات الذخائر غير المنفجرة تهدد حياة المواطنين، في مقابل استمرار السلطات في بذل كل الجهود الممكنة لإزالتها، ونقلها الى مواقع مخصصة تمهيداً لتنفيذ عمليات إتلافها وسط خلافات سياسية عميقة تعيق هذه الأعمال الميدانية ذات التأثير المهم جداً على حياة المواطنين.
ونهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أكدت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا أن أكثر من نصف مليون مواطن مهددون بمخاطر الألغام والذخائر غير المنفجرة من مخلفات الحرب.
وأعربت البعثة عن قلقها من استمرار الخسائر في أرواح المدنيين في المناطق المأهولة بالسكان، ونقلت عن مسؤولين في برنامجها لإزالة الألغام أن "ما لا يقل عن 39 شخصاً قتلوا أو أصيبوا بجروح هذا العام في حوادث مرتبطة بذخائر غير منفجرة من مخلفات الحرب".
وباستثناء الإعلانات التي تنشرها الجهات الصحية في ليبيا عن الوفيات الناتجة من انفجار ألغام وأشكال أخرى من مخلفات الحرب، لا توفر السلطات أرقاماً دقيقة عن حجم الضحايا، خصوصاً أن البلاد شهدت عشرات الحروب في مناطق مختلفة، بحسب ما يقول الناشط المدني والحقوقي معتز الحامدي الذي يتحسر "على إهمال الجانب الإنساني في ملف مخلفات الحرب، ومواصلة الخصوم السياسيين نهج استغلاله لتحقيق مكاسب على حساب الآخر"، ويعتبر أن "استمرار تفجير الألغام في حواشي المناطق والمدن، سيما في طرابلس يدل على عدم نجاح الفرق المعنية في إزالتها".
وفي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ وفاة طفل يبلغ من العمر 13 عاماً متأثراً بجروح نتجت من إصابته بشظايا انفجار لغم أرضي قبل أسابيع في منطقة عين زاره جنوبي العاصمة طرابلس. كما أعلن مستشفى بنغازي، مطلع العام الجاري، وفاة طفلين شقيقين في حادث مماثل.
ويعلّق الحامدي بالقول: "توقفت الحرب في بنغازي قبل أربع سنوات، وفي جنوب طرابلس قبل أكثر من سنتين، لكن مخلفات الحرب ما زالت تهدد حياة المواطن، ما يدل على عجز الجهات المعنية التي لا يبدو أنها تلقى الدعم الكافي".
ويقول الضابط في فرق إزالة الألغام عبد العاطي الجطلاوي لـ"العربي الجديد" إن "الإمكانات لا تناسب حجم واتساع رقعة مخلفات الحرب، كما تحتاج أصناف من الألغام إلى خبرات جديدة، ما يجعلنا نعتمد على الفرق الدولية لنزع وتفكيك ونقل الألغام تمهيداً لإتلافها".
وفي نهاية عام 2020، باشرت فرق الهندسة العسكرية إطلاق حملات لجمع وتفكيك الألغام المنتشرة في مناطق جنوب طرابلس التي شهدت حرباً لمدة عام ونصف العام، كما توسعت عمليات نزع الألغام إلى مدن أخرى أهمها سرت التي شهدت بدورها حروباً متعددة إحداها ضد تنظيم "داعش" عام 2016. وأعلنت فرق إزالة الألغام إتلاف عشرات الأطنان من مخلفات الحرب.
لكن ما يعيق جزءاً من جهود هذه الفرق، بحسب الجطلاوي، عدم توضيح أماكن مزارع وحقول الألغام، ما يوجب تسليم الأطراف السابقة للصراع خرائط الألغام لإنجاز عمليات التفكيك، علماً أن عدم تجاوبها في هذا الشأن يجعل المنظمات الدولية تقدم جهوداً بديلة للمساعدة في نزع الألغام. وفي 13 ديسمبر/ كانون الأول الجاري نشرت السفارة البريطانية في ليبيا، على حسابها على "تويتر"، خبراً عن انتهاء منظمة "هالو" البريطانية من رسم خرائط لمناطق تقع جنوبي طرابلس ويحتمل وجود مخلفات حرب فيها. وأكدت أن هذه الخرائط يمكن أن تساعد في عمليات إزالة الألغام والمتفجرات.
وتواصل الأمم المتحدة الاهتمام بملف مخلفات الحرب، ورصد ضحايا الألغام والمتفجرات من مخلفات الحرب خلال السنوات الماضية. وحددت نهاية العام الماضي إجمالي عدد ضحايا مخلفات الحرب في أنحاء ليبيا بـ 298، منهم 278 رجلاً و20 امرأة، مشيرة إلى أنهم توزعوا بين 174 جريحاً و124 قتيلاً.
ولفتت البعثة الى أن 229 من إجمالي الضحايا من المدنيين، و78 من الفنيين العاملين في مواقع إزالة الألغام، كما أشارت الى إمكان أن يتعرض المهاجرون لخطر الألغام أيضاً لدى تنقلهم في مسارات الهجرة التي يحددها المهربون.