في ليبيا، لم تتراجع الإصابات بكوفيد-19 الذي يتسبّب فيه فيروس كورونا الجديد، على الرغم من الجهود الحكومية التي تشمل حملة تحصين أشار مسؤولون إلى أنّها تتقدّم ببطء لأسباب عدّة، من بينها عدم جهوزية مراكز كثيرة. ويقرّ رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض (حكومي)، بدر الدين النجار، بأنّ "الوضع الوبائي ما زال على حاله من دون أيّ تحسّن ملموس".
ويشرح النجار لـ"العربي الجديد": "لم نشهد انخفاضاً في الإصابات، كذلك فإنّه من المرجّح أن يكون عدد الوفيات أكبر من المعلن"، لافتاً إلى أنّ "صعوبات تواجه حملة التحصين، من قبيل عدم توفّر ثلاجات لحفظ جرعات اللقاحات في عدد من مراكز التحصين البالغ عددها 430 مركزاً في كل أنحاء البلاد". يضيف النجار أنّ "عدداً من البلديات زوّدت، بمجهودها الذاتي، مراكز تحصين في نطاقها بثلاجات، الأمر الذي ساعد المركز الوطني على تزويدها باللقاحات اللازمة". ويتابع النجار أنّه "على الرغم من توفّر 430 مركزاً للتحصين، فإنّ 216 مركزاً منها فقط شرعت في عملية التحصين وفق الجدول المقرّر للشرائح المستهدفة، وفي مقدمتهم الكوادر الطبية التي يصل عددها إلى نحو سبعة آلاف طبيب ومساعد وموظف".
وكما هي الحال في كل البلدان التي طاولتها جائحة كورونا، تعمد السلطات الليبية المختصة إلى تحديث يومي لأعداد الإصابات والوفيات. وبحسب آخر البيانات، بلغ إجمالي عدد الإصابات التراكمي 181,179 إصابة، وإجمالي عدد الوفيات 3085 وفاة. لكنّ وليد العجيل، وهو مواطن ليبي من العاصمة طرابلس، يشكّك في صحة هذه الأرقام، مشيراً إلى أنّ "كثيرين من المصابين يفضّلون عدم الانتقال إلى مراكز العزل، باستثناء الحالات الحرجة التي يضطر فيها أهل المريض إلى نقله إلى مستشفى أو مركز عزل". ويتحدث العجيل لـ"العربي الجديد"، عن "سوء أوضاع مراكز العزل واكتظاظها بالمرضى والنقص الكبير في الكوادر الطبية والمعدات"، مضيفاً أنّ "أهل المريض يفضّلون في أحيان كثيرة إحضار الأوكسجين إلى بيته وعزله في حجرة خاصة مع متابعته من قبل طبيب خاص". بالنسبة إليه، فإنّ "سوء أوضاع مراكز العزل يزرع الخوف في نفوس الأهالي".
وما يقوله العجيل ليس ملاحظاً على المستوى المحلي فقط، بل كذلك على المستوى الدولي. ففي الثالث من مايو/ أيار الجاري، ذكرت مجلة "بلوس وان" العلمية الأميركية أنّ أكثر من نصف قاصدي مراكز العزل في ليبيا يواجهون الموت. وفي خلال دراستها التي استهدفت عدداً من مراكز العزل في العالم العربي، أشارت المجلة إلى أنّها تناولت 11 مركزاً للعزل في ليبيا ونحو 500 مصاب بالفيروس من ذوي الحالات الحرجة، خرج منهم 184 فقط، في حين توفي الباقون. وأعادت المجلة الأسباب إلى انهيار المنظومة الصحية، مؤكدة أنّ ليبيا ليست مستعدة لمواجهة الوباء، لافتة إلى أنّ الكوادر الطبية أبلغت عن عجز كبير في المعدات الطبية والألبسة الواقية المخصصة لها في أثناء أداء عملها في مراكز العزل.
ويؤكد الطبيب الليبي رمزي أبو ستة إقبال العائلات الليبية على استدعاء الأطباء وجلب الأوكسجين إلى البيوت، لافتاً إلى أنّ الأمر يبيّن عدم ثقة المواطنين في القطاع الصحي. وهو ما يؤثر، بحسب ما يقول أبو ستة لـ"العربي الجديد"، في الرصد الصحيح لعدد المصابين والمتوفين وللمستوى الوبائي. يضيف أبو ستة أنّ الوضع الوبائي ما زال خطراً وأنّ انتشار الفيروس ما زال خارج سيطرة السلطات الطبية. من جهته، يقول النجار إنّ كثيرين من المتوفين بالفيروس لا يتمّ الإبلاغ عنهم من قبل أسرهم، بالتالي لا تُدرج أسماؤهم في الإحصاءات.
بالنسبة إلى أبو ستة، فإنّ "السيطرة على الوباء لا تستلزم الوقوف وراء حملات التحصين فقط"، موضحاً أنّ "بعض وحدات العناية المركزة ومراكز العزل مقفل تماماً، وما تبقى يعاني عجزاً في الأسرة والتهوية الجيدة والمعدات وقبل ذلك بالكوادر التي لم تتلقّ بمعظمها تدريباً خاصاً لمجابهة المرض". ويتابع أبو ستة أنّ "الخطة المعلنة من قبل الحكومة تستهدف تحصين 70 في المائة من الليبيين البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة، إلى جانب ثلاثة ملايين أجنبي مقيمين في البلاد، في وقت لم تستورد فيه أكثر من 500 ألف جرعة لقاح تختلف أنواعها". ويرى أبو ستة أنّ "اختلاف الآجال ما بين الجرعة والأخرى بسبب اختلاف أنواع اللقحات المستوردة أربك مراكز التحصين العاملة، علماً أنّ أكثر من نصفها يشكو من عدم جهوزية". ويكمل أبو ستة أنّ "الجهود في البلاد لم تصل إلى مستوى الوضع الوبائي الخطر، وما زالت السلطات تعمل بأدنى الإمكانيات"، محذّراً من "إمكانية أن تكون مكاسب سياسية وراء مساعي جلب الكميات السابقة من اللقاحات".
من جهة أخرى، وعلى الرغم من تطمينات المركز الوطني لمكافحة الأمراض ووزارة الصحة بشأن نجاعة اللقاحات وعدم تسببها في آثار جانبية، فإنّ العجيل يعبّر عن خشيته من تلقّي اللقاح. وبالإضافة إلى ما تتداوله وسائل الإعلام عن مضاعفات صحية لعدد من اللقاحات، يشير العجيل إلى أسباب أخرى تتعلق بعدم ثقته بالقطاع الطبي في البلاد. ويقول: "كنّا قد رأينا مراكز عزل تحوّلت إلى بؤر لانتشار المرض بسبب عدم التعقيم، كذلك لا ضمانات بشأن نظافة مراكز التحصين". ومثل هذه المخاوف تجعل أبو ستة أكثر تأكداً من أنّ الوضع الوبائي في البلاد ما زال بعيداً عن المتابعة وأنّ مستوى انتشار الفيروس في تزايد.