ما زال مصير أكثر من مائة مواطن من مدينة سرت، الواقعة بين طرابلس وبنغازي، شمالي ليبيا، مجهولاً، منذ سيطرة تنظيم "داعش" على المدينة واتخاذها عاصمة له في البلاد، في مطلع عام 2015، حتى هزيمته على يد قوات عملية "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق، نهاية عام 2016. وكان المجلس الرئاسي لـحكومة الوفاق قد أعلن في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2016، انتهاء العمليات العسكرية وتحرير سرت بعد ثمانية أشهر من القتال ضد التنظيم.
على الرغم من مرور أكثر من أربع سنوات على انتهاء العمليات العسكرية، تستمر أزمة مجهولي المصير. ويؤكد حسين العريشية، أحد أهالي المفقودين في المدينة، أنّه لا أحصاء رسمياً لعدد من فُقدوا أثناء سيطرة التنظيم والحرب عليه، مشيراً إلى أنّها تقديرات لجمعيات ناشطة في هذا الميدان. ويقول العريشية، الناشط أيضاً في حراك المدينة للكشف عن المفقودين، إنّ جمعية الهلال الأحمر الليبي بدأت بعد تحرير المدينة من سيطرة التنظيم مباشرة في عمليات حصر المفقودين من خلال توزيع نماذج استمارات على الأسر بهدف إطلاق برنامج وطني للنظر في البلاغات وبدء البحث عن المفقودين. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ الجمعية أنشأت مكتباً متخصصاً في تلقي البلاغات وملء النماذج من جانب الأسر، مشيراً إلى أنّ الخطوة لم تلقَ أيّ دعم أو اهتمام حكوميين، ما أوقفها بعد أشهر قليلة، على الرغم من جهود الهلال الأحمر في الكشف عن مقبرة جماعية تضم رفات أربعين شخصاً. وما زالت أسر المفقودين، كما يؤكد العريشية، تبذل جهودها من خلال حراكها الخاص وتعمل على مخاطبة الجهات كافة مع دفع الجهات الأهلية للتحرك أيضاً.
لا يؤكد معتز ميدون، المسؤول بجمعية الهلال الأحمر، من جانبه، وجود أي علاقة بين المفقودين ورفات الجثث، التي عثر عليها في المقبرة، لافتاً إلى أنّ اكتشافها يعود الى منتصف عام 2018، في منطقة الظهير، غربي سرت. يضيف ميدون لـ"العربي الجديد" أنّ فريق الطوارئ التابع للهلال الأحمر، عمل طوال ثلاثة أيام على انتشال أربعين جثة، مشيراً إلى أنّ الفريق لم يستكمل البحث في المقبرة. يشرح: "توقف العمل بسبب تكليف قضائي لفريق عسكري لزيارة الموقع ومعاينة المكان قبل المضيّ في إتمام البحث، لكن لم تستكمل النيابة أيّ إجراء منذ ذلك الوقت، كما لا يُعرف حتى الآن ما إذا كانت الجثث تعود لعناصر من داعش أو لضحاياه من المدنيين".
قبل أيام، ناشد رئيس "منظمة شهداء وجرحى سرت" مصطفى سالم الطرابلسي، المسؤولين الليبيين إلى ضرورة الالتفات إلى ملف المفقودين والشهداء، فالتنظيم هزم منذ سنوات، لا سيما في آخر معاقله في المدينة، منطقة الجيزة البحرية. وذكر الطرابلسي أنّ عدد المفقودين من المدينة منذ عام 2015، بلغ 66 شخصاً، بالإضافة إلى وقوع 47 ضحية على يد التنظيم أثناء سيطرته على المدينة. كذلك، ناشد الطرابلسي، مكتب النائب العام، بالكشف عن مصير كثير من المفقودين، سواء كانوا في السجون أو فارقوا الحياة، معبراً عن استغرابه من وقوف الحكومتين الليبيتين عاجزتين عن إيجاد حلّ لهذا الملف الشائك. وفي معرض حديثه التلفزيوني، أشار الطرابلسي إلى مقابر جماعية على أطراف المدينة، تضمّ أكثر من 500 جثة، تحديداً في مناطق: بوهادي، والمهاري، ومزرعة عجاج، لكنّه أكد عدم اهتمام أيّ من الجهات المعنية بالبحث في هوية من دفنوا هناك، أو محاولة الوصول إلى حقيقة مصيرهم.
بالعودة إلى العريشية، يقول إنّ ملف المفقودين واجه أيضاً أزمة تغير السلطات، لافتاً إلى أنّه بعد سنوات من تبعيته لسلطة حكومة الوفاق، تبدلت جميع الإجراءات بعد سيطرة قوات اللواء السابق، خليفة حفتر، على المدينة، مطلع العام الماضي. وإذ يشير العريشية إلى استئناف الحراك الأهلي لإعادة إحياء ملف المفقودين، بعد الاهتمام الذي أولته الحكومة الموازية، شرقي البلاد، به، فإنّه يعود ليؤكد أنّ جميع الجهود التي بذلت تعود إلى الحراك بما فيها المقبرة التي أعلن عن اكتشافها في فبراير/ شباط 2020، عدا عن المقبرة التي اكتشفها الهلال الأحمر عام 2018. وفي ذلك إشارة منه إلى إعلان وزارة داخلية الحكومة الموازية عن عثور فرقها على مقبرة جماعية لضحايا التنظيم، على شاطئ بحر المدينة، تضم رفات خمسة أشخاص، قالت إنّهم "قضوا على أيدي تنظيم داعش الإرهابي إبان سيطرته على المنطقة". ويؤكد العريشية أنّ الوزارة بعد إعلانها ذاك لم تحدد أسماء الضحايا ولم تخطر أسرهم، ما يعني أنّ هناك توظيفاً إعلامياً لمكاسب تتعلق بالحكم والسياسة، وفق تعبيره. وإثر ضغوط أهلية على بلدية المدينة، قررت الأخيرة توسيع الملف ليشمل جميع المفقودين في المدينة منذ عام 2011، مع التعهد بالنظر لاحتياجات أسرهم، لكنّ العريشية يعتبر الخطوة مجرد تهرب من المسؤولية، مؤكداً استمرار الجهد الأهلي في إثارة القضية أمام الرأي العام.
فسبكة:
منذ عام 2011، أطلقت صفحات وحسابات ومجموعات عدة على موقع "فيسبوك" تعنى بالمفقودين والمخطوفين والأسرى والمغيبين قسراً ومجهولي المصير في ليبيا. وتعددت الصفحات بحسب كلّ مدينة من الشرق إلى الغرب إلى الجنوب في حروب ومعارك مختلفة. لكنّ الملاحظ أنّه على الرغم من استمرار أزمة مجهولي المصير في البلاد، فقد تراجع الاهتمام بهذه المنشورات، لتعود أخبار معظمها إلى سنوات عدة ماضية، من دون معرفة أسباب هذا التراجع.