ذكّر الطلب الذي قدمته منظمة رصد الجرائم الأهلية في ليبيا أخيراً، في مناسبة مرور ثمانية أشهر على اعتقال الناشط السياسي والحقوقي منصور عاطي، بملف خطف النشطاء الليبيين، وعدم معرفة مصيرهم.
وأكدت المنظمة ضرورة تحديد مصير عاطي الذي اعتقلته مليشيات مسلحة تابعة لقيادة مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مدينة أجدابيا (شرق)، وأخفته. وأشارت إلى أن قيادة حفتر رفضت دائماً التعليق على حادث خطف عاطي الذي كان من أبرز النشطاء المدنيين، وترأس جمعية الهلال الأحمر في أجدابيا، كما أنتج مسلسل "شط الحرية" التلفزيوني الذي حظي بمتابعة واسعة بعدما وجّه انتقادات حادة إلى سلوك مقاتلي مليشيات حفتر، وهو ما تسبب في اعتقاله على الأرجح.
ويبدي الناشط الحقوقي نعيم معيوش تخوفه من إعادة ملف النشطاء الى أدراج النسيان، بعدما أثير عدد من قضاياه العام الماضي، بسبب تصاعد حدة الصراع السياسي في ليبيا. ويتحدث لـ"العربي الجديد" عن أن عشرات الملفات الخاصة بالنشطاء وأوضاعهم لا تزال في أدراج جهات الأمن الليبية، وتحمل عبارة "يحفظ". ويوضح أن هذه الملفات لا تخرج إلى السطح إلا في حال حصول مناكفات سياسية بين أركان السلطة، وتبادل الاتهامات في شأن انتهاك الحقوق والحريات.
وفيما يؤكد معيوش استمرار العنف ضد النشطاء، نقلت منظمة ضحايا لحقوق الإنسان الأهلية أخيراً نبأ اعتقال مدون من مدينة طبرق يدعى مجيد الغرّاف على خلفية انتقاده السياسات التعسفية للسلطات ضد المواطنين على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضحت المنظمة أن مجموعة مسلحة اعتقلت الناشط الغرّاف لدى خروجه من مسجد في مدينة طبرق، ونقلته الى مقر البحث الجنائي، من دون أن يكشف سبب اعتقاله. أما زميل القتيل الأسير، الحقوقي صالح أحفيظة، فيبدي خشيته من أن يكون هو نفسه التالي على القائمة، ويقول لـ"العربي الجديد": "اعتقل الغرّاف بسبب دفاعه عن المستشار القانوني أسامة العربي بن فايد الذي عرف بانتقاده الشديد لسياسات مجلس النواب في طبرق".
وفيما ندد أحفيظة في تدوينة نشرها على حسابه في موقع "فيسبوك"، باعتقال الغرّاف بلا أمر قبض، أكد معيوش أن غالبية النشطاء الذين أودعوا السجون اعتقلوا بطريقة الخطف، ما يشير الى عدم وجود إجراءات رسمية لتوقيفهم.
وما شجّع على عدم إثارة الملف، تحفظ غالبية الذي أطلق سراحهم عن الحديث عن ظروف وأسباب اعتقالهم. ويوضح معيوش أيضاً أن عشرات النشطاء الذين سبق أن أدلوا بتصريحات ونفذوا احتجاجات ضد سوء الوضع الحقوقي في ليبيا اختفوا وفضلوا الانزواء والابتعاد عن المشاركة بسبب حجم الأضرار التي تعرضوا لها، وربما أيضاً بسبب تلقيهم تهديدات قبل إطلاقهم.
وعلى مدى السنوات الماضية، كررت الجهات الأمنية التابعة للحكومات في غرب ليبيا وشرقها تأكيد إطلاق تحقيقات في اغتيال عدد من النشطاء، لكن أي نتائج لم تعلن، وبينها اغتيال الناشطة الحقوقية حنان البرعصي في بنغازي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، برصاصات أطلقها مسلحون ملثمون عليها في وضح النهار، وكذلك الناشطة المدنية انتصار الحصائري في العاصمة طرابلس في فبراير/ شباط 2015، وقبلها الناشطة الحقوقية سلوى اب وقعيقيص في يوليو/ تموز 2014، والصحافية نصيب كرفانة التي عثر على جثتها أيضاً في سبها (جنوب) في يونيو/ حزيران 2015، مذبوحة من الوريد الى الوريد، برفقة خطيبها.
وتتكلم الناشطة الحقوقية بدرية الحاسي عن حوادث كثيرة شهدت خطف نشطاء من دون تحقيق أو إجراءات رسمية، بينها لمؤسس حراك "صوت الشعب" محمد البوعة ورفيقه سالم قدمور في أكتوبر/ تشرين الأول 2019. وقبلهما النشاط السياسي البارز معز بانون الذي اختفى عام 2014، من دون أن تعلن أي جهة أمنية أو قضائية فتح ملفه للتحقيق فيه وتحديد مصيره.
وتتهم الحاسي السلطات بالتغاضي عن الانتهاكات التي تطاول النشطاء المدنيين، وتقول: "حتى تلك التي يعلن عنها، لا تجد السلطات حرجاً في التغاضي عنها، بل وتشجيعها ربما، كما حدث مع المتظاهرين أمام مجلس النواب، والذين دهس بعضهم بسيارات، رغم أن أشرطة الفيديو أثبتت وقائع الحادثة".
وتؤكد الحاسي وجود عدد كبير جداً من النشطاء المغيبين في السجون، وأهمها في سجن قرنادة العسكري السيئ الصيت التابع لقيادة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، والذي تحوّل إلى رمز للترهيب في كل مناطق شرق ليبيا، ما جعل بعض معتقليه إلى الانتفاض على إدارته ومحاولة الفرار في أغسطس/ آب 2021، حين حصل تمرد في السجن سمح بهروب 29 معتقلاً.
وتلفت إلى أن تجاوز هذا الملف يشكل أحد أكبر العوائق التي تقف في طريق المصالحة الوطنية التي تعتبر الاستحقاق الأكثر أهمية من أجل المضي قدماً بالبلاد نحو الاستقرار.