بينما تبدو ليبيا مشغولة بالعملية السياسية، يستغل مهرّبو البشر هذه المرحلة الانتقالية لزيادة نشاطاتهم بشكل كبير
أكدت وزارة الداخلية في حكومة الوفاق الليبية، القبض على مهرّب بشر بارز بعد اتهامه بقتل 21 مهاجراً سرياً، في مايو/ أيار الماضي، فيما أكد مسؤولون استغلال المهربين مرحلة الانتقال الحكومي الحالية في ليبيا لتنشيط حركتهم عبر نقاط التهريب على شواطئ البحر. واعتبر وزير الداخلية في حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، في سلسلة تغريدات على "تويتر" أنّ عملية القبض على المهرب "انتصار كبير حققته مديرية أمن غريان بالقبض على المشتبه به الرئيسي في واقعة قتل عدد من المهاجرين في مدينة مزدة (جنوب)". وأضاف: "مرة أخرى، يثبت رجال الأمن أنّ الجرائم لن تسجل ضد مجهول، وأنّنا نواجه تجار البشر والمهربين وعصابات الجريمة المنظمة بكلّ قوة وحزم".
وقالت وزارة الداخلية، الإثنين الماضي، إنّه بعد كشف ملابسات الجريمة البشعة التي راح ضحيتها 21 شخصاً يحملون الجنسية البنغالية وجنسيات أفريقية، والتي وقعت بمنطقة المشروع في مزدة، تمّ ضبط المهرّب. وأشارت إلى أنّ المهرّب من مواليد 1998، ذكرت أنّه اعترف بجريمته كردّ فعل على مقتل ابن عمه المتورط هو الآخر في تهريب البشر.
وفيما يثني رمضان الشيباني، الضابط في "جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية" التابع لحكومة الوفاق، على العملية الأمنية التي أطاحت بالمهرّب، فإنّه يلفت إلى نشاط المهربين المتزايد في الآونة الأخيرة. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ دوريات الجهاز أحبطت عدداً من محاولات التهريب في نقاط عدة على شواطئ البحر في حالة لافتة، اعتبرها استغلالاً من المهربين لفترة الانتقال الحكومي. يضيف: "يعتقد المهربون أنّ الانتقال الحكومي سيضعف من سلطة جهاز المكافحة، لذلك، نشطت طرقات تهريب المهاجرين من الجنوب إلى نقاط التهريب النهائية على البحر".
وفي منتصف الشهر الماضي، أعلنت منظمة "لجنة الإنقاذ الدولية IRC" التي تعمل بالتنسيق مع خفر السواحل الليبي عن اعتراض نحو 1500 مهاجر قبالة شواطئ ليبيا خلال أسبوع واحد. وقالت المنظمة إنّها، بالتعاون مع خفر السواحل الليبي، اعترضت أكثر من 1500 مهاجر، خلال أسبوع، قبالة الساحل الغربي لليبيا "وذلك أثناء محاولتهم الوصول إلى أوروبا عن طريق البحر".
وفي آخر عملية من عمليات الاعتراض نفسها، نقلت وكالة "فرانس برس" عن المقدّم محمد عبد العالي، من خفر السواحل الليبي، أنّه جرى إنقاذ 240 مهاجراً أفريقياً قبالة سواحل مدينة الخمس الساحلية، أواخر الشهر الماضي، كانوا على متن قاربين اثنين. يعلق الشيباني بأنّ المهاجرين الذين جرى اعتراضهم، وجد خفر السواحل صعوبة في التعامل معهم "كونهم يرفضون العودة للساحل الليبي ويصرون على المغامرة من أجل الوصول إلى سفن الإنقاذ الدولية". لكنّه يؤكد أنّ أكثر من عشرين مهاجراً ما زالوا في عداد المفقودين، من جراء اعتراض أمواج عالية قارب مهاجرين كان يقلّ أكثر من 120 مهاجراً.
يضيف: "الحادثة كانت مساء الأحد الماضي عندما اكتشفت فرق خفر السواحل جثثاً وصلت إلى الشاطئ، وبعد عمليات بحث جرى إنقاذ نحو مائة مهاجر، من بينهم ست نساء وطفلان". ويلفت إلى أنّ إفادات الناجين أشارت إلى أنّ هناك أكثر من عشرين آخرين في عداد المفقودين، مشيراً إلى أنّ المهاجرين هم من الجنسيتين السودانية والمالية في الغالب.
من جهته، يقول بدر أبو شليفة، الضابط في قطاع الدوريات الصحراوية التابعة لـ"جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية" في حكومة الوفاق، إنّ هناك تراجعاً للاهتمام الحكومي بمكافحة المهربين. ويؤكد أبو شليفة لـ"العربي الجديد" أن مجريات السياسة والتهاء أغلب المسؤولين بالتنافس حول المناصب أفسحت الساحة لنشاطات عدة، من بينها نشاط المهربين.
ويشير أبو شليفة إلى أنّ ملف الهجرة السرية كان ملفاً ضاغطاً على السلطات من جانب دول مهتمة به، لا سيما الدول المتضررة من المهاجرين: "لذلك، كانت هناك في السابق قبضة تتشدد بين الحين والآخر". ويلاحظ أبو شليفة أنّ نشاط المهربين يتركز في الخط الأوسط المار من الجنوب بمنطقة الشويرف، وسط الجنوب، ويتوزع شمالاً على مراكز في غرب طرابلس وشرقها، باستخدام السيارات الصحراوية أو من خلال التمويه بنقل المهاجرين ليلاً.
ويلفت إلى أنّ تراجع دوريات جهاز المكافحة خصوصاً الصحراوية، أتاح هامشاً لعودة نشاط المهربين. وبينما يعتبر أنّ عملية القبض على المهرّب، في مدينة مزدة، كُتب لها النجاح لارتباطها بقضية جنائية ممثلة في مقتل 21 مهاجراً شكلت ضغطاً على السلطات، يؤكد أنّ عشرات المهربين لم تجرِ ملاحقتهم كأحد سبل القضاء على هذا النشاط.