يواجه الناشطون في ليبيا موجة جديدة من الاعتقالات على يد مختلف المجموعات المسلحة التي تعمل تحت مسميات حكومية، ما يشير إلى استمرار التعدي على الحريات وحقوق المدنيين. ولا يزال خمسة ناشطين سياسيين رهن الاعتقال منذ مطلع شهر مايو/أيار الماضي على يد مجموعة مسلحة تابعة لإحدى مليشيات خليفة حفتر التي تسيطر على مدينة سرت (شمال البلاد) من دون أن توجه إليهم أية تهم.
وجاء اعتقال الناشطين الخمسة على خلفية إعدادهم لندوة فكرية في مدينة سرت لمناقشة أفكار حزب سياسي وفقاً لتصريحات أعضاء حزب "التجمع معاً لأجل الوطن"، مشيرين إلى أن توجهات الحزب القائم على الندوة لم ترق للمليشيات المسيطرة على مدينة سرت والتابعة لحفتر.
وليست المرة الأولى التي يتعرض فيها ناشطون في مدينة سرت للاعتقال والإخفاء القسري بحسب الناشط رمزي المقرحي، لافتاً إلى أن عدد المعتقلين وصل إلى أكثر من ثلاثين شخصياً منذ مطلع العام الماضي وحتى الآن. ويوضح أن "بعض المعتقلين لا يزالون قيد الاحتجاز، وهناك أشخاص اختطفوا قسراً ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم". يتابع أن "المليشيات المسيطرة هددت ومنعت أهالي المعتقلين من تقديم شكاوى إلى الجهات القضائية، ومنعتهم من الوصول إلى أبنائهم المعتقلين في السجون، ولم يقدم أياً من المعتقلين إلى المحاكمة أو يحصلوا على حقهم في توكيل محام".
وطاولت حملة الاعتقالات مدناً أخرى منها بنغازي. وكشفت منظمة رصد الجرائم في ليبيا أن مدينتي سرت وبنغازي شهدتا ست حالات اعتقال خلال إبريل/نيسان الماضي. وفي إشارة إلى عدم سير عمليات الاعتقال وفقاً للقانون، وأوضحت أنه تم "اعتقال ناشط من قبل جهاز الأمن الداخلي في بنغازي، قبل أن يخلى سبيله بعد ساعات في ذات اليوم، وأعيد اعتقاله من منزله في اليوم التالي أي في السابع من إبريل بواسطة مسلحين تابعين لكتيبة طارق بن زياد، واقتادوه إلى مكان مجهول، وانقطع اتصاله مع أسرته، وأخلي سبيله بعد 7 أيام بتاريخ 15 إبريل".
وخلال شهر مارس/آذار الماضي، رصدت المنظمة اعتقال مسلحين تابعين لمليشيات حفتر تسعة أفراد يعملون في منظمات إنسانية في مدينة سبها (جنوب البلاد) بشكل تعسفي، إلا أنها عادت وأكدت إطلاق سراحهم. وطاولت الاعتقالات مسؤولين حكوميين، وكشفت عن اختطاف عميد بلدية البيضاء منتصف مارس من وسط مدينة البيضاء "من قبل مسلحين مجهولي الهوية، بعد يوم من تكليفه عميداً لبلدية البيضاء من قبل حكومة الوحدة الوطنية ثم أخلي سبيله بعد يومين" من دون محاكمة أو إجراءات رسمية.
ومطلع إبريل، ألقى مسلحون مجهولون القبض على مدير المكتب الإعلامي لدى بلدية بنغازي ماهر الغرياني، واقتادوه إلى جهة مجهولة على خلفية انتقاده، عبر صفحته الخاصة على "فيسبوك"، عمليات الهدم الواسعة التي تشهدها أحياء وسط بنغازي، ومطالبته بضرورة أن تعلن الجهة المسؤولة عن تنفيذ عمليات الهدم عن نفسها، قبل أن يطلق سراحه بعد أيام.
ويلفت المقرحي، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى أن جميع من اعتقلوا وأطلق سراحهم بعد فترات متفاوتة "يلتزمون الصمت وعدم الحديث عن ظرف اعتقالهم والجهة التي اعتقلتهم، فضلاً عن توقفهم عن نشاطهم الحقوقي"، معتبراً ذلك دليلاً على تعرّضهم للتهديد من قبل المجموعات المسلحة المتورطة في انتهاك الحريات.
يتابع المقرحي: "تتصاعد وتنخفض حملات الاعتقال والخطف بحسب النشاط أو الحدث. وشهدت الأشهر الأولى من العام انخفاضاً بعد تضييق الخناق على النشطاء نهاية العام الماضي، وطاولت مسؤولاً بارزاً في منصة مفوضية المجتمع المدني". ويوضح أنه "عندما استنكرت المنظمة اختطاف أحد مسؤوليها ونشرت استنكارها على صفحتها الرسمية، أجبر جهاز الأمن الداخلي المفوضية على إغلاق الصفحة".
وكثيراً ما استنكرت منظمات دولية استمرار حالات الاعتقال غير القانوني والإخفاء القسري في البلاد على يد أجهزة تعمل تحت مسميات حكومية رسمية، لكنها لا تخضع لسلطة الدولة، من بينها منظمة العفو الدولية التي قالت إن تسعة مدنيين أدلوا بشهاداتهم لها حول ظروف اعتقالهم من قبل جهاز أمني بطرابلس خلال العام الماضي من دون اتخاذ أية إجراءات قانونية، مشيرة إلى أن جهاز الأمن الداخلي في طرابلس اعتقل سبعة شبان بتهمة التحول عن الدين الإسلامي إلى الديانة المسيحية.
كما أحصى تقرير منظمة العفو الدولية أكثر من ثلاثين اعتقالاً بحق مدنيين وناشطين في مناطق متفرقة تسيطر عليها مليشيات حفتر، وقالت إن مليشيات حفتر "تسحق بوحشية" حرية التعبير والتجمع السلمي.