وقع قطاع التعليم الليبي مجدداً ضحية للانقسام السياسي الحاصل في البلاد بعدما أعلنت وزارة التعليم في الحكومتين القائمتين تاريخين مختلفين لبدء العام الدراسي الجديد، إذ أعلنت وزارة التعليم بالحكومة المكلفة من مجلس النواب، بدء العام الدراسي الأحد 18 سبتمبر/ أيلول، في حين أعلنت وزارة التعليم بحكومة الوحدة الوطنية، بدء العام الدراسي الجديد يوم 16 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وطالبت كلتا الوزارتين كافة مراقبات التعليم في البلاد، بالتقيد بقرارها، وفتح أبواب المدارس لاستقبال الطلاب، وأرفقت إعلانها بجدول للخطة الدراسية، وقررت حكومة الوحدة الوطنية تضمين مادتين للغة الإيطالية والفرنسية ضمن المقررات الاختيارية.
وكانت وزارة تعليم حكومة الوحدة الوطنية قد أعلنت في يوليو/تموز الماضي، بدء العام الدراسي في 17 سبتمبر، غير أنها قررت تأجيله إلى أكتوبر المقبل بسبب تأخر أداء طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية لامتحانات الدور الثاني، في حين لم يوضح قرار وزارة تعليم الحكومة المكلفة من مجلس النواب مصير طلاب امتحانات الدور الثاني في الشهادتين الإعدادية والثانوية.
وشددت مراقبة شؤون التربية والتعليم في بنغازي، مؤخراً، على "ضرورة فتح المدارس وحضور المعلمين والإداريين، والالتزام بموعد بدء الدراسة، ومن يخالف ذلك فإنه يعرض نفسه للعقوبات التي ينص عليها القانون بناءً على تعليمات وزير التربية والتعليم بالحكومة المكلفة من مجلس النواب".
فيما يبدو أن مدارس العاصمة طرابلس وما جاورها، ستتقيد بقرار وزارة تعليم حكومة الوحدة الوطنية، والقاضي ببدء العام الدراسي في منتصف الشهر المقبل.
ويعاني قطاع التعليم على مدار خمس سنوات من آثار الانقسام السياسي، وقد توحد تحت إدارة وزارة التعليم التابعة لحكومة الوحدة الوطنية بعد توحد السلطة التنفيذية في ظل اتفاقات سياسية أنتجها الفرقاء، لكنه عاد مجدداً إلى ذات الأزمة بعد تجدد الصراع السياسي.
ويتوقع بلقاسم سويلم، وهو مدير إحدى المدارس الثانوية بالعاصمة طرابلس، أن تطاول الآثار السياسية مؤسسات التعليم بشكل عام، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن "مدراء المدارس كانوا يخشون من الوقوع مرة أخرى ضحية للانقسامات. ماذا ستقدم الحكومتان للتعليم؟ الكتاب المدرسي لم يتوفر حتى الآن، وربما يدخل العام الدراسي دون كتب مدرسية كما حدث العام الماضي".
ويخشى سويلم أن يتحول التعليم إلى وسيلة ضغط من الحكومتين، مشيراً إلى أن "حكومة مجلس النواب تضغط في اتجاه بدء العام الدراسي حتى توقع حكومة الوحدة الوطنية في حرج، وتظهرها كحكومة فاشلة، فهي من تمتلك الأموال اللازمة لطباعة الكتب، وهذا ما دفع الحكومة الثانية إلى التأجيل المفاجئ للعام الدراسي لمدة شهر بحجة إفساح المجال لطلاب الإعدادي والثانوي لأداء امتحانات الدور الثاني، رغم أنه لا تعارض بين الاثنين".
من جانبها، أعربت فادية بوسيف، وهي مديرة مدرسة "مداد العطاء" للتعليم الخاص في بنغازي، عن مخاوفها من أن تفتح المدارس التي تقع في المناطق والمدن الخاضعة لسلطة الحكومة المكلفة من مجلس النواب أبوابها، مؤكدة لــ"العربي الجديد" أن "العام الدراسي سيشهد ارتباكا بسبب الخلافات بين الحكومتين، وسيكون ذلك بداية لتعمق أزمة التعليم خلال الأعوام المقبلة إن استمر الوضع السياسي في الانفلات".
وفي إعلانها قرار بدء العام الدراسي، تعهدت وزارة التعليم بالحكومة المكلفة من مجلس النواب بـ"تنفيذ جملة من الإجراءات اللازمة"، من دون أي تفاصيل، ومن دون الحديث عن مصير الكتاب المدرسي الذي لا يزال غائباً.
من جانبها، تدرجت مواقف وزارة التعليم بحكومة الوحدة الوطنية، ففي حين أعلن مركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية، في 17 يوليو الماضي، تعاقد الوزارة مع 22 شركة لطباعة الكتاب المدرسي بعد ترسية العطاء عليها، واعتماد القرار من مجلس الوزراء بهدف تسليم الكتب إلى المدارس قبل بدء الدراسة، عاد وزير التعليم بتلك الحكومة، موسى المقريف، للحديث عن استعداد وزارته لطباعة الكتب، وصرف المخصصات المالية اللازمة، مشيراً إلى أن انعدام الاستقرار الإداري والمالي كان السبب في تأخر حسم ملف الكتب المدرسية.
واتهم المقريف، في لقاء تلفزيوني، السلطة التشريعية بالتأخر في المواقفة على تخصيص المال لطباعة الكتب المدرسية، مؤكداً أن رصيد الوزارة من الكتب المدرسية داخل المخازن الرئيسية والفرعية يتراوح بين 40 إلى 45 في المائة، وأنها نسبة كافية.
بدوره، أكد وزير الدولة لشؤون الوزارات بحكومة الوحدة الوطنية، عادل جمعة، في مؤتمر صحافي، أن "بقية الكمية من الكتب المدرسية ستصل مع بداية العام الدراسي"، وهو ما يعتبره بلقاسم سويلم دليلاً على صحة رأيه، مشيراً إلى أنه "حتى تصل بقية الكمية، على حكومة الوحدة تأجيل العام الدراسي حتى لا تسمح للحكومة الثانية باتخاذ هذا الملف كوسيلة ضغط، ويذهب التعليم والطلاب والمدارس ضحية هذا الصراع".