مؤتمر بروكسل لمساعدة السوريين... فجوة بين التمويل والتعهدات

30 مايو 2024
مأساة في مخيمات النازحين (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- في مؤتمر بروكسل الثامن، تم تعهد 7.5 مليارات يورو لدعم سورية، لكن هذه التعهدات لا تكفي لمواجهة الفقر والجوع وتلبية احتياجات القطاعات الخدماتية، خاصة في مناطق شمال غرب وشمال شرق سورية.
- مناطق شمال شرق سورية تعاني من نقص الدعم الدولي والتجاهل من المنظمات الأممية، مما يؤثر سلبًا على الواقع الصحي والحياتي في المخيمات، بالإضافة إلى توقف دعم منظمة الصحة العالمية وتخفيض دعم برنامج الأغذية العالمي.
- قطاع الصحة في شمال غرب سورية يواجه تداعيات نقص التمويل، مع توقف الدعم المفاجئ لخدمات حيوية مثل الإسعاف والجراحة، مما يهدد بارتفاع نسبة الوفيات وتفاقم الأوبئة، ويسلط الضوء على الحاجة الملحة لإعادة الدعم وتعزيز القطاع الصحي.

لا يبدو أن نتائج مؤتمر بروكسل لمساعدة السوريين تلبي حاجات السوريين في ظل الفجوة المستمرة بين الدعم والتعهدات، في الوقت الذي تتفاقم فيه معاناة السوريين على مختلف الأصعدة في ظل تراجع التمويل.

تعهدت الجهات المشاركة في مؤتمر بروكسل بنسخته الثامنة لدعم سورية، والذي عقد في 28 مايو/ أيار في العاصمة البلجيكية بروكسل، بتقديم مساعدات مالية بقيمة 7.5 مليارات يورو، إلا أن التعهدات الدولية ليست كافية لمحاربة الفقر والجوع في البلاد وتغطية متطلبات قطاعات كثيرة بما فيها القطاعات الخدماتية في شمال غرب وشمال شرق سورية، المرتبطة بوجود نازحين في المخيمات هم بحاجة ماسة للدعم الإنساني، بسبب الفجوة التي تحدث بين تعهدات الجهات المانحة والتمويل الحقيقي المقدم. 
والفارق الكبير بين التعهدات والمنح على الأرض له آثار سلبية على قطاع الصحة والنازحين. أما آلية توزيع المساعدات الإنسانية، فتكون بحسب الحاجة، كما يوضح مدير فريق منسقو استجابة سورية محمد حلاج لـ"العربي الجديد". ويقول إن حصة منطقة شمال غرب سورية وحصة بقية المناطق، بما فيها تلك الخاضعة لسيطرة النظام السوري وسيطرة الإدارة الذاتية، مبنية على تقييم الاحتياجات وتقسم وفقها. والتعهدات الدولية الحالية تقدر بنحو 7.5  مليارات يورو وفق قروض ومساعدات للسوريين، ويقول: "ستدفع كل دولة ما لديها، وقد تعهد الاتحاد الأوروبي بدفع 1.2 مليار، وبالتأكيد سيدفع أقل من ذلك. كما أن الحصص يتم تقسيمها بحسب احتياجات القطاعات الموجودة في المنطقة، سواء تعليم أو صحة أو غيرها". 
ويشير حلاج إلى نهج التخفيض في المساعدات الإنسانية الذي اعتمد من قبل برنامج الأغذية العالمي، موضحاً أنه "كان هناك تخفيض عالمي كما حصل مع برنامج الأغذية العالمي. والتخفيض يشمل كافة القطاعات بسبب نقص التمويل. الوضع في المخيمات سيتأثر سلباً بسبب عدم توفر التمويل اللازم. وحالياً تم إقرار التعهدات. وقبل ذلك، طالب برنامج الأغذية العالمي بنحو نصف مليار دولار بهدف تمويل العمليات الإنسانية في سورية، وهذا التمويل غير كاف مع التخفيضات التي أجراها البرنامج. الأخير كان يحتاج لأكثر من 1.25 مليار دولار لتمويل العمليات الإنسانية، وحالياً وصل التخفيض لأقل من نصف المبلغ. كما في كل عام، فإن حصة التعهدات تصل إلى نحو 62 ملياراً، وهذا المبلغ يوازي ميزانية سورية لنحو سبع سنوات. ما من التزام كامل بهذه التعهدات، لذلك لا نتوقع تحسن الواقع. لدينا نحو 100 منشأة طبية ومحطات ضخ مياه ضخمة متوقفة أيضاً، وهناك ارتفاع في الأسعار وتضخم. وفي حال تم الإلتزام بشكل كامل بهذه التعهدات، لا أظن أنها تغطي الاحتياجات المطلوبة في سورية عموماً". 
يضيف أنه "في ما يتعلق بخطة التمويل لعام 2023، فهناك فجوة كبيرة بين التمويل الذي قدم والتعهدات في المؤتمر السابق"، بل يتحدث عن "خلل بالخطة بشكل كامل".

دعم قليل

في مناطق شمال شرق سورية التي تسيطر عليها الإدارة الذاتية، يتحدث الرئيس المشترك لمكتب شؤون النازحين واللاجئين في الإدارة الذاتية شيخموس أحمد، عن حالة من التجاهل والمظلومية في المنطقة، لا سيما وأن المنظمات الأممية لا تعترف بكافة مخيمات النازحين. ويقول: "بالنسبة للأوضاع الإنسانية في مخيمات شمال وشرق سورية، فقد دخلنا فصل الصيف وسط نقص في الدعم المقدم من قبل المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة على وجه الخصوص، بالإضافة إلى توقف دعم منظمة الصحة العالمية منذ أواخر شهر مارس/ آذار الماضي، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على الواقع الصحي في المخيمات. كما أن برنامج الأغذية العالمي خفّض دعمه. أما بالنسبة للمنظمات الأخرى العاملة في المنطقة، فهناك نقص في التمويل، كما أن المخيمات بحاجة لزيادة كميات المياه وخصوصاً في فصل الصيف"، ويلفت إلى وجود خيام تحتاج إلى استبدال بسبب الضرر الذي لحق بها، علماً أن هذا الوضع يضر بصحة النازحين في المخيمات، وهناك الكثير من الصعوبات والتحديات التي يواجهها هؤلاء النازحون".

أما بالنسبة لمؤتمر المانحين في بروكسل، فيوضح أحمد أنه بحسب المعلومات، هناك القليل من الدعم المقدم إلى مناطق شمال وشرق سورية، والغالبية هي في شمال غرب سورية. وهذه المساعدات لا تأتي مباشرة إلى الإدارة الذاتية، بل تقدم من خلال المنظمات غير الحكومية المشاركة في المؤتمر، أي أن الدعم سيكون لمشاريع هذه المنظمات.  
وهناك طريقان لوصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة بحسب أحمد، فهي إما تأتي عن طريق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو عن طريق حكومة النظام السوري، لافتاً إلى أن المفوضية توزع المساعدات الإنسانية على المخيمات الخمسة المعترف بها في المنطقة. أما بقية المخيمات، فهي غير معترف بها من قبل المفوضية. يضيف: "هذه المخيمات لا تصلها المساعدات سواء عن طريق دمشق أو عن طريق المفوضية. أما بالنسبة للمناطق التي تضررت من تنظيم الدولة الإسلامية داعش خلال سنوات تواجد التنظيم فيها، فهناك الكثير من حالات الضرر والتفكك الاجتماعي، إلى جانب البنية التحتية التي تضررت نتيجة الإنفجارات والمعارك. نعمل جاهدين على إعادة البنية التحتية إلى المناطق التي تضررت بسبب هجمات التنظيم، وخصوصاً مشروع العائدين من مخيم الهول لتلك المناطق. المنطقة تحتاج إلى دعم مدني، الأمر الذي ينسحب على العائدين من المخيم وخصوصاً الأطفال والنساء والمدارس والخدمات الصحية".
ويلفت أحمد إلى أن مناطق شمال شرق سورية تضررت بشكل كبير، لكن مؤتمر بروكسل لا يلبي احتياجات المنطقة من خلال مخصصات الدعم المقدم للمنظمات، علماً أن المنطقة تحتاج إلى دعم كبير وخصوصاً البنية التحتية. كما تضررت مصادر الطاقة والمياه جراء القصف، مضيفاً أن الإدارة الذاتية كانت تأمل بأن تكون لدى المانحين في مؤتمر بروكسل استراتيجية لدعم البنية التحتية في منطقة شمال شرق سورية.

ضحايا الزلزال ما زالوا يعانون (عبد المنعم عيسى/ Getty)
ضحايا الزلزال ما زالوا يعانون (عبد المنعم عيسى/ Getty)

قطاع الصحة تحت وطأة الدعم 

من جهته، يتحدث رئيس مجلس إدارة مستشفى الرحمة في دركوش أحمد غندور، لـ"العربي الجديد"، عن تداعيات نقص التمويل على قطاع الصحة في منطقة شمال غرب سورية، موضحاً أن مستشفى الرحمة وحده يغطي منطقة يتجاوز عدد السكان فيها 750 ألف نسمة، كما يراجع المستشفى أكثر من 0.20 ألف مريض شهرياً.
ويقول إن "المستشفى مهم كونه مرجعياً يحال إليه المرضى من جميع المستشفيات بسبب وجود الأطباء المتخصصين. وقد توقف دعم المستشفى في بداية شهر مايو/ أيار بشكل مفاجئ، كما توقف دعم خدمات الإسعاف والجراحة. حالياً، فعّلنا خطة الطوارئ في ظل توقف العديد من المنشآت الصحية، الأمر الذي فاقم الكارثة الإنسانية. وهذا قد يؤدي إلى ارتفاع في نسبة الوفيات والأمراض والأوبئة، ويؤثر على الاستقرار السكاني في المنطقة وخصوصاً الكوادر الصحية"، ويشير إلى خطورة انخفاض الدعم عن قطاع الصحة. 
ويهدد خفض التمويل بوقف دعم 112 منشأة صحية في المنطقة تخدم حوالي 1.5 مليون نسمة مع نهاية يونيو/ حزيران المقبل، كما ورد في المؤتمر الذي عقدته مديرية صحة إدلب في 27 مايو. ويقول مدير صحة إدلب زهير قراط لـ"العربي الجديد"، إن دعم القطاع الصحي يحتاج لمناصرة أكثر لإعادة الدعم بعد الكوارث والحروب. يضيف: "اتجه بعض المانحين إلى خارج سورية، علماً أن عدد المستشفيات التي توقف عنها الدعم في المنطقة يصل إلى حوالي 14 من أصل 50، وقد يصل العدد إلى 25 في نهاية العام الحالي".

أزمة قطاع التعليم 

ويرى المدرس مصطفى المصطفى، المقيم في مدينة بنش، شمال غرب سورية، أن هناك أملاً في تعافي قطاع التعليم، ويقول لـ"العربي الجديد": "نرجو أن تكون هناك إعادة نظر في دعم هذا القطاع المهم للغاية، بعدما تم تجاهله من قبل الجهات المانحة خلال الفترة الماضية، وخصوصاً فترة ما بعد الزلزال. شهدنا تمييزاً من قبل الجهات المانحة في العمل، وخصوصاً أن الجهات الأممية اتجهت لترميم المدارس في مناطق سيطرة النظام وتجاهلت المدارس التي تضررت بسبب الزلزال في المنطقة. نرجو أن يكون هناك تركيز أكبر على ملف التعليم في المنطقة".
وبالنسبة للنازح أحمد الرسلان، المقيم في تجمع مخيمات مشهد روحين، شمال إدلب، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "الحال في المخيمات من سيئ إلى أسوأ، حتى أن دعم المياه توقف عن المخيم. نعتمد على الصهاريج في الوقت الحالي. عدا عن ذلك، لا دعم للخبز ولا سلل شهرية. الدخل بالكاد يكفيني لشراء الخبز لأفراد عائلتي. لا أتوقع أن يكون القادم أفضل. كل ما يهمني هو العودة إلى بيتي، ولن أعود إلا بزوال النظام الذي هو السبب في تهجيرنا من ريف حماه الشمالي منذ عام 2015".
ولا تهتم النازحة عفراء العبدالله (58 عاماً)، بمؤتمر بروكسل أو الدعم، وتقول لـ"العربي الجديد"، إنها منذ أكثر من عام لم تصلها سلة غذائية أو أي مساعدات، مضيفة: "نعيش حياتنا كل يوم بيومه. نعيش الفقر منذ سنوات، لم يعد هناك من يسمع صوتنا. الحياة صعبة هنا وعلينا أن نتحمل".
وكان مفوض إدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي جانيز لينارتشيتش قد أعرب في تصريحات بعد المؤتمر الذي شارك فيه وزراء خارجية عرب والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومؤسسات دولية، عن ترحيبه بجمع خمسة مليارات يورو على شكل هبات و2.5 مليار على شكل قروض لمساعدة اللاجئين السوريين.