تتفاقم ظاهرة الطلاق في العراق، باعتبارها أحد التحديات التي تواجه المجتمع في السنوات الأخيرة، ويعزوها كثيرون للزواج المبكر، وانتشار الفقر والبطالة، وسوء استخدام الإنترنت، إلى جانب أسباب أخرى.
وبحسب آخر إحصائية رسمية لمجلس القضاء الأعلى العراقي، نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، فقد ارتفعت معدلات الطلاق في مختلف المدن العراقية، بواقع 6330 حالة طلاق، منها 4.660 حالة تصديق لطلاق خارجي و1.670 تفريقاً بحكم قضائي، ما يعني أنّ نحو 9 حالات طلاق تحدث كل ساعة، بواقع 211 حالة في اليوم.
وتصدرت العاصمة بغداد المرتبة الأولى من ناحية عدد حالات الطلاق، تليها البصرة ونينوى ثم الأنبار وديالى.
ووفقاً لمجلس القضاء الأعلى، وهو أعلى سلطة قضائية في العراق، فإنّ شهر مايو/أيار سجل 5815 في عموم مدن البلاد، بينما سجل شهر مارس/آذار الماضي حالات طلاق بلغت 6 آلاف و66 حالة.
ومقارنة بالعام الماضي 2021، فإنّ حالات الطلاق ارتفعت ضمن الإطار العام المؤشر رسمياً، وفقاً للمحامي محمد حسين القيسي، الذي قال في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إنّ المعدل العام لحالات الطلاق الشهرية قد يستقر عند 6 آلاف حالة شهرياً، مقارنة بالعام الماضي والذي قبله الذي كان يتراوح بين 5 آلاف و5500 حالة.
ورأى أنّ "الأرقام تبقى متغيرة، وهناك حالات لا يتم تسجيلها تحدث في القرى والأرياف خاصة، يجري فيها الزواج والطلاق خارج المحكمة للأسف".
وأوضح القيسي أنّ "المرأة الضحية الوحيدة في مثل هذه الحالات، وتحمّل ولي أمرها أو المسؤول الأول في العائلة مسؤولية كبيرة في كثير من الحالات عن زواجها بدون ضمان حقوقها، أو زواجها من أشخاص غير مؤهلين لتحمّل المسؤولية".
تقول نهى (23 عاماً)، في حديثها لـ"العربي الجديد": "لم تمض سبعة أيام على زواجنا حتى أعادني زوجي إلى بيت أهلي رافضاً الاستمرار معي، أخبر والدي أنه يريد الانفصال بسبب إصابتي بمرض الصدفية، كان ذلك أشبه بكابوس، وقد أصرّ على تسريع إجراءات الطلاق".
وتتابع "عدت إلى بيت أهلي وأنا أحمل لقب مطلقة، رجعت إلى الفقر الذي تعانيه أسرتي بعد أسبوع واحد من الفرح مع عدم موافقة طليقي على دفع مؤخر الطلاق، ونظراً لضعف الحال لم نتمكن من دفع مصاريف المحامي فقد خرجت من هذا الزواج بورقة طلاق أنتظر تصديقها من قبل المحكمة".
المحامية والناشطة المجتمعية منن مقداد (25 عاماً)، تقول لـ"العربي الجديد"، "هناك العديد من حالات الطلاق سببها الخيانة الزوجية ومواقع التواصل الاجتماعي والمسلسلات التي غالباً ما تشجّع على ذلك، وبعد أن يكتشف الزوج خيانة زوجته يرفع دعوى للتفريق على زوجته، ويقدم للقاضي أدلة مشفوعة بالصور لمحادثات بين الزوجة وعشيقها، هذه الخطوة عادة ما يقوم بها الزوج للتخلّص من دفع النفقة ومؤخر الصداق، أو ليأخذ حضانة الأطفال من الزوجة".
وتشير مقداد إلى أنّ "انتشار المخدرات والكحول كذلك يؤدي بالنهاية إلى الطلاق لأنّ الزوج غالباً لا يكون في وعيه داخل المنزل، ويقوم بضرب الزوجة والأطفال وهذا ما يجعلها تطلب الطلاق للتخلص منه"، مؤكدة أنّ "المرأة تبقى هي الأكثر خسارة في مجتمع يلقي بالذنب على عاتقها حتى في حال لم تكن هي السبب، لأنها تفتقر إلى الاستقلال المادي والاجتماعي الذي يضعها تحت ضغوط كبيرة، إذ تجبر على تحمل ظروف فوق طاقتها".
وتلفت المتحدثة إلى "النظرة الدونية للمجتمع تجاه المطلقات، رغم أنّ أغلبهن يتحمّلن تربية الأطفال مهما بلغ عددهم ومصاريفهم، لأنّ الأزواج الذين ينفصلون عن زوجاتهم يبحثون عن أي حجة لعدم دفع النفقة، وإن كانت لأطفالهم، ومع غياب التوعية بالحقوق، وتأخير قضايا التفريق بسبب الروتين والإجراءات التي عادة ما تأخذ شهوراً تبقى هناك الكثير من القصص البشعة التي لم تصل بعد إلى المحاكم".
أما الناشط الحقوقي أحمد الجاسم (34 عاماً)، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "أسباب الطلاق كثيرة، في مقدمتها الزواج المبكر، والوضع الاقتصادي السيئ للأزواج، والسكن القسري مع العائلة، وقلة الخبرة، وكثرة الطلبات".
ويوضح الجاسم أنّ "القاضي لكثرة الدعاوى المعروضة ربما يستعجل في الحسم في حالات تصديق الطلاق الخارجي، وإذا كان بين الزوجين أطفال فإنهم الضحية الأكبر لمثل هذه القرارات".
ويشير الجاسم إلى أنّ "المعالجات تكمن في عدم منح الاستثناءات من قبل القاضي للزواج المبكر، والإبقاء على سن الرشد 18 سنة، والاقتداء بتجارب دول شرق آسيا بشأن إنشاء معاهد متخصصة قبل الزواج، ينخرط بها الخطيبان لتعلم سلوكيات المرحلة المقبلة وكيفية التعايش، فضلاً عن إدماج الباحثين الاجتماعيين في دورات تخصصية تطويرية حول موضوع الطلاق والمعالجات قبل وقوعه، وتوجيه القضاة بالتأني في حسم دعاوى الطلاق، وإعطاء مساحة للصلح، أيضاً لا بد من تحسين الحالة الاجتماعية للمتزوجين الجدد، خاصة ممن يعانون العوز والفقر، لأنّ الكثير من أسباب الطلاق سببها الفقر الذي لا يتناسب مع متطلبات الحياة الكثيرة والمختلفة"، وفق قوله.