ما نعرفه عن حمى لاسا واحتمالات تحوّلها لوباء عالمي

12 فبراير 2022
تنتقل عدوى فيروس لاسا إلى البشر عبر فضلات الفئران (كارين كاتسموسكي/Getty)
+ الخط -

بينما تسعى بريطانيا إلى رفع قيود كورونا بشكل شبه نهائي بعد إغلاق استمر أكثر من عامين، أثارت إصابة ثلاثة أشخاص بـ"حمى لاسا" مخاوف السلطات الطبية، وزادت المخاوف بعد إعلان وكالة الأمن الصحي، الجمعة، وفاة أحد المرضى الثلاثة.

وقالت وكالة الأمن الصحي البريطانية إن المصابين الآخرين قيد العلاج، وتعافى أحدهما تقريبا، مشيرة إلى أنها "المرة الأولى التي يتم فيها رصد المرض المعدي القاتل الناجم عن فيروس لاسا في المملكة المتحدة خلال أكثر من عقد من الزمان".

وأكدت كبيرة المستشارين الطبيين في الوكالة سوزان هوبكنز أن الإصابات الثلاث التي تم رصدها في البلاد تعود إلى عائلة واحدة، ومرتبطة بالسفر إلى غرب أفريقيا، موضحة أن "المخاطر العامة منخفضة جداً، لكن الوكالة تتواصل مع أفراد كانوا على اتصال وثيق بالحالات المصابة لتقديم التقييم المناسب والدعم".
تم تشخيص ثماني إصابات بـ"حمى لاسا" في المملكة المتحدة منذ عام 1980، والإصابتان الأخيرتان كانتا في عام 2009، ولم يكن هناك دليل على انتقال العدوى من أي منها.

ما هي حمى لاسا؟

"حمى لاسا" مرض نزفي فيروسي حاد يسببه فيروس يعرف بنفس الاسم، وعادة ما يصاب الأشخاص بالفيروس من خلال الطعام أو الأدوات المنزلية الملوثة بفضلات الفئران، وينتشر المرض في بلدان عدة أبرزها دول غرب أفريقيا.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن فيروس "لاسا" تحمله الفئران التي تعيش داخل المنازل أو بالقرب منها، ورغم أن الفئران تحمل الفيروس، لكنها لا تمرض به، وإنما تفرزه في البول والبراز، ويصاب الناس بالعدوى عندما يلامسون تلك الفضلات، ما يجعل الأشخاص الذين يعيشون في مناطق ريفية، أو في ظروف غير صحية، أكثر عرضة للعدوى.
ويشيع المرض في سيراليون وليبيريا ومالي ونيجيريا، ونادراً ما يظهر في بلدان أخرى من العالم، وعادة ما يكون المصابون يعملون في مناطق موبوءة، أو في مهن عالية الخطورة مثل الطب أو الإغاثة.
ونحو 80 في المائة من المصابين بفيروس "لاسا" تظهر عليهم أعراض المرض، وواحد من كل 5 مصابين معرض للمرض الشديد الذي قد تصل تأثيراته إلى الكبد والطحال والكلى، بحسب منظمة الصحة العالمية.

كيف ومتى ظهر مرض "حمى لاسا"؟

تم التعرف على الفيروس لأول مرة في عام 1969، حين أصيب عدد من سكان مناطق مختلفة في غرب أفريقيا بالحمى، ما دفع عالم الأوبئة بجامعة ييل الأميركية جوردي كاسالس أريت إلى بدء مراقبة المرض، خاصة بعد أن أصيب به مع ثلاث ممرضات يعملن معه في شمال نيجيريا.

كانت ليلي بينيو الناجية الوحيدة المعروفة، ومن خلالها، جرى التعرف على المرض. وفي المناطق التي زارها الطبيب أريت، كان المرض يوصف بأنه "فيروس غامض يصيب الناس". وفي عام 1973، بدأت مؤسسات علمية إجراء دراسات معمقة حول أسباب وتأثيرات الفيروس.

اكتشف فيروس لاسا لأول مرة في نيجيريا (أوتومي إيكيبي/Getty)

تدير الطبيبة لينا موسيس المشاريع المجتمعية والبيئية لبرنامج "حمى لاسا" في جامعة تولين الأميركية، وهي أيضاً شريك في اتحاد أبحاث العوامل الديناميكية للأمراض في أفريقيا، وترى أن هذا المرض المنتشر في أفريقيا "قد يكون سببه غياب التنمية وتردي القطاع الصحي"، وكتبت في مقال، نشرته صحيفة "ذا غارديان" البريطانية في 2013، أن "هذه الأمراض الغريبة عادة ما تحظى بالاهتمام، ليس بسبب عبء المرض في البلدان الموبوءة، ولكن بسبب الخوف الذي تسببه في الدول الأكثر ثراء".

لايف ستايل
التحديثات الحية

ويؤكد أستاذ الأورام والدم في لبنان سعد الأيوبي، لـ"العربي الجديد"، أنه على الرغم من أن "حمى لاسا" ليست مرضاً جديداً، أو فيروساً حديث الاكتشاف، لكن عملية انتقاله من القوارض إلى البشر قد تكون مقلقة، غير أن "انتشار فيروس لاسا كجائحة قد لا يكون مرجحاً لعدة أسباب، أبرزها توفر العلاج، إذ يمكن استخدام المضادات الحيوية لمكافحته، خاصة إن كانت الإصابة في بداياتها".
ويوضح الأيوبي أنه "لم يتم تشخيص حمى لاسا في منطقة الشرق الأوسط، على الرغم من السفر من وإلى مناطق تنتشر فيها، مثل سيراليون ونيجيريا، وربما كان ذلك نتيجة عدم احتكاك المهاجرين بالقوارض بشكل مباشر، أو بسبب تلقي العلاج الفوري".

ما هي الأعراض الأكثر شيوعاً لدى مصابي حمى لاسا؟

عادة ما تكون الأعراض تدريجية، إذ تبدأ بالحمى والضعف العام والشعور بالضيق، ثم تتطور لتصبح أكثر شدة بعد أيام قليلة، وقد يشعر المصاب بصداع والتهاب في الحلق وآلام في العضلات، إضافة إلى الإسهال والسعال.

وتشتد الأعراض لدى بعض المصابين، فيعاني الشخص من تورم في الوجه، ونزيف من الفم أو الأنف، أو المهبل، ومن انخفاض في ضغط الدم، وقد تؤدي هذه الأعراض إلى الوفاة.

عادة ما تكون فترة حضانة الفيروس بين يومين و14 يوماً، ولا تتجاوز نسبة الوفيات من إجمالي عدد المرضى المسجلين 1 في المائة وفق بيانات منظمة الصحة العالمية، لكن هذه النسبة ترتفع إلى 15 في المائة لدى الأشخاص الذين يدخلون المستشفى مصابين بحالات شديدة من "حمى لاسا".

وتختلف النسب من دولة إلى أخرى، إذ ارتفعت معدلات الوفيات في نيجيريا خلال العام الماضي إلى 23 في المائة، كما أن النساء الحوامل معرضات للفيروس، وفي 80 في المائة من الحالات تموت الأم أو الطفل، وفي بعض الأحيان يموت كلاهما.

وما يثير الدهشة في هذا الفيروس أن نحو 25 في المائة من الأشخاص الذين بقوا على قيد الحياة بعد الإصابة به فقدوا سمعهم، من دون معرفة السبب أو العلاقة التي تربط الفيروس بالسمع.

وحتى الآن، لا يوجد علاج خاص لحمى لاسا، على اعتبار أن أعراضه مشتركة مع عدد كبير من الأمراض، وغالباً ما يكون التشخيص السريري صعباً، خاصة في بداية المرض، ويتطلب إجراء اختبارات معملية دقيقة، ومع الأدوية الفعالة والرعاية الصحية المناسبة، تتعافى غالبية المرضى. ورغم أن هناك أكثر من 100 ألف إصابة يتم تشخيصها سنوياً، إلا أنه لم يتم إنتاج لقاح خاص بالمرض.

هل يمكن اعتبار حمى لاسا الوباء المقبل؟

في تقرير للتحالف العالمي للقاحات "غافي"، نشر في إبريل/ نيسان 2021، اعتبر التحالف أن "حمى لاسا"، مثل العديد من الأمراض الوبائية، قد تكون سبباً لأزمة وبائية جديدة، مرجحا أن تكون حمى لاسا خطيرة أسوة بإيبولا، أو حتى بفيروس كورونا.
واضطر مسؤولو الصحة العامة في غرب أفريقيا، مرتين على الأقل، إلى مكافحة "حمى لاسا" مع أمراض أخرى تهدد الحياة، أبرزها فيروس إيبولا الذي تفشى بين 2014 و2016 في غينيا وليبيريا وسيراليون، حيث كانت بعض المناطق تسجل وفيات ناجمة عن مرض يشبه إيبولا، قبل أن يتم اكتشاف أنها حمى لاسا.
ونظراً للموادر الهائلة التي تم ضخها لمراقبة المرض ومعالجته، فقد تم احتواؤه بسرعة أكبر من المعتاد، ففي أوائل عام 2020، كانت نيجيريا تتعامل مع أكبر تفش وبائي لحمى لاسا على الإطلاق، والذي نجم عنه موت ما يقارب 25 في المائة ممن أصيبوا به.
وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن الجمع بين فترة الحضانة الطويلة وحقيقة أن كثيراً من المصابين بفيروس لاسا ليست لديهم أعراض ظاهرة، قد يعني أن المرض يمكن أن ينتشر من خلال حركة السفر الدولي، على غرار فيروس كورونا.

المساهمون