اضطر المغربي الستيني محمد البوشيخي إلى مغادرة المنزل الذي عاش فيه أكثر من ثلاثة عقود بمنطقة درب السلطان في مدينة الدار البيضاء، خوفاً من شبح الموت الذي يطارده مع أسرته بحلول كل موسم أمطار، بسبب الوضع السيئ لمنزله الآيل إلى السقوط في أي لحظة.
يقول لـ"العربي الجديد": "مع حلول كل فصل شتاء، نخشى على حياتنا، ونعيش في قلق دائم ونواجه وضعاً نفسياً صعباً جداً، خشية أن ينهار المبنى الذي نسكن فيه بأي لحظة. وهذه السنة زاد الوضع سوءاً، مع ورود أنباء عن سقوط أولى الضحايا في منطقة مجاورة لنا خلال الأيام الماضية، إذ عشنا لحظات لا تنسى من الخوف، ما اضطرنا إلى اتخاذ قرار المغادرة في أسرع وقت".
يضيف: "عدد كبير من المنازل في منطقتنا مهدد بالسقوط، والعديد من سكانها يساورهم قلق كبير من أن يلقوا حتفهم، في وقت يعجزون عن توفير الأموال المطلوبة لشراء منازل في مناطق أخرى، تمهيداً للانتقال إليها، لذا يستمرون في المكوث في منازل خطرة يرفضون مغادرتها، رغم المخاطر المحدقة بهم، لأن مصيرهم سيكون التشرد والضياع".
وشهد حي السمارة في مدينة الدار البيضاء في 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي حادثاً من حوادث المباني الآيلة إلى السقوط، إثر تعرض الواجهة الجانبية لمنزل يتألف من طابق أرضي وطابقين علويين لانهيار جزئي خلّف ثلاثة قتلى.
وقبل 3 سنوات، قدرت إحصاءات رسمية عدد المباني المهددة بالانهيار في المغرب بأكثر من 43 ألفاً يقطنها حوالى مليون مواطن، منهم 23 ألفاً يسكنون في أحياء سكنية غير لائقة ولا تحترم الضوابط المعمارية وإجراءات البناء القانونية.
وتعتبر الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، المدينة التي شهدت خلال العقد الأخير أكبر عدد من حوادث انهيار المباني، أخطرها في يونيو/ حزيران 2014 حين قضى 17 شخصاً وأصيب عشرات بجروح راوحت بين خطرة وكسور مختلفة.
وكانت دراسة أجراها قسم التعمير في مجلس مدينة الدار البيضاء قدرت عدد المباني الآيلة إلى السقوط بأكثر من 2800 تسكنها حوالى 72 ألف أسرة، منها 1874 في منطقة درب السلطان الفداء، و905 في مقاطعات المدينة، و91 في عمالة مقاطعات عين السبع - الحيّ المحمدي.
وأوردت الدراسة ذاتها أن حوالى 36 في المائة من هذه المباني تصنّف ضمن المساكن غير اللائقة، و40 في المائة ضمن المباني المشيّدة بطريقة غير قانونية.
وبحسب بيانات رسمية قدمتها وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة فاطمة الزهراء المنصوري إلى مجلس النواب في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي، توجد 80 في المائة من المباني الآيلة إلى السقوط في المغرب في مدن ومناطق حضرية، و42 في المائة في المدن العتيقة.
ويقول رئيس جمعية "أولاد المدينة" التي تُعنى بدعم أسر المنازل الآيلة إلى السقوط، موسى سراج الدين، لـ"العربي الجديد": "أضحت الانهيارات وسقوط الضحايا أموراً عادية في المغرب. ومع كل موسم أمطار يضع القاطنون في المنازل الآيلة إلى السقوط أيديهم على قلوبهم، خشية أن يكون مصيرهم الموت. والبنود الجديدة التي تضمنها القانون رقم 94-12، وشملت إعطاء المالكين والوكلاء حق إفراغ المنازل الآيلة إلى السقوط غير مجدية على صعيد التنفيذ، خصوصاً أن السياسة المتبعة حالياً لإفراغ المنازل تستند إلى إطلاق حملات وسقوط ضحايا وموتى في حوادث من أجل رفع تقرير يطالب بإفراغ المساكن".
من جهته، يقول رئيس "العصبة المغربية لحقوق الإنسان" عادل تشكيطو لـ"العربي الجديد ": "تتكرر في مدينة الدار البيضاء تحديداً الحوادث سنوياً من دون أن تجد لها السلطات أي حل حازم، فآلاف البيوت الآيلة إلى السقوط بمجموع مقاطعات الدار البيضاء تحتاج فوراً إلى تنفيذ قرار الهدم الكلي أو الجزئي، أو التدعيم أو الإصلاح، لكن السلطات تتحجج في كل مرة بعجزها عن إفراغ هذه المساكن، وتكتفي بتبليغ أصحابها بأن البقاء فيها يهدد حياتهم".
يتابع: "لم تجد السلطات حتى الآن حلولاً مقنعة تشجع السكان على مغادرة هذه البيوت، فكيف يعقل أن يترك مواطن بيتاً يؤوي كل أفراد عائلته، رغم أنه يهدد حياته مقابل تعويض لا يتعدى مائة ألف درهم (9400 دولار للأسرة)؟ وتيسير معاملات حصول هذه الأسرة المغادرة على قرض مصرفي يسمح بالحصول على شقة في السكن الاقتصادي التي تضم شققاً صغيرة جداً مقارنة بعدد أفراد الأسرة التي تُرحَّل".
ويلفت إلى أن "قاطني هذه المنازل يرفضون الخروج منها، رغم أنهم يدركون مخاطر البقاء فيها. ويتحجج بعضهم بعدم إمكان حصولهم على قرض إضافي لمبلغ مائة ألف درهم الذي تقدمه البلدية، أو عدم إمكان إفادتهم من أي قرض مصرفي بسبب تقدمهم في السن".
ويؤكد تشكيطو أن "عدم تتبع المصالح الإدارية المكلفة قانوناً إخلاء المباني التي صدر قرار الهدم في حقها، يعد تقصيراً وجريمة حقوقية في حق السكان. وأمام هذه الحال، أصبح من الضروري أن تتدخل الجهات الرسمية وتوقف الاستهتار في حياة السكان والمارة أيضاً، خصوصاً أن هذه الأحياء تشهد اكتظاظاً وتوافداً للزوار من أرجاء المملكة، بحكم موقعها الاقتصادي".
وكانت الوزيرة المنصوري قد أبلغت مجلس النواب في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي بأن "معالجة ظاهرة الدور الآيلة إلى السقوط تواجه صعوبات في الإحصاء، ومشاكل على صعيد النقص في الخبرة، ووضعها القانوني، إضافة إلى صعوبة حصول المستفيدين على تمويل وغياب الإجراءات الاستباقية المتخذة لمحاولة تدارك الحوادث والكوارث".
وأشارت إلى أن "جزءاً من الحل يتمثل بتدخل الوكالة الوطنية لتأهيل المباني الآيلة إلى السقوط، علماً أن الإمكانات المادية والبشرية باتت تتوافر للمرة الأولى لهذه الوكالة التي يمكن أن تتحمل مسؤوليات تنفيذ المشروع، ووضع الرؤية والاستراتيجية الخاصة به".
وأكدت أن "الوزارة ستطلق حملات للوقوف على أحوال المنازل المصنفة بأنها آيلة إلى السقوط في كل المدن، تمهيداً للحصول على نظرة ورؤية شاملة في شأنها، وتحديد مستويات المخاطر التي تحدق بحياة القاطنين فيها".