في 20 مارس/ آذار الجاري، نشرت الجريدة الرسمية المصرية قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي حمل رقم 12 لعام 2022 لإنشاء المجلس الصحي المصري وتنظيمه. وجرت المصادقة عليه رسمياً ليدخل مرحلة بدء تنفيذه خلال ستة أشهر، تشكل العمر المحدد لإصدار لائحة قراراته التنفيذية تمهيداً لتطبيقها.
ويتولى المجلس الصحي المصري، باعتباره هيئة خدماتية مستقلّة، تدريب كل أعضاء الفرق الطبية، في مرحلة ما بعد انتهاء الدراسات الجامعية. ويتبع لرئيس الجمهورية مباشرة، فيما تشارك جهات عدة في التدريبات، وبينها إلى وزارة الصحة والسكان، الجامعات والقوات المسلحة، ويتولى إخضاع المتدربين إلى اختبار واحد للحصول على شهادة موحدة.
ويهدف المجلس إلى تنظيم مجالات الصحة في مصر، ورفع المستوى العلمي والتطبيقي للأطباء والعاملين في مختلف التخصصات الصحية، وتطوير التدريب التخصصي في كل المهن الصحية بالاعتماد على برامج تتناسب مع مرحلة ما بعد التعليم الجامعي. وهو يختبر قدرات المتدربين للتحقق من امتلاكهم المؤهلات الكافية لممارسة مهماتهم بطريقة تضمن أعلى درجات الأمان للمرضى، وتحسين الخدمات الصحية في مصر عموماً، استناداً إلى السياسة الصحية والطبية العامة للدولة التي تخضع للتوجيهات الرئاسية "كي ينعم المواطن بحياة كريمة".
وفيما يكرّس إنشاء المجلس الصحي المصري أهدافاً منطقية ومتوازنة، تترك بعض بنود قانون تأسيسه وتنظيم عمله مخاوف كثيرة من تحميل الأطباء نفقات دراسية أكبر. فإلى جانب خصخصة الدراسات العليا لكليات الطب، ألغى القانون ما يعرف بـ"الزمالة"، أي الشهادة التي تعادل الدرجات العلمية خارج مصر، وأسس لما يعرف بـ"البورد المصري" وجعل الحد الأقصى للرسوم يساوي 80 ألف جنيه (أكثر من 5 آلاف دولار).
وكان أطباء وزارة الصحة الملتحقون ببرنامج الزمالة لا يتحملون أيّ رسوم دراسية، ويكتفون بدفع رسوم رمزية تبلغ حوالي 600 جنيه (38 دولاراً) فقط، لأنّ الزمالة تتبع وزارة الصحة، ودراساتها التخصصية تشكل جزءاً أساسياً من عملهم.
كما ألغى قانون إنشاء المجلس الصحي المصري اللجنة العليا للتخصصات الطبية، وهيئة التدريب الإلزامي للأطباء، وفرض رسوماً إضافية جديدة يحصّل المجلس نفسه نسبة 90 في المائة منها، في مقابل 10 في المائة تحوّل إلى الخزانة العامة للدولة لإنفاقها على خدمات يقدمها، مثل اعتماد الشهادات المهنية الصادرة عن الجهات المانحة لكلّ المتدربين، وتحديد أماكن التدريب الصحي وترخيصها، واختيار المشرفين، وتنفيذ برامج مستمرة للتدريب الصحي والمهني، وإجراء الامتحان القومي لمنح تراخيص مزاولة المهنة، واعتماد شهادة اجتيازه، وكذلك امتحان البورد المصري، واعتماد شهادة اجتيازه، علماً أنّ رسوم هذه الخدمات كانت رمزية سابقاً، وبينها مبلغ 100 جنيه (6.34 دولارات) رسم امتحان مزاولة المهنة.
وقد ترك القانون الجديد للمجلس الصحي الأطباء في حيرة عن الجهة التي تتحمل رسوم الدراسات، فقرار وزارة الصحة رقم 387 الصادر عام 2018 كان يقرّ بأن تتحمل جهة العمل الأصلية لأعضاء المهن الطبية رسوم الدراسات العليا من مواردها الذاتية، مع تحديد رسم 600 جنيه (38 دولاراً) الرمزي للطبيب. وفي حال عدم توفر المال يصرف المبلغ من وزارة الصحة والسكان.
من هنا يتوقع إلغاء شهادة الزمالة واستبدالها بـ"البورد" الجديد، فور إصدار قرارات اللائحة التنفيذية التي يفترض أن تحدد قيمة مصاريف الشهادة الجديدة ومن يتحمل تسديدها، واحتمال الإبقاء على القانون رقم 137 الصادر عام 2014 الذي يحمّل جهة العمل تكاليف الدراسات العليا، أو إلغائه كي تصبح على عاتق الطبيب نفسه. واللافت أن هذه الأعباء العلمية تأتي في وقت تتدهور الأوضاع المادية للأطباء في ظل عملهم وسط نظام صحي متهالك. ويقدر راتب الطبيب المصري في بداية تعيينه بنحو 2500 جنيه (155 دولاراً)، ويرتفع إلى 4 آلاف جنيه (250 دولاراً) ثم 5 آلاف جنيه (315 دولاراً) بعد حصوله على شهادات تخصصية أعلى.
ويبقى السؤال الأهم الذي يطرحه الأطباء، ما قيمة إلغاء الزمالة التي تعتبر الشهادة التخصصية الإكلينيكية المصرية الأكثر عراقة منذ عام 1998، وتأسيس شهادة إكلينيكية جديدة بدلاً منها لا تتمتع بأيّ رصيد على صعيد السمعة والاعتراف الدولي.
وهل الأجدى إصلاح نظام الزمالة، وتوفير الإمكانات المناسبة لتدارك العيوب التي لحقت به، أو إلغاؤه واستبداله بنظام جديد بأسماء ورسوم أخرى، وترك الأزمة الحقيقية المتمثلة في العدد المرتفع جداً للطلاب والمتدربين التي تفوق طاقات الاستيعاب؟
ويقدر عدد خريجي كليات الطب في مصر بحوالى 9 آلاف سنوياً، وعدد الأطباء في المستشفيات الحكومية بحوالي 82 ألف طبيب من كلّ التخصصات، من أصل 213 ألف طبيب مسجلين. أما القوى الأساسية التي تملك تراخيص مزاولة المهنة فنسبتها 38 في المائة، وفق دراسة أعدتها أمانات المستشفيات الجامعية، والمكتب الفني لوزارة الصحة المصرية ومجموعة من الخبراء والمتخصصين حول أوضاع مهنة الطب البشري، واحتياجات سوق العمل من الأطباء.
ويعمل 75.700 طبيب و143.200 ألف ممرض في 691 مستشفى حكومياً في مصر، و25.130 طبيباً و22.800 ممرض في 1157 مستشفى خاصاً. لكنّ ذلك لا يمنع معاناة مصر من نقص شديد في عدد الأطباء بسبب هجرة عدد كبير منهم طوال سنوات.