مدارس لبنان... مستقبل أكاديمي غامض والقرار لكورونا

12 أكتوبر 2020
أتعبتها الشاشة (حسين بيضون)
+ الخط -

بعد تخبط طويل الأمد، أصدرت وزارة التربية اللبنانية قراراً باعتماد التعليم المدمج ما بين حضوري وعن بعد. لكنّ هذا القرار لا يبدد الضياع في القطاع التربوي الذي يشمل المسؤولين والمدارس والمعلمين والتلاميذ

يفرض العام الدراسي الجديد في لبنان تحديات جمّة، أسوةً بغيره من دول العالم من جرّاء تفشي جائحة كورونا. وما يزيد الطين بلّة تضرّر نحو 165 مدرسة وثانوية رسمية وخاصة، و20 مدرسة مهنية رسمية، نتيجة لانفجار الرابع من أغسطس/ آب الماضي. كما أنّ مشاكل وبطء وغلاء شبكة الإنترنت في لبنان وعدم توفّر التجهيزات الكافية يُعرقل مسألة التعلّم عن بُعد.
وبعد تأجيل، يبدأ اليوم التدريس في صفوف التاسع الأساسي (الشهادة المتوسطة) والثاني الثانوي والثالث الثانوي (شهادة الثانوية العامة) في المدارس الرسمية والخاصة، على أن تبدأ بالتدريج بقية الفصول، مع مراعاة التدابير الوقائية ونظام التعليم المدمج بحسب القرار الأخير لوزير التربية طارق المجذوب. هكذا، سيكون هناك تنوع في المسارات التعليمية التي ستنتهجها المدارس، والتي باشر بعضها في القطاع الخاص إعطاء الدروس منذ الشهر الماضي.

التعليم المدمج 
يقول مصدر مطّلع في وزارة التربية والتعليم العالي لـ "العربي الجديد" إنّ "اجتماع لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا أوصى بالتعليم المدمج، وهو الخيار الأفضل لهذه المرحلة، مع الالتزام بالإجراءات الوقائية وبنسبة أقصاها 50 في المائة من سعة الصفوف، مع مراعاة التباعد الاجتماعي في المؤسّسة التعليمية ووسائل النقل. كما سيتمّ تقسيم التلاميذ إلى مجموعات، بما لا يزيد عن 18 تلميذاً في المجموعة الواحدة، على أن تحضر المجموعة الأولى طيلة أيام الأسبوع، تليها المجموعة الثانية في الأسبوع التالي، وعلى أن تتابع المجموعة الأولى التعليم عن بُعد أثناء وجود المجموعة الثانية في المدرسة والعكس صحيح، أو اعتماد خيار توزيع أيام الأسبوع على المجموعتين. وفي الحالتين، نضمن استفادة التلاميذ من وقتهم في المنزل لإنجاز الواجبات المدرسية، لا سيّما في حال كان ينقصهم حاسوب أو شبكة إنترنت".

ويلفت إلى أنّ "التقييم الصحي العام للفيروس في لبنان والذي تجريه لجنة كورونا، سيحدّد مصير المدارس والمسار الواجب اتّباعه. ففي حال ساءت الأمور، ربّما يُلغى خيار التعليم المدمج، وتقتصر العملية على التعليم عن بُعد، إلا أنّ الأخير يتطلّب حواسيب محمولة وتجهيزات ومعدّات وشبكة إنترنت جيدة فعّالة، وتترتّب عليه كلفة ومستلزمات إضافية غير متوفرة في المدارس الرسمية". ويوضح المصدر التربوي أنّ "المركز التربوي للبحوث والإنماء قام مؤخراً بتخفيف المنهاج الدراسي إلى النصف. أمّا بالنسبة للإجراءات الوقائية، فقد تواصلنا مع الجهات المعنية لتأمين مواد التعقيم والوقاية وخصّصنا مرشداً صحيّاً لكل مدرسة رسمية. كما سيُفرض على الأساتذة والتلاميذ ارتداء الكمّامة".

خيار متعب
يقول نقيب المعلمين في المدارس الخاصّة رودولف عبّود، لـ "العربي الجديد"، إنّ "المسار التعليمي يختلف بحسب وضع كلّ مدرسة، لكن لا يحقّ لأيّ مدرسة التوجّه نحو خيار الحضور الكامل في حال كانت هناك موانع رسمية، علماً أنّ قرار وزارة التربية والتعليم العالي يرجح التعليم المدمج. ويعد هذا السيناريو محتملاً بعد سيناريو التعلّم عن بُعد، علماً أن الأخير يُعدّ متعباً جداً، وتترتّب عليه مصاعب كبيرة على الأهل والتلاميذ، وخصوصاً الأساتذة". ويقول: "على كلّ المدارس التأكّد من إمكانيّاتها وإجراءاتها الوقائية، من توعية وتأمين مواد التعقيم وتوزيع التلاميذ في الصفوف، وإلا سنصل إلى نتيجة كارثية".
إلى ذلك، تقول رئيسة اتحاد لجان أولياء الأمور في المدارس الخاصة في لبنان، لمى الطويل: "عمد وزير التربية طارق المجذوب إلى إعطاء المدارس الخاصة حرية اختيار طريقة التعليم. أمّا الأهل، فهم في حالة ضياع خوفاً على مستقبل أولادهم. الضغوط الاقتصادية والصحية أثقلت كاهلهم، لا سيّما أنّهم دائماً مَن يدفع الثمن في دولة غير مسؤولة عن شعبها. والمدارس الخاصة، بغالبيتها، لا يهمها سوى جني الأرباح، والوزارة لا تملك أيّ خططٍ مستقبلية أو رؤية تربوية لمستقبل جيلٍ بأكمله".

تعليم إلكتروني في لبنان- حسين بيضون

تضيف لـ "العربي الجديد": "الصورة ضبابية. بعض الأهل يخشون الوضع الصحي في حال اضطرّ التلاميذ إلى الحضور، خصوصاً أنّنا شهدنا مؤخراً إصابات في بعض الإدارات، الأمر الذي لا يوحي بالثقة بأداء إدارات المدارس والتزامها بسبل الوقاية". كذلك، تلفت إلى أنّ "البعض الآخر متأثر بالوضع الاقتصادي، خصوصاً أنّ تجربة التعليم عن بُعد تفتقد إلى أيّ بنى تحتية (كهرباء وإنترنت). أمّا من اتّخذ من الأهالي قرار الانتقال إلى الرسمي، فسيواجه مشاكل أكبر، إن لناحية قدرة الاستيعاب أو لناحية تحضير البرامج والمنصّة التعليمية الملائمة. لذلك، فإنّ السنة صعبة على الجميع، وتتطلّب تعاضداً وطنيّاً. وفي حال اختلف النظام التعليمي، من الطبيعي أنّ تتغير الأقساط المدرسية".

مسارات متفاوتة
يقول الأمين العام للمدارس الكاثوليكية، الأب بطرس عازار، لـ "العربي الجديد"، إنّ "المدارس الكاثوليكية تتّجه بالمبدأ نحو نظام التعلّم المدمج، إلا أنّنا نترك لكلّ مدرسة الحرية في اختيار المسار التعليمي المناسب، بشرط الالتزام بالاحترام الكلّي للبروتوكول الصحي الصادر عن وزارة التربية والتعليم العالي والتباعد الاجتماعي والأصول التي أوصت بها وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية".
من جهتها، تكشف مستشارة الأمين العام لمدارس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، غنى البدوي، أنّ "مدارس المقاصد باشرت مسار التعلّم عن بُعد والتحضيرات للعام الدراسي الجديد ومراجعة الدروس السابقة. أمّا التعليم المدمج، فيشمل كلّ المراحل باستثناء صفوف الشهادات الرسمية التي ستّتبع مسار الحضور اليومي، على أن يتمّ توزيع التلاميذ على قاعات كبيرة، تضمّ كل قاعة 15 تلميذاً. والقاعات مزوّدة بأجهزة صوتية وشبكة إنترنت وإجراءات وقائية". 
وتقول لـ "العربي الجديد": "ستُقسّم باقي الصفوف إلى مجموعتين؛ 3 أيام تعليم عن بُعد و3 أيام حضور، كون التعليم أصبح 6 أيام وليس 5 أيام. نجهّز كذلك حاسوب لكل معلم بحسب الحاجة، وسنؤمّن لهم الإنترنت سواء أكانوا في المنزل أو في المدرسة. وقد راعينا أن يكون الدوام فقط حتى الساعة 12 ظهراً. كما يخضع المعلمون إلى دورات تدريبية حول التعلّم عن بُعد".
تضيف البدوي: "بهدف حل مشكلة عدم حيازة جميع التلاميذ شبكة إنترنت في منازلهم، أو مشكلة انقطاع التيار الكهربائي لدى البعض منهم، سنقوم بتسجيل الدروس التي يتمّ شرحها، كي يتمكّن كل تلميذ من دراستها لاحقاً. كما أنّنا نسعى مع بعض المؤسّسات المانحة للحصول على تمويل لشراء أجهزة لوحية (تابلت) وبطاقات إنترنت للتلاميذ". 

بدوره، يكشف أمين عام مدارس العرفان التوحيديّة الشيخ سامي أبي المنى، أنّ "مدارس العرفان ستعتمد التعليم عن بُعد الذي قد يستمر حتّى نهاية الفصل الأول من العام الدراسي، في حال استمرّت الأوضاع بالتصاعد، إذ لا يمكننا المغامرة بسلامة التلاميذ ولا يمكننا تركهم من دون تعليم. كما أنّنا جاهزون ومستعدّون لهذا النوع من التعليم ومقتنعون بأنّنا نستطيع تحقيق نتائج. وبادرنا إلى توفير مستلزماته، لا سيّما أنّ بعض التلاميذ يعانون بسبب عدم توفر الكهرباء والإنترنت والأجهزة الإلكترونية في منازلهم". يتابع: "جهّزنا لذلك مجموعة قاعات مزوّدة بالحواسيب والإنترنت والطاولات والكراسي مع مراعاة التباعد الاجتماعي. ويمكن للأهالي الحضور مع أولادهم ساعات التعليم والاستفسار من المعلّمين وتحميل كل الدروس المطلوبة. كما تشارك المعلمات في ورشة عمل لتحضير الدروس وتنظيمها لتكون بصيغة إلكترونية مرفقة بوسائل تحفيزية وأدوات شرح وتقييم تُغني التلامذة عن شراء الكتب نظراً لارتفاع أسعارها، مع العلم أنّنا سنبقي على بعض الأمور التي تتطلّب الكتابة والتحضير ورقيّاً، كي لا يكون الاعتماد فقط على الأجهزة الإلكترونية". وإذ يتحدّث أبي المنى عن "دوراتٍ يخضع لها معلّمو مدارس العرفان حول التعلّم عن بُعد"، يقول: "لقد أعطينا الحرية لمدارسنا لاختيار المسار الأنسب بشرط الالتزام بالإجراءات الصحية وضمن ضوابط قاسية جداً. كما أنّنا جاهزون للتعليم المدمج ضمن ضوابط وشروط الوزارة، وربما نستقدم التلاميذ في أيام محدّدة للقيام بنشاطات معيّنة، أو في حال اضطرّ الأستاذ لطلب حضورهم إلى الصف، مع مراعاة الإجراءات الوقائية وبشكل مدروس جداً. ويأتي التلاميذ بسيارات ذويهم وليس حافلات المدرسة".
من جهته، يقول منسّق مديرية الشؤون الرعائيّة في جمعيّة "المبرات" الخيرية إبراهيم علاء الدين: "وضَعنا مخطّطاً متكاملاً للاستمرار في تقديم التعليم النوعي والمتكافئ، وتركنا للأهل حرية اختيار المسار المناسب لهم، ما أدّى إلى ارتفاع معدّل التسجيل حتى منتصف سبتمبر/ أيلول الماضي إلى حدود 80 في المائة بالمقارنة مع العام الماضي. وقمنا بإعداد 3 مسارات: التعليم المباشر من خلال الصفوف الافتراضية التفاعلية للّذين يعانون مشاكل صحية أو ضعفاً في المناعة، أو للّذين لا يرغب أهلهم بمجيئهم إلى المدرسة. وجهّزنا لذلك مركزين في العاصمة بيروت، كخطوة نحو تجهيز مراكز في الجنوب والبقاع. إلا أنّ هذا المسار يستلزم من كل طالب اقتناء حاسوب وإنترنت، وقد بدأنا به في 8 سبتمبر/ أيلول الماضي مع صفوف الشهادات الرسمية". يضيف: "أمّا المسار الثاني فهو التعليم عن بُعد عبر منصّة إلكترونية تعليمية اعتمدناها العام الماضي، تتضمّن عرض الفيديوهات التعليمية والدروس وتلقّي الواجبات المدرسية وإجراء الامتحانات وتصحيحها وتقييم التلاميذ. وقد أضفنا هذه السنة بعض التحديثات عليها، لناحية استحداث ملتقى بين الأساتذة والتلاميذ يتيح لهم الدردشة، وطلب المناقشة وتلقّي الإشعارات". ويشير علاء الدين إلى أنّ "المسار الثالث هو التعلّم المدمج مع اتّخاذ الإجراءات الوقائية، وتنظيم أوقات الاستراحة في الملاعب وعملية الشراء من الدكان والكافيتيريا ودخول دورات المياه. وقد استبقنا هذا المسار بمراجعة الدروس عبر المنصّة التعليمية. أمّا المتعثرون دراسياً والأشخاص ذوو الإعاقة، فسيكون حضورهم يوميّاً، لكن ضمن الإجراءات الصحية والوقائية".

تعليم إلكتروني في لبنان- حسين بيضون

ولم تتخذ مدرسة "الليسيه فردان" لغاية كتابة التقرير، قراراً نهائياً يتعلق بالمسار التعليمي الذي سيتمّ اتّباعه، بحسب ما أفاد أحد المعنيّين في القسم الإداري لـ "العربي الجديد".
وإلى مدرسة الحياة الدولية، يوضح مدير العلاقات العامّة والتسويق لديها محمد عيتاني، أنّ "المدرسة قرّرت المضي بالتعليم عن بُعد، وهو النظام الذي اعتمدته منذ العام الماضي قبل بدء التحركات الشعبية وانتشار الفيروس. نحن أصلاً معتادون على المنصّات الافتراضية في شرح الدروس وعقد الاجتماعات مع الأهالي، وكانت مناهجنا جاهزة ولم يؤثّر الفيروس على أنشطتنا ولا حتّى على الإرشاد الاجتماعي". يضيف: "نعتمد كذلك نظاماً تعليمياً متكاملاً يتيح فرصة تعلّم شبه كاملة. صحيح أن الحضور الشخصي يختلف طبعاً، غير أنّنا قسّمنا الحصص الدراسية بطريقة مدروسة مع تحديد وقت للفرصة (الاستراحة) يسمح للتلاميذ بالتفاعل عبر المنصّة الافتراضية وكأنّهم في الملعب". ويحذّر عيتاني من "التعليم المدمج حرصاً على سلامة الأساتذة والتلاميذ وأهلهم، خصوصاً أنّ الأولاد لا يلتزمون بالإجراءات الوقائية، وقد رحّب الأهالي بالمسار الذي اخترناه تفادياً لخطر انتقال العدوى، علماً أنّ خطط التعليم المدمج جاهزة لدينا"، لافتاً إلى أنّهم بادروا إلى "إلغاء طلب اللباس الموحّد والتخفيف من القرطاسية وتثبيت الأقساط على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية لكل دولار أميركي، كما تحديد سعر البرامج عبر المنصّة التعليمية وفق سعر الصرف المعتمد من قبل المصارف".

مساعٍ لإنقاذ العام الدراسي
وتتحدث مديرة إحدى الثانويات الرسمية عن الالتزام بقرار وزارة التربية، مشيرة إلى أنّ "الثانوية ما زالت متضررة جداً وغير قادرة على استقبال التلاميذ. وقد وُعدنا بتأمين مبنى آخر، لكن أعتقد أنّنا سنبدأ الشهر التعليمي الأول بالتعليم عن بُعد، ومن ثمّ نبدأ بالتعليم المدمج أسوةً بالمدارس الأخرى".

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ويرى مدير إحدى المدارس الرسمية أن قرار التعليم المدمج "خطوة مهمّة لإعادة التلميذ إلى المدرسة، بدلاً من الاكتفاء بتعليمه في المنزل، كي لا يخرج من جو المدرسة والنظام والقلم والدفتر والكتاب والمتابعة الصفية، وكلّها عوامل مهمة جداً لاستيعاب الشرح والحصول على وسائل التدريس النموذجية وضمان شفافيّة الامتحانات وعملية التقييم". ويؤكّد أنّ "الأسبوع المنزلي سيكون للتعلّم عن بُعد، وفي حال انعدام الإنترنت والوسائل التكنولوجية المساندة، يمكننا أن نزوّد التلاميذ بالدروس والواجبات المدرسية بشكل ورقي، ما يتيح لهم القراءة والتحليل ومن ثمّ مشاركة أجوبتهم والتفاعل مع المعلمين لدى عودتهم إلى المدرسة"، مشيراً إلى أنّ "آلية اعتماد تطبيق الواتساب أثبتت أنّها ليست مجدية جداً". ويلفت إلى أنّ "الأسابيع الستة الأولى ستكون عبارة عن مراجعة وتكملة للدروس الضرورية التي لم يتمّ شرحها العام الماضي، وسنبدأ بالمنهاج الجديد في ديسمبر/ كانون الأول المقبل. وقد اتّخذنا الكثير من الاحتياطات، غير أنّها تتطلّب كلفة عالية، وصناديقنا خاوية، والأسعار تضاعفت، ونعوّل على وجود الخيّرين، فالوضع متفاقم جداً والظروف الاقتصادية مزرية. كما أنّنا لم نطلب الهندام المدرسي الموحّد رأفةً بالأهالي الذين بالكاد يؤمنون لقمة عيشهم".

المساهمون