مع دخول فصل الشتاء، يستخدم مئات آلاف الأفغان شتى الوسائل من أجل الحصول على الدفء، خاصة في المناطق شديدة البرودة في الشمال، وبعض مناطق الجنوب، ومن أبرزها غاز الطهي الذي يستخدم في تشغيل الدفايات الغازية؛ كونه متاحا ورخيصا ونظيفا مقارنة ببقية وسائل التدفئة، لكنه يحصد أرواح المئات سنوياً.
ولا توجد إحصائية دقيقة لأعداد ضحايا استخدام الغاز وسيلةً للتدفئة في أفغانستان، لكنّ الحوادث المتكررة في أنحاء البلاد تخلف مئات الوفيات سنوياً، إذ عادة ما توضع المدافئ الغازية داخل الغرف، وتترك مشتعلة خلال فترات النوم، ويحدث في بعض الأحيان أن تنطفئ الشعلة، فيتسرب الغاز، ويؤدي إلى قتل النائمين. ورغم التنبيه من مخاطر استخدام الغاز بهذه الطريقة، إلا أن الحوادث تتكرر، فالناس مرغمون على استخدام الدفايات بسبب شدة البرد.
وخلال الأيام الأخيرة، شهدت ولاية داكندي الشمالية وفاة عروسين في الأسبوع الثاني من زواجهما اختناقاً بغاز التدفئة، وقالت الحكومة المحلية في الولاية، في بيان في الخامس من يناير/كانون الثاني، إن الحادث وقع في مديرية شهرستان، حيث تزوج حفيظ الله (30 سنة) بفتاة من أقاربه عمرها 28 سنة، وكانا يستخدمان غاز الطهي وسيلةً للتدفئة ليلاً، وفي الصباح، استيقظ أفراد الأسرة ليكتشفوا أن العروسين توفيا، وأن الغاز يملأ الغرفة.
وطلب البيان الحكومي من عامة المواطنين الحذر حيال استخدام الغاز في التدفئة، وأخذ التدابير اللازمة لتفادي الخطر، موضحاً أن "الغاز يحصد الأرواح بشكل متواصل، والناس غير منتبهين لمخاطره، ما يؤدي إلى كثرة وقوع الحوادث المؤسفة".
وفي 23 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لقيت عروس أفغانية حتفها في حادث مماثل في مديرية وردوج بإقليم بدخشان (شمال). وفي تفاصيل الحادث، أن العروسين دخلا إلى غرفتهما في ليلة الزفاف، وكانت في الغرفة دفاية غازية، وفي الصباح استيقظ جميع أفراد الأسرة، لكن لم يستيقظ العروسان، وحين دخلت أم العريس إلى الغرفة وجدتهما في حالة إغماء، وكانت رائحة الغاز تملأ الغرفة، فجرى نقل العروسين إلى المستشفى، لكن العروس لفظت أنفاسها الأخيرة قبل الوصول، بينما أمكن إنقاذ العريس، الذي استفاق بعد يومين ليكتشف أن عروسه توفيت.
وفي 28 ديسمبر الماضي، توفي خمسة أشخاص من أسرة واحدة في منطقة "غيب قلندر" في الضاحية الخامسة من مدينة غزنة، بعد تسرب الغاز في غرفة كانوا ينامون داخلها، وهم أب وأم وثلاثة من أولادهما، وفق الحكومة المحلية في الولاية.
يقول وجيه الله خان، وهو أحد سكان المنطقة التي وقع فيها الحادث المأساوي، لـ"العربي الجديد"، إن "الحادث هز كل المنطقة، وكل الأسر المرتبطة بالضحايا، خاصة أن ثلاثة منهم كانوا أطفالاً، وكان عمر أكبرهم ست سنوات. كان الرجل دائماً يوصي إخوانه وأقاربه بالحذر عند استخدام الغاز، وكان يطالبنا أن نطفئ دفاية الغاز قبل النوم لأن الحوادث كثيرة، لكنه لم يكن يعرف أنه سيكون ضحية مع عائلته".
يضيف خان: "تتكرر تلك الحوادث المؤسفة في كل أنحاء البلاد، خاصة في المناطق شديدة البرودة، ومنها ولاية غزنة، حيث يفضل الناس استخدام الغاز على الوسائل الأخرى، إذ إن الكهرباء شبه معدومة، ولا يمكن الاعتماد عليها في التدفئة، وحتى إذا كانت متوفرة، فإن الفواتير تكون مكلفة، ما يزيد من صعوبة استخدام الكهرباء".
ومن أبرز الحوادث التي هزت المجتمع الأفغاني، ما حدث في العاصمة كابول خلال العام الماضي، حين توفي عشرة أشخاص من أسرة واحدة من جراء تسرب غاز التدفئة داخل غرفة كانوا ينامون فيها بمنطقة "ميكرويان" في قلب العاصمة، وحينها تفاعلت القضية بشكل كبير، لكنها انتهت مثل غيرها، ولا تزال الحوادث مستمرة.
يقول الناشط الأفغاني محمد كامران لـ"العربي الجديد": "هذه الظاهرة متكررة، والسبب الأبرز هو لامبالاة الناس رغم تكرار الحوادث القاتلة. هناك وسائل تدفئة أخرى، لكن غالبية المواطنين لا يستخدمونها، من بينها إشعال الحطب والفحم، وغالباً ما يتجنبها الناس بسبب مخاطرها الصحية مقارنة بالغاز، كما أنها لا تدوم طويلاً بعكس استخدام الغاز".