استشهد 12050 طفلاً من إجمالي 27947 شهيداً منذ بدء الحرب
ولد في قطاع غزة ما لا يقل عن 150 ألف طفل بين عامي 2014 و2023
لم يعش أطفال غزة المولودون خلال السنوات العشر الأخيرة حياة طبيعية
يشكل أطفال غزة الحلقة الأضعف بين النازحين الذين تزداد أعدادهم مع استمرار العدوان الإسرائيلي على مختلف المناطق في القطاع، وقد طبعت في ذاكرتهم تفاصيل النزوح المتكرر مع تكرار الحروب.
لم يتجاوز الطفل الفلسطيني يزن السلطان السابعة من عمره، لكنه عاش خلالها 11 رحلة نزوح، حتى بات يعتقد أن معايشة الحروب والنزوح أمر طبيعي، فهو لا يعرف تقريباً سواها، إذ نزحت عائلته خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط ثلاث مرات بسبب العدوان الإسرائيلي، الأولى أثناء عدوان عام 2021، حين قصفت الطائرات منطقتهم في شمالي القطاع، فانتقلوا إلى مدرسة في حي النصر بوسط مدينة غزة، كما نزحوا مجدداً بعد هجوم إسرائيلي على أهداف بالقرب من منطقتهم خلال عدوان أغسطس/آب 2022، لكن النزوح الحالي يعد الأخطر والأطول.
تقول والدته آلاء السلطان (34 سنة): "كنا نعيش في منطقة السلاطين شمالي قطاع غزة، وكانت من أولى المناطق التي نزح سكانها بعد بدء عدوان الاحتلال، إذ تعرضت منازل المنطقة والأراضي الزراعية المحيطة للقصف الشديد، ولاحقاً علمنا أن منزلنا والحي بالكامل تعرّض للتدمير. انتهت رحلة نزوحنا في مدرسة بنات رفح الإعدادية القريبة من شارع البلد، وأنس كالكثير من أقرانه يعتقد أن الحياة التي يعيشونها في غزة هي نفس الحياة التي يعيشها كل أطفال العالم.
بنظرات توتر وخوف، يراقب الطفل أنس السماء، ويتابع في أي اتجاه سيظهر الدخان بعد أن سمع صوت قصف قريب، ويقول لـ"العربي الجديد": "هذه الحرب بشعة. كنت أعتقد أنني سأعود بعد أيام إلى منزلنا مثل ما حدث في الحرب السابقة. نجلس عدة ليال في المدرسة، ثم نعود للمنزل لأنام بلا خوف، لكننا هنا منذ أيام كثيرة، وأتناول أكلا بشعا، ولا أستطيع النوم".
لم يعش أطفال غزة المولودون خلال السنوات العشر الأخيرة حياة طبيعية
لدى أنس شقيقتان عمرهما 12 و13 سنة، ولا يختلف تفكيرهما حول ما عاشته الأسرة خلال العدوان عن تفكيره. وتبيّن والدتهم لـ"العربي الجديد": "ليس من العدالة أن يجبر أطفال غزة على عيش سنوات حياتهم الأولى في ظل انقطاع الكهرباء والمياه، وأصوات طائرات الاستطلاع، والحصار المطول، وتكرار الحروب والنزوح. طفلي يسألني متى نعود للمنزل؟ ومتى تنتهي الحرب؟ وفي اعتقاده أن الحرب لها موعد، وأنه سيعود بعدها إلى حياته السابقة".
ومع تكرار عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، والحصار المتواصل منذ أكثر من 17 عاماً، لم يعرف الآلاف من أطفال القطاع حياة طبيعية، خصوصاً من وُلدوا منهم خلال السنوات العشر الأخيرة، والذين تكرر نزوحهم مع عائلاتهم مرات عدة.
وعاش الغزيون بشكلٍ عام مرات نزوح متعددة بسبب تكرار العدوان الإسرائيلي، وقدرت أعداد النازحين في العدوان الأول عام 2008 من مناطق شمالي قطاع غزة وشرقي مدينة غزة بأكثر من 100 ألف فلسطيني، وظل في مراكز الإيواء بعد العدوان لعدة أيام قرابة 45 ألف نازح، وشهد عدوان صيف عام 2014 نزوحاً كبيراً، إذ نزح قرابة نصف مليون غزي من مناطق شمالي القطاع والأحياء الشرقية لمدينة غزة وشرقي مدينة خانيونس. وتشير تقارير مركز الميزان لحقوق الإنسان، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، إلى أن الأطفال والنساء كانوا دائماً يشكلون النسبة الأكبر من النازحين، وأن نسبة الأطفال كانت عادة تتجاوز نصف أعداد النازحين.
يشكل أطفال غزة نسبة كبيرة ضمن شهداء العدوان الإسرائيلي المتكرر
وشكل أطفال غزة دائماً نسبة كبيرة من ضمن شهداء العدوان الإسرائيلي المتكرر على القطاع، إذ استشهد 412 طفلاً من أصل 1417 شهيداً في العدوان الأول في عام 2008، واستشهد 34 طفلاً من بين 168 شهيداً في عدوان عام 2012، وفي عدوان عام 2014 استشهد 530 طفلاً من بين 2174 شهيداً. وفي عدوان مايو/أيار 2021، استشهد 66 طفلاً من أصل 255 شهيداً، وأثناء العدوان الإسرائيلي في أغسطس/آب 2022، استشهد 15 طفلاً من أصل 43 شهيداً. بينما خلال العدوان الحالي، ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول حتى التاسع من فبراير/شباط، بلغ عدد الشهداء الأطفال 12050 من بين 27947 شهيداً.
كان الطفل سامي أبو طعيمة (10 سنوات) يبلغ من العمر ثلاثة أشهر عندما حملته والدته خلال رحلة النزوح الأولى في حياته من منطقة المنطار شرق حي الشجاعية، نحو مدرسة البحرين في حي تل الهوا خلال عدوان عام 2014، وقد تكرر نزوحهم في عدوان عام 2021، لكنهم نزحوا إلى نفس المدرسة من جديد في أكتوبر/تشرين الأول 2023، قبل أن تصلهم تهديدات جيش الاحتلال، وتقرر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" ترك مسؤولية حمايتهم، ما اضطرهم إلى النزوح إلى مناطق أخرى، وصولاً إلى مدينة رفح في أقصى جنوبي القطاع.
تتكون أسرة أبو طعيمة من سبعة أفراد، وتقول والدته إسراء أبو طعيمة (40 سنة): "نقيم في واحدة من أكثر المناطق التي يستهدفها الاحتلال في كل عدوان، وطفلي سامي يتعايش مع الأخبار السياسية منذ طفولته، حتى أن كلمات قصف وحرب كانت من ضمن أولى الكلمات التي نطقها في حياته، وهو من بين عشرات آلاف الأطفال الذين تجاوزت عدد مرات نزوحهم عدد سنوات عمرهم، إذ نزحنا 13 مرة منذ ولادة سامي الذي لم يبلغ العاشرة بعد، وفي العدوان الحالي وحده نزحنا 10 مرات، وفي كل مرة كان يسألني: هنا في قصف؟ فهو يعتقد أن بعض الأماكن لا يطالهم فيها القصف".
يقول سامي لـ"العربي الجديد": "أتذكر عدوان 2021، حينها كان القصف شديداً، وذهبنا إلى مجمع الشفاء الطبي، وكنت أبكي لأني كنت نائماً وأيقظتني أمي حتى نذهب، لكني تعبت في هذه الحرب، فقد نزحنا من مكان إلى مكان، وفي كل مكان يوجد قصف، ورأيت في التلفزيون صديقي سمير حرز الله ووالدته ووالده يبكون، وأشعر بالخوف كثيراً، وأريد أن تتوقف الحرب حتى ألعب مجدداً مع سمير".
وتشير والدته إلى أن سامي وشقيقته الصغرى يارا (5 سنوات) يعيشان صدمة نفسية، كما كشفت لها إحدى الأخصائيات النفسيات اللواتي يزرن الخيام، وتضيف لـ"العربي الجديد": "يواجهان أعراضاً نفسية متعددة، مثل الكوابيس والتبول اللاإرادي، ويعانيان من الارتجاف بسبب الخوف والبرد، وكذلك الضعف العام. بات الأطفال يتنافسون في عدد مرات النزوح، أو من واجه الخطر أكثر من الآخر بدلاً من التنافس في الألعاب. هذا واقع مأساوي، ولا نملك أي آمال خاصة بالمستقبل".
يبلغ عمر الطفلة نادين فرح 5 سنوات، وهي لا تتذكر تفاصيل نزوحها رفقة جدتها من شمالي قطاع غزة إلى أحد مدارس أونروا في عدوان عام 2021، لكنها تتذكر كل تفاصيل رحلات النزوح خلال العدوان الحالي. وتؤكد الجدة زينة فرح (60 سنة) أن خمسة من أحفادها عايشوا نفس الأوضاع، وتجاوز عدد مرات نزوحهم عدد سنوات عمرهم، لكن بعضهم تزداد حالة القلق أو الاكتئاب في نفوسهم أثناء النزوح، وبعضهم يتفاعل بشكلٍ عدواني، أو يتفاعل عبر الصراخ.
تقول الجدة: "نزحت في عدوان 2009، وفي عدوان 2014، وفي 2021، ونزحت مجدداً خلال العدوان الحالي، وأحفادي يتذكرون كل شيء في هذا النزوح على عكس المرات السابقة، وبعضهم يتذكر تفاصيل نزوح عام 2021. المقلق أن كل ذكرياتهم ستكون حول الحروب والنزوح والقتل والدمار، بينما يفترض أن يعيشوا طفولة طبيعية".
وحسب الإدارة العامة للأحوال المدنية بوزارة الداخلية في قطاع غزة، فإنه منذ عام 2014 وحتى منتصف عام 2023، ولد في قطاع غزة ما لا يقل عن 150 ألف طفل، وعايشت هذه الفئة من الأطفال حروباً ونزوحاً متكرراً في حياتهم، وهم لا يعرفون منذ ولادتهم شيئا سوى تفاصيل الحرب والنزوح والحصار.
ووفقا لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، فإنه قبل العدوان الحالي، كان متوقعاً أن يصل عدد الأطفال ذوي الإعاقة في قطاع غزة إلى نحو 98 ألف طفل في الفئة العمرية من سنتين إلى 17 سنة، من بينهم نحو 6 آلاف طفل في الفئة العمرية من 2 إلى 4 سنوات، وما يقارب 92 ألف طفل في الفئة العمرية من 5 إلى 17 سنة.
وتشكل صعوبات التعلّم بسبب الإعاقة الأزمة الأكثر انتشارا بين الأطفال في قطاع غزة، والذين قدر عددهم بنحو 21.200 في عام 2023. وتشير أرقام الجهاز المركزي للإحصاء إلى أن تضرر القدرات الوظيفية للأطفال يشمل الرؤية والسمع والمشي والتقاط الأشياء، والتواصل والتعلم واللعب، وضبط السلوك والتركيز، والقلق والاكتئاب.