قد ينتظر المرضى في قطاع غزة أياماً للحصول على مواعيد لجلسات تصوير أشعة في مستشفيات وعيادات حكومية، في وقت لا يملك غالبيتهم الأموال المطلوبة لإجراء هذه الصور في مراكز خاصة، حتى أن بعضهم يعجز عن دفع رسوم رمزية تطلبها جمعيات خيرية تقدم خدمات طبية. ولا تتوقف المعاناة عند هذا الحد، إذ يقيّد الاحتلال الإسرائيلي منذ 10 أشهر دخول أجهزة ومعدات طبية كثيرة إلى غزة، في مقدمها أجهزة الأشعة التي تستوردها شركات أو وزارة الصحة في القطاع، ما يزيد معاناة المرضى يوماً بعد يوم.
يتحدث فؤاد السبع (54 عاماً) لـ"العربي الجديد" عن أنه اضطر إلى الانتظار أكثر من أسبوعين للحصول على موعد لجلسة تصوير أشعة لمنطقة الصدر تعتبر كلفتها باهظة جداً بالنسبة إليه في المراكز والمختبرات الخاصة، إذ تبلغ 250 شيكلاً (80 دولاراً)، فهو يعيش فعلياً على المساعدات الإنسانية منذ العدوان الإسرائيلي عام 2014، حين دمرت غارات الاحتلال مصنع إنتاج الحلوى الذي عمل فيه شرق غزة. وتتكدّس كشوف مستشفيات قطاع غزة بأسماء مرضى ينتظرون إجراء صور أشعة مختلفة الأنواع، وانضمت بالتالي إلى كشوف انتظار إجراء العمليات التي قد تمتد شهوراً. وقد يمنح المرضى مواعيد لصور الأشعة بعد ثلاثة أسابيع، ما يزيد معاناتهم وأوجاعهم المتفاقمة أصلاً بسبب نقص أصناف كثيرة من الأدوية، وارتفاع أسعار تلك المتوفّرة.
وتعتمد النسبة الكبرى من سكان غزة منذ سنوات على العلاج المجاني الذي تقدمه المستشفيات الحكومية والعيادات الطبية التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وتجبرهم حال الفقر الشديد على انتظار مواعيد تلقي الرعاية الصحية المجانية، لكن بعضهم قد لا يملك إلا حلّ اللجوء إلى العيادات والمختبرات الخاصة. ويروي السبع أنه وجد حين قصد أقسام الأشعة في المستشفيات الحكومية عدداً كبيراً من الناس ينتظرون الحصول على مواعيد قريبة، ويقول: "حاولت مع طبيبي تقريب موعد جلسة التصوير، لكن ذلك لم يتحقق فعشت ظروفاً نفسية صعبة أكثر من أسبوعين في ظل اعتقادي بوجود كتل سرطانية في الصدر. ثم أظهرت الصور وجود التهابات شديدة".
من جهته، تحدد موعد تصوير علاء طه على جهاز الموجات فوق الصوتية وجاره أياد الداية على جهاز الرنين المغناطيسي في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، علماً أنهما توجها سابقاً إلى مختبر يحتوي على مركز لتصوير الأشعة قرب مجمع الشفاء الطبي وأيضاً إلى مستشفى خاص، ووجدا أنهما يحتاجان إلى أكثر من 300 دولار لإجراء الصور، وهو مبلغ لا يستطيعان توفيره كونهما بلا عمل. ويحتاج الداية إلى صور أشعة بالرنين المغناطيسي في المخ والكتف، وطه إلى صور أشعة بالموجات فوق الصوتية لكشف مشاكل في الأعضاء التناسلية. ويقول طه: "توجهنا إلى العيادات الحكومية ومختبرات "أونروا" لأننا غير قادرين على دفع دولار واحد للعلاج، فالجوع أقوى من المرض حالياً، ونُفاجأ بأننا غير محاصرين في الجغرافية والسماء والبحر فحسب، بل بضعفنا في مواجهة الأمراض".
يقول اختصاصي الأشعة في مجمع الشفاء الطبي عبد الكريم النحال لـ"العربي الجديد": "يحضر مرضى كُثر يومياً، ويجري استخدام بعض الأجهزة فوق قدراتها الاعتيادية بنحو 150 في المائة أحياناً، ما يصيبها بأعطال". وتفيد وزارة الصحة في غزة بأن "مرافق وزارة الصحة التي تشمل عيادات ومستشفيات، تضم 22 جهازاً طبياً متحركاً وثابتاً. وقد تعطلت 8 منها وباتت خارج الخدمة بسبب الضغط الشديد والقيود المفروضة على دخول قطع الغيار، علماً أن الحاجة ملحّة لكل أجهزة التشخيص". وفي مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كشف مركز "الميزان" لحقوق الإنسان أن سلطات الاحتلال منعت وصول 14 جهازاً طبياً لتصوير الأشعة، بينها 8 أجهزة متحركة وثابتة تبرعت بها جمعيات لخدمة الحالات في المستشفيات وأقسام الولادة والعناية و"كوفيد- 19".
وأوضح أن "عدم وصول هذه الأجهزة يؤثر على الخدمات الصحية المقدمة لمرضى العناية الفائقة وحالات الوجود في المستشفى، ومرضى فيروس كورونا، خصوصاً أن المستشفيات تحتاج إلى هذه الأجهزة بعد توقف وتعطل أخرى قديمة نتيجة الاستخدام المفرط لها خلال فترة العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في مايو/ أيار الماضي، وأزمة كورونا".