يكتظ مستشفى الشفاء الطبي في مدينة غزة بالجرحى نتيجة القصف الإسرائيلي في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، حيث يصل الجرحى وبعضهم أفراد عائلات بكاملها تباعا، لكن الأطباء والممرضين يشكون من نقص القدرات، بينما تحذّر وزارة الصحة بغزة من "وضع كارثي".
ويقف أكرم الحداد (25 عاما) وقد غطّى الحزن وجهه إلى جانب سرير يرقد عليه ابن شقيقته الرضيع عبد الرحمن الدوس (18 شهرا)، ويروي أنه أصيب في غارة جوية قتل فيها 17 شخصا من بينهم ابن شقيقته الثاني (4 سنوات ونصف).
ونجا الرضيع مع والديه المصابين أيضا في الغارة نفسها التي دمّرت منزل العائلة في حي الزيتون جنوب شرق مدينة غزة، إلا أنه يحتاج لإجراء عملية جراحية طارئه، بحسب طبيبه.
ويقول الطبيب المشرف على حالة الرضيع والذي قدّم نفسه باسم عبدالله "إنه بحاجة لعملية جراحية عاجلة لإصابته في الرأس، لكن يتوجب عليه الانتظار إلى حين توافر غرفة عمليات. نعمل في ظرف استثنائي... ونحتاج إلى ضمان الحصول على الكهرباء والمعدات اللازمة قبل إجراء أي عمليات جراحية"، مضيفا: "لدينا لائحة بأسماء عدد كبير من الجرحى ينتظرون دورهم، بعضهم يفقد حياته بسبب قلة الإمكانات".
ويوضح طبيب الطوارئ بمستشفى الشفاء محمد غنيم: "تعاملنا مع عدد كبير من المصابين، معظمهم نساء وأطفال، يصلون في وقت واحد..."، مضيفا: "نقص الإمكانات يؤدي إلى ارتفاع نسبة الضحايا والشهداء. للأسف الشديد كمية المستلزمات الطبية التي نحتاجها غير متوافرة بالكمية الكافية وغير متوافرة بمخازن وزارة الصحة... نواجه أزمة كهرباء ومياه ونقص الأوكسجين".
ويتوالى وصول الجرحى من دون توقف. دفعة واحدة، يتم إدخال ثلاث نساء وطفلين ورجل مسن وشابين إلى قسم الطوارئ، ويهرع طبيب وممرضتان إلى فحص الطفلين أولا.
على أحد الأسرة، ترقد أم راما الحساسنة وإلى جانبها أطفالها الأربعة (تتراوح أعمارهم بين ثلاثة وستة أعوام)، وقد أصيبوا كلهم في القصف الإسرائيلي الذي لم يتوقف منذ السبت، ردا على عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها حماس على الاحتلال الإسرائيلي.
وأصيب منزل عائلة الحساسنة في غارة جوية استهدفت، كما تقول أم راما، منزلا مجاورا لمنزلهم في حي الشيخ رضوان في شمال القطاع. وتقول بحسرة "قصفوا المنزل، أُصبت وأصيب الأولاد، ونقلونا إلى هنا...، ننتظر العلاج"، مضيفة أن منزلهم أصيب بأضرار جسيمة.
من جهتها، حذّرت وزارة الصحة في غزة من أن نقص المستلزمات الطبية والأدوية سيؤدي إلى وضع "كارثي"، لا سيما بعد أن شدد الاحتلال الإسرائيلي حصاره على قطاع غزة.
وقالت الوزارة إن 8 مستشفيات "لا تكفي" للتعامل مع كل الحالات في قطاع غزة الذي يبلغ عدد سكانه 2.4 مليون، رغم إعلانها حالة الطوارئ واستدعائها كل الطواقم الطبية للعمل.
ويقول رئيس مكتب الإعلام الحكومي في قطاع غزة سلامة معروف: "نعاني نقصا بالأدوية والمستلزمات وأجهزة التصوير الطبقي والأشعة في ظل العدد الكبير للجرحى".
ويضيف معروف الذي يرأس اللجنة الحكومية للطوارئ أن الإحتلال الإسرائيلي" يتعمّد أن يخلق حالة إنسانية مزرية بالتضييق أو العدوان"، مشيرا إلى أن إسرائيل أبلغت "محطة الطاقة بشكل واضح أنه في حال تم تزويد المحطة بالوقود عبر الجانب المصري، سيتم قصف المحطة بشكل مباشر".
وأعلن وزير الطاقة والبنى التحتية الإسرائيلي إسرائيل كاتس وقف" نقل 54 ألف متر مكعب من المياه و2700 ميغاواط من الكهرباء إلى غزة كانت تزودها بها يومياً".
في أروقة المستشفى الواقع في حي الرمال في غرب المدينة وفي حديقته، بعض العائلات لم يعد لها مكان تعود اليه بعد علاج أفراد منها، وقد افترشت الأرض في المكان. ينام البعض على حصائر أو فرش، بينما يمسك أطفال من دون أحذية بأمهاتهم لدى سماع صوت قصف. ويمكن من بعيد رؤية نيران مشتعلة في بعض المباني المدمرة.
ويتحدث أبو عاشور سكيك (39 عاما) بصوت مخنوق، قائلا: "دُمّر منزلي كليا. لا أعرف لماذا؟"، مضيفا: "كل البيوت هنا دمرت.. ودمروا كل مقار الوزارات في الرمال". ويتابع: "كانت ليلة سوداء بالنسبة لي ولزوجتي وأطفالي. قضينا ليلتنا في مستشفى الشفاء، لا مكان نذهب إليه، صرنا لاجئين".
(فرانس برس)