على دبابة عسكرية، دخل النظام المصري ساحات اعتصام أنصار شرعية الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، فقتل من قتل واعتقل من اعتقل. وكانت تقارير الطب الشرعي الصادرة عن جهة حكومية رسمية واضحة في وصف حالات قتل معتصمي رابعة العدوية، إذ أشارت إلى "طلق ناري مباشر في الرأس" أو "طلق ناري مباشر في الصدر". فالطلقات لم تستهدف الساق ولا الكتف بهدف إعاقة الحركة والسيطرة على الاعتصام والمعتصمين، بل كانت انتقامية هدفها الأوّل والأخير هو القتل.
حتى اليوم، بعد مضي ثمانية أعوام على الانقلاب العسكري في مصر في الثالث من يوليو/ تموز 2013، ما زال الحصر الإجمالي لضحايا فضّ اعتصامَي ميدانَي رابعة العدوية بالقاهرة والنهضة بالجيزة متفاوتاً بين التقديرات الرسمية وغير الرسمية، وكذلك بين التقديرات المحلية والدولية. لكن وإن اختلف عدد القتلى، فالمحصّلة هي مذبحة بشرية لم تعرفها مصر من قبل في تاريخها الحديث.
وتختلف تقديرات المنظمات الحقوقية والحكومية، المصرية منها والدولية، في تعداد ضحايا المذبحة. بحسب التقديرات الحكومية المصرية الصادرة عن وزارة الصحة والسكان وعن مصلحة الطب الشرعي، ثمّة 333 حالة قتل، من بينها 247 حالة معلومة و52 حالة مجهولة وسبع حالات من الشرطة. أمّا تقديرات حقوقية مصرية، فتشير إلى 2200 حالة قتل بحسب إحصاء صادر عن مستشفى رابعة العدوية الميداني، فيما يرتفع العدد قليلًا ليصل إلى 2600 بحسب ما أعلنته جماعة الإخوان المسلمين آنذاك. من جهتها، ذكرت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، في تقريرها الصادر في 12 أغسطس/ آب 2014، أنّ عدد الضحايا هو 1150 قتيلاً، قبل أن ينخفض العدد في تقريرها الصادر في 14 أغسطس 2015 إلى 817 حالة.
انتهى القتل في الميادين وانتقل إلى القضاء والسجون. فمن نجا من المذبحة مهدّد بحكم إعدام، ومن نجا من حكم إعدام مهدّد بالموت نتيجة الإهمال الطبي المتعمّد في السجون المصرية. وفي 28 يونيو/ حزيران 2021، انتهت المدّة القانونية لإصدار عفو رئاسي عن المحكوم عليهم بالإعدام في القضية رقم 2985 لسنة 2015 كلي شرق القاهرة، المعروفة إعلاميًا باسم "أحداث فض اعتصام رابعة العدوية"، في حقّ 12 متهماً، من بينهم قيادات بارزة في جماعة الإخوان المسلمين.
وإلى جانب المحكوم عليهم بالإعدام في قضيّة فض اعتصام رابعة، ثمّة مئات غيرهم ممن حوكموا بتلك العقوبة، ما يجعل مصر في المرتبة الثالثة عالمياً لجهة معدّل تنفيذ حكم الإعدام في خلال عام 2020، وفقاً لتقرير صدر عن منظمة العفو الدولية في 21 إبريل/ نيسان 2021. وقد أكّدت المنظمة فيه زيادة عدد عمليات الإعدام السنوية بثلاثة أضعاف، علماً أنّ إيران ومصر والعراق والسعودية استأثرت بنسبة 88 في المائة من عمليات الإعدام المعروف تنفيذها عالمياً في عام 2020.
وكشف تقرير منظمة العفو الدولية أنّ أربعاً من الدول الخمس الأولى المنفّذة لأحكام الإعدام في العالم هي من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي التفاصيل، سجّلت إيران أكثر من 246 تنفيذاً لحكم إعدام، ومصر أكثر من 107، والعراق أكثر من 45، والسعودية 27. يُذكر أنّ الصين، التي يُعتقد أنّها تعدم آلاف الأشخاص سنوياً، هي الدولة الأكثر تنفيذاً للإعدام في العالم.
في السياق نفسه، بحسب أحدث تقارير "هيومان رايتس ووتش" الصادر في الأوّل من يونيو/حزبران 2021، فقد حُكم على المئات بالإعدام وأُعدم العشرات، بعد محاكمات اعتمدت على اعترافات انتُزعت تحت وطأة التعذيب منذ عام 2014.
وبموازاة عدّاد القتل متسارع الوتيرة بتنفيذ أحكام الإعدام، ثمّة عداد آخر يشمل المئات سنوياً، نتيجة الإهمال الطبي المتعمّد في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة. ثمّة آلاف الوقائع التي يمكن سردها للتدليل على ذلك الإهمال الطبي، لكنّ أكثرها إيلاماً وفجاجة هي سقوط مرسي أرضاً وهو في داخل قفص الاتهام يوم 17 يونيو 2019، في أثناء محاكمته في قضية "التخابر مع حركة حماس"، علماً أنّها واحدة من قضايا عديدة رُفعت في حقّه.
وحتى نهاية النصف الأوّل من العام الجاري وحده، قُتل 23 مواطناً مصرياً في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة، إمّا نتيجة الإصابة بكوفيد-19 الذي يتسبّب فيه فيروس كورونا الجديد، وإمّا نتيجة الإهمال الطبي المتعمّد. وفي العام السابق، قُتل 73 مواطناً نتيجة الإهمال الطبي نفسه، فيما قضى نحو 774 محتجزاً في خلال السنوات السبع التي سبقت. وفي التفاصيل، توفي 73 محتجزاً في عام 2013، و166 في عام 2014، و185 في عام 2015، و121 في عام 2016، و80 في عام 2017، و36 في عام 2018، و40 في عام 2019.