تتحدر نسرين نوفل، من بلدة الزيب بفلسطين، وتقيم في مدينة صيدا جنوبي لبنان، وعملت لسنوات طويلة في جمعيات، وتحديداً في مهنتي الطبخ والإدارة، كما اهتمت بتقديم دورات خاصة بالمهارات الحياتية، ثم شعرت بعد فترة طويلة من العمل أنها يجب أن تستقل، وتؤسس مشروعها الخاص الذي كانت تحلم به، وهو مشروع للطبخ.
تقول لـ"العربي الجديد": "عملت سنوات طويلة في جمعيات، وكذلك في تنظيم أنشطة خاصة بالأولاد والشباب، ثم أوقفت هذه الأعمال مع بدء سلسلة الأزمات الصعبة جداً في لبنان إثر ثورة عام 2019، وبعدها تفشي فيروس كورونا الذي شلّ الحياة بالكامل فترات غير قصيرة، وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية الحالية، لأنني شعرت أن لا شيء يشجعني على الاستمرار في العمل، خصوصاً أن الجمعيات باتت تفتقر إلى تمويل داخلي أو خارجي، كما لم أعد أستطيع الإنفاق على جمعيتي التي حملت اسم إنسان ونظمت عبرها مجموعة من المشاريع المهمة، رغم أنني نقلت مقرها مرات من مكان إلى آخر، وصولاً إلى مخيم المية ومية للاجئين الفلسطينيين شرقي مدينة صيدا. ونظمت بالتعاون مع منظمة الصليب الأحمر اللبناني أنشطة ترفيهية وتعليمية للأولاد، ثم نفذت مع أكاديمية تعليمية في صيدا أنشطة ترفيهية شملت إعداد 700 وجبة إفطار يومياً خلال شهر رمضان".
تتابع: "قبل أن أطلق مشروع الطبخ الخاص بي، الذي يعبر عن شخصيتي ويجسد تطلعاتي في العمل والنجاح، عملت خلال فترة تفشي فيروس كورونا في بيع الأحذية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ونجحت في هذا العمل الذي كان يترافق مع قدوم نساء وأمهات إلى منزلي لاختيار السلع التي أبيعها. والحقيقة أنني استفدت من هذا العمل في إنشاء علاقات جيدة مع الزبائن، ثم قررت مع استمرار الأزمات الاقتصادية في لبنان أن أؤسس مشروعي الخاص الذي يحمل اسم المطبخ، وهو مشروع إنتاجي صغير بدأت العمل به في بيتي وأستطيع من خلاله تحقيق استقلال مادي ساعدني في الإنفاق على نفسي، ومساعدة زوجي في تأمين احتياجات المنزل".
لم تتابع نسرين تعليمها الثانوي، وأنهت دراستها في مرحلة المتوسط، ثم تعلمت مدة سنتين مهنة الإدارة، وبعدها مهنة تصفيف الشعر التي عملت فيها سنوات عدة، وشكلت بالنسبة إليها فرصة مهمة جداً لإدراك قدرتها على العمل في جمعيات، وذلك من خلال مبادرات فردية نفذتها بحماس وشغف كبيرين مدة 18 عاماً.
وتقول:" بعد كل هذه السنوات، فضلت العمل في مهنة أحبها، وأشعر أنني أستطيع أن أحقق ذاتي فيها. لم أتعلم مهنة الطبخ في معهد دراسي، بل أحببت ممارستها، وأصبحت أجيد صناعة الحلويات والطبخ، كما استطعت من خلال يوتيوب أن أتعلم مهارات معينة ساعدتني في إعداد أطعمة وحلويات عدة، وعموماً أنا ماهرة في إعداد وجبات الطعام والحلويات الفلسطينية التي تعلمتها من أمي، ويسعدني أيضاً أن أساهم في نشر ثقافتنا الفلسطينية من خلال الطبخ الذي يعكس فرحة التلذذ بالنكهات الطيبة، والمشاركة الجماعية في الولائم ضمن تقاليد مهمة جداً متوارثة من الأجداد والآباء، وراسخة في أساليب عيشنا وحياتنا".
تضيف: "أشعر من خلال مشروعي الخاص بالطبخ أنني لا أحتاج إلى أي شخص مادياً، وأستطيع مساعدة زوجي في مصاريف البيت، والمساهمة في تأمين احتياجات أولادي، وهذا أمر يجعلني أعيش في استقرار داخلي على صعيد قدرتي على التعامل مع الأمور، والتكيّف أيضاً مع ظروف الحياة التي باتت صعبة جداً في لبنان".
تحتاج المرأة إلى تحقيق استقلالها الذاتي والمالي الذي يتطلب بذلها جهوداً كبيرة في تحصيل العلم، وأيضاً اكتساب مهارات وخبرات ضرورية جداً في العمل التي تسمح بتعزيز قدراتها الاقتصادية والاجتماعية، وتمنحها القدرة على اتخاذ القرارات الخاصة بها وبمستقبلها بعيداً عن محيطها الاجتماعي الذي يؤثر على حياتها ونمط عيشها.
ويمكن القول أن خيارات النساء لتحقيق هذا الاستقلال كثيرة، إذ تلجأ بعضهن إلى تحصيل العلم من أجل نيل شهادة جامعية، تشكل وسيلة للحصول على عمل مناسب لهن ولأهدافهن المنشودة على صعيد تحقيق الذات، بينما تختار أخريات، لم تسمح ظروفهن بأن يحصلن على تعليم عالٍ أو متوسط بالحدّ الأدنى، تعلّم مهن معينة تتناسب مع قدراتهن، وتتلاقى مع رغباتهن في العمل واعتمادها ركيزة أساسية للحصول على المال.