معضلة لقاحات إيران... تشكيك في الإنتاج المحلي ومطالبة بتسريع الاستيراد

18 يناير 2021
انتقد كثيرون الإعلان عن بدء التجارب البشرية للقاح المحلي (فرانس برس)
+ الخط -

بينما تصرّ الحكومة الإيرانية على جدوى لقاحها ضدّ كورونا الذي تنتظر نتائج تجاربه البشرية، يشكك البعض في جدواه ويطالب باستيراد عاجل للقاحات أجنبية. المخاوف تتعاظم في إحدى الدول الأكثر تضرراً من الفيروس

انتظرت إيران فترة طويلة وصول اللقاح المضاد لفيروس كورونا الجديد، خصوصاً أنّها من البلدان الأكثر تأثراً، منذ انتقال العدوى إليها في 19 فبراير/ شباط 2020، بحسب الإعلان الرسمي. فاقم الوباء مشاكل البلاد الاقتصادية، مسانداً مفاعيل العقوبات الأميركية المفروضة عليها منذ 2018. لكنّ اللقاح الذي انتظره الإيرانيون تحوّل أخيراً إلى نقطة خلاف، سواء في ما يرتبط باللقاح الإيراني المحلي الذي يخضع لتجارب سريرية بشرية حالياً، أو في ما يتعلق باللقاحات الأجنبية التي حُظر استيراد بعضها. وعلى السجال بشأن لقاحات كورونا، أثيرت ثنائية اللقاح المحلي أو اللقاح الأجنبي وسط تباين وجهات النظر تجاه اللقاحين وجدوى كلّ منهما. 

منذ انتقال الفيروس إلى إيران، أعلنت السلطات الصحية أنّها بموازاة محاربته ستعمل على إنتاج لقاح مضاد له، ولا تنتظر إنتاجه من قبل الدول المتقدمة، إلى أن أعلنت وزارة الصحة الإيرانية في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عن إنتاج لقاح أثبت نجاحه في التجارب السريرية على الحيوانات بحسب وزير الصحة، سعيد نمكي، لتطلق يوم 29 ديسمبر/ كانون الأول الماضي في احتفال رسمي مرحلة الاختبار الأولى على البشر، وتشمل 56 شخصاً، قبل أن تبدأ المرحلة الثانية في أواخر فبراير/ شباط المقبل، فإن ثبتت نجاعة اللقاح، سيجرى تطعيم الشعب الإيراني به اعتباراً من الربيع المقبل.  
اللقاح الإيراني "كوف إيران بركت" من إنتاج شركة "بركت" لصناعة الأدوية التابعة للجنة "تنفيذ أمر الإمام الخميني" (مؤسسة غير حكومية تقدم المساعدات للمحتاجين). وسجل اللقاح لدى منظمة الصحة العالمية على قائمة لقاحات كورونا قيد الإنتاج باسم مجموعة "شفا فارمد". وبحسب المعلومات، استخدمت الشركة الإيرانية تقنية الفيروس المعطل، في اللقاح، وهي تقنية تقليدية في إنتاج اللقاحات ضد الفيروسات، تستخدم فيها جزيئات ميتة من الفيروس لإثارة جهاز المناعة في الجسم لمحاربة الفيروس عبر إنتاج أجسام مضادة عند مواجهة كورونا.  
"كوف إيران بركت" ليس المشروع الإيراني الوحيد، بل تعمل شركات إيرانية أخرى في مجال إنتاج لقاح كورونا، بالإضافة إلى وجود مشاريع مشتركة مع دول أخرى، إذ أعلنت وزارة الصحة الإيرانية أخيراً عن مشروع مشترك مع كوبا لإنتاج لقاح، متوقعة أن يكون جاهزاً بحلول الربيع المقبل. وتشير وسائل إعلام محلية إلى أنّ تاريخ إنتاج اللقاحات في إيران يعود إلى ما قبل تسعة عقود، نجحت خلالها في إنتاج لقاحات مضادة لأمراض مثل السلّ وشلل الأطفال والتهاب الكبد الوبائي "بي"، والحصبة والخناق (ديفتيريا).

الصورة

عملت إيران بشكل مكثف إعلامياً على تصوير مشهد بدء الاختبارات البشرية للقاح المحلي باعتباره نجاحاً باهراً تحقق في ظلّ العقوبات الأميركية المشددة عليها، فأطلقت الاختبارات في احتفال رسمي، لكنّ الخطوة لاقت انتقادات، إذ اعتبر خبراء أنّ من المبكر تنظيم هذه الاحتفالات قبل ظهور نتائج الاختبارات البشرية، وهي كما يبدو تستغرق نحو 6 أشهر، وليس واضحاً بعد ما إذا كانت ناجحة أم لا، على الرغم من تأكيد وزارة الصحة الإيرانية عدم ظهور أيّ أعراض على متلقي اللقاح حتى اللحظة، ومن بينهم رئيس اللجنة الصانعة له، محمد مخبر، الذي فرضت واشنطن عقوبات ضده يوم 13 يناير/ كانون الثاني الجاري. في المقابل، رأى خبراء آخرون أنّ الحفل كان بهدف الإعلان عن إطلاق اختبارات اللقاح على البشر فقط، ولم يكن لغرض الدعاية له. وقال محمد رضا صالحي، وهو واحد من ثلاثة أطباء يعملون على اختبار اللقاح المحلي: "لأنّها المرة الأولى لإجراء التجارب السريرية للقاح كورونا في البلاد، فقد اعتبرنا أنّه يوم مبارك ولم نعلن أنّ ذلك موعد بدء التطعيم باللقاح، إنّما أعلنّا فقط عن بدء الاختبارات البشرية". 
لم يمضِ كثير من الوقت على هذا الإعلان، حتى اجتاحت شبكات التواصل الاجتماعي في إيران "شائعات" حول حقيقة حقن الأشخاص الثلاثة في الحفل بهذا اللقاح، والذي صورته الكاميرات، ليعتبرها البعض مجرد "عملية خداع"، فضلاً عن زعم آخرين أنّ ما كشفت عنه وزارة الصحة الإيرانية كان مجرد استنساخ للقاح الصيني، مع التشكيك في القدرات الإيرانية على صنع لقاح ضد هذا العدو غير المرئي. وسط الجدال المستمر على شبكات التواصل، شكك صيدلانيون أيضاً في إمكانية صنع لقاح مضاد لكورونا في ظلّ العقوبات الأميركية، ليعتبره 167 صيدلانياً إيرانياً مجرد "مزحة"، في رسالة موجهة إلى رئيس منظمة الغذاء والدواء، محمد رضا شانه ساز، وتساءلوا: "بينما لا يمكننا شراء ثلاجات خاصة لنقل اللقاح (من الخارج) والاحتفاظ به، فهل نمتلك معدات إنتاج اللقاح لـ80 مليون شخص؟". مع ذلك، أكدت وزارة الصحة الإيرانية توفر قدرات كافية لإنتاج اللقاح. وانتقد هؤلاء الصيدلانيون ارتباك البلاد في توفير لقاح كورونا لمحاربة الفيروس، داعين منظمة الغذاء والدواء التابعة لوزارة الصحة إلى استيراد اللقاح من الخارج "قبل فوات الأوان".

التبني الأكبر للقاح جاء من أهم منصب في البلاد، إذ ردّ المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي على الانتقادات بالقول: "اللقاح الذي تم تجهيزه ضد كورونا مدعاة للفخر وعزة البلاد. ولا ينبغي إنكار ذلك". كذلك، أكدت الحكومة الإيرانية أنّ اللقاح "مكسب لا يمكن إنكاره" متهمة البعض بـ"إحباط الشعب... واحتقار الذات" ومنتقدة السعي لإيجاد معادلة اللقاح المحلي واللقاح الأجنبي، مع الإشارة إلى أنّها بموازاة مواصلة مسار إنتاج اللقاح الداخلي تعمل على استيراد اللقاح من الخارج. كذلك، أعلن وزير الصحة الإيراني، سعيد نمكي، أنّ اللقاح الإيراني سيكون جاهزاً في نهاية يونيو/ حزيران المقبل، وسيتم إنتاج كميات كبيرة منه لتطعيم الشعب الإيراني.
السجال المستمر بشأن اللقاح المحلي واللقاح الأجنبي المستورد ترافق مع اتهامات رسمية للولايات المتحدة الأميركية بعرقلة استيراد طهران اللقاحات الخارجية لمكافحة كورونا، إلى أن أعلن خامنئي، في الثامن من الشهر الجاري، حظر استيراد اللقاحات الأميركية والبريطانية المضادة لكورونا، عازياً ذلك إلى أمرين؛ الأول التشكيك في إنتاج اللقاح من الأساس، إذ قال إنّ "الأميركيين لو تمكنوا من إنتاج لقاح كورونا لما حدثت هذه الفضيحة الكورونية في بلادهم ولما توفي كلّ هؤلاء" مستشهداً بوفاة 4 آلاف أميركي يوم السابع من الشهر الجاري، بعد إنتاج اللقاح وبدء عملية التطعيم به في الولايات المتحدة. والأمر الثاني عدم الثقة باللقاحات الأميركية والبريطانية، فقد قال خامنئي: "لا يمكن الثقة بهم، إذ ربما يريدون اختبار اللقاح على الشعوب الأخرى لمعرفة النتائج"، داعياً إلى استيراد "لقاحات مطمئنة" ومشيراً في السياق إلى الدم الملوث بـ"الإيدز" المستورد من فرنسا (على حد تعبيره) في ثمانينيات القرن الماضي. وبعد تصريحات خامنئي، أعلنت منظمة الهلال الأحمر الإيرانية عن إلغاء استيراد جرعات اللقاح المصنع من قبل شركة "فايزر" الأميركية، وهي 150 ألف جرعة، بحسب تصريحات رئيس المنظمة كريم همتي، الذي قال إنّ متطوعين إيرانيين مقيمين في الولايات المتحدة وعدوا بتوفيرها سابقاً.

الصورة

وأعقبت تصريحات خامنئي اعتراضات، على شبكات التواصل الاجتماعي، فركز ناشطون على حصول اللقاحات الأميركية والبريطانية على موافقة منظمة الصحة العالمية، فضلاً عن التركيز الإعلامي الكبير على تصريحات خامنئي ومهاجمتها في قنوات المعارضة الإيرانية في الخارج. كذلك، راجت في الأسبوعين الماضيين حملات، على شبكات التواصل الاجتماعي، ضد حظر استيراد اللقاحات الأميركية والبريطانية، وسط استخدام وسم #واكسن_بخريد (اشتروا اللقاح)، الذي أطلقه مغردون قبل أسابيع للضغط على الحكومة لشراء اللقاح من الخارج لمحاربة الفيروس.
من جهته، سارع البرلمان الإيراني الذي يسيطر عليه المحافظون إلى الدفاع عن حظر استيراد اللقاحات الغربية، ليصدر 200 مشرع إيراني، في العاشر من الشهر الجاري، بياناً، جاء فيه أنّ "ثمة شواهد على ظهور حالات الصدمة والأعراض الجانبية والوفاة بعد تلقي جرعات لقاح شركة فايزر الأميركية" (على حد ادعائهم) مع دعوة الحكومة الإيرانية إلى "حظر استيراد لقاحات الشركات الأميركية والبريطانية والفرنسية لعدم تهديد صحة المواطنين". واعتبر برلمانيون محافظون في تصريحات أو تغريدات منفصلة أنّ اللقاحات الأميركية والبريطانية المضادة لكورونا "تتسبب بالعقم" أو أنّها "مسرطنة" (بحسب تعبيرهم) فضلاً عن ذهاب الناشط السياسي الأصولي حسين كنعاني مقدم إلى أبعد من ذلك من خلال اتهام "الغربيين بزرع جهاز لنظام التموضع العالمي (جي بي إس) عبر لقاحات كورونا" في أجسام الإيرانيين "للرقابة على الأفعال والحركات".

في المقابل، حذر رؤساء منظمة "النظام الطبي" الإيرانية، غير الحكومية، من "تسييس" لقاح كورونا في إيران في رسالة إلى الرئيس حسن روحاني، في العاشر من الشهر الجاري، معتبرين أنّ الطريق الوحيد للتغلب على كورونا وقطع سلسلته في إيران هو "توفير سريع للقاح مناسب ومؤثر في أقرب وقت ممكن". أما روحاني، فقد أكد مرات عدة أنّ الحكومة بموازاة اهتمامها بإنتاج اللقاح المحلي، تعمل على استيراد اللقاح الأجنبي "المطمئن". هذا التوصيف دفع خبراء للقول إنّ طهران تسعى في الغالب لاستيراد لقاحات من الصين والهند.