ما الذي سيحصل لو بدأت حرب نووية في أوروبا؟ سؤال يُطرَح مثيراً القلق في النفوس، ليس أوروبياً فحسب إنّما على الصعيد العالمي. فمجرّد الإشارة إلى كلمة "نووي" يكفي لتخيّل سيناريوهات من بين الأسوأ حول مصير البشر.
بعد تزايد الحديث عن استخدام السلاح النووي في الحرب القائمة بين الجانبَين الروسي والأوكراني، إثر إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صراحة وضع "القوات الخاصة النووية" على أهبة الاستعداد، بدأت ترتفع حدّة المخاوف بين سكان العالم عموماً والأوروبيين خصوصاً. قد يكون التهديد باستخدام السلاح النووي واسع النطاق وأكثر حدّة من أيّ حرب شهدها العالم منذ أزمة الصواريخ الكوبيّة في عام 1962. من هنا، قد يتبادر إلى الذهن علامات استفهام عدّة حول إمكانية تبادل نووي واسع النطاق. وهل ستكون البشرية بمأمن، حتى لو أتت الضربات في أوروبا حصراً؟ هل الدول الأوروبية تحديداً مجهّزة لحماية الناس من أيّ هجوم نووي؟
بحسب التقييم الأخير للقدرة العسكرية النووية الروسية، فإنّه ابتداءً من أوائل عام 2022، تمتلك روسيا مخزوناً من نحو 4477 رأساً نووياً، علماً أنّ الولايات المتحدة الأميركية تحتفظ بمخزون مماثل مع 5500 رأس حربي، 3800 رأس منها قابلة للنشر السريع، ما يعني أنّ أيّ ضربة أو هجوم نوويَّين، سيكونان بمثابة حرب كارثية. حتى الآن وبحسب تقارير ودراسات عدّة، قد لا تكون الدول كلها بمأمن عن نطاق الهجمات النووية، خصوصاً أنّ البنى التحتية في دول عدّة ما زالت ضعيفة نسبياً.
من كورونا إلى النووي؟
عانى سكان الأرض في خلال العامَين الماضيَين من تداعيات أزمة كورونا على كلّ المستويات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، علماً أنّ المستوى الأخير هو الأكثر أهمية. وكانت واضحة السياسة الانتقائية إلى حدّ ما، حول أحقيّة المواطنين بتلقّي العلاجات، توفير الأدوية وآليات توزيعها، وهو ما طرح حينها علامات استفهام كثيرة حول مبادئ العدالة والمساواة. بعيداً عن هذه التأثيرات، تواجه البلدان الأوروبية اليوم معضلة جديدة تتعلق بتأثيرات أيّ حرب نووية محتملة. فهل أوروبا اليوم محصّنة ضدّ أيّ هجوم نووي؟ وهل تملك الملاجئ اللازمة لحماية مواطنيها؟ وهل تكفي لاستيعابهم؟
من إيطاليا إلى السويد ومن بلجيكا إلى بريطانيا، يخترق شبح الحرب النووية، التي مثّلت جزءاً من بقايا الحرب العالمية الثانية، جيلاً جديداً من الوعي الأوروبي. وبحسب ما نقلته صحيفة "ذي نيويورك تايمز" الأميركية عن القائد السابق للكيميائيات في المملكة المتحدة وحلف شمال الأطلسي وقائد قوات الدفاع البيولوجي والنووي هاميش دي بريتون-غوردون، فإنّ "لا ملاجئ آمنة في أوروبا للحماية من الهجمات النووية"، مؤكداً أنّ الملاجئ في حالة سيّئة والأوروبيون غير مستعدّين تماماً للتعامل مع هذه الأزمة.
هل أوروبا بمأمن من هجوم نووي؟
اتّبعت دول محددة استراتيجية مختلفة عن باقي الدول الأوروبية، وجهّزت فعلياً ملاجئ عدّة تحسّباً لأيّ حرب نووية. وقد تكون فنلندا والسويد أبرز مثالَين لذلك. وقد أكد الأمين العام لأمانة اللجنة الأمنية الفنلندية بيتري تويفونين أنّ لدى السلطات خمسة آلاف ملجأ تتّسع لنحو أربعة ملايين شخص. وفي السويد، أدّى ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 إلى إطلاق استراتيجية "دفاع شامل"، وتختبر وكالة الطوارئ المدنية السويدية نظام الإنذار من الغارات الجوية باستمرار. وقد بدأت أخيراً بتوزيع كتيّبات احترازية تتضمّن قائمة مرجعية للإمدادات الأساسية التي يمكن الحصول عليها من السوبر ماركت للبقاء على قيد الحياة في حالة فرار أو اللجوء إلى مخبأ.
أمّا في العاصمة الفرنسية، فيبدو أنّ التجهيزات وتخصيص ملاجئ للاختباء من أيّ حرب نووية، أمر لم يكن مطروحاً بشكل جدّي في السنوات السابقة. وبحسب ماتيو سيران مؤسس شركة "أرتيميس بروتيكسيون" الفرنسية للملاجئ الجاهزة الفخمة مع أنظمة تنقية للهواء، فإنّه "لا تتوفّر ملاجئ مجهزة"، لافتاً إلى أنّه تلقّى في الأسبوعَين الماضيَين أكثر من 300 استفسار حول إمكانية بناء ملاجئ تقي من الإشعاعات النووية.
وتصل تكاليف بناء ملاجئ فخمة بحسب سيران إلى نحو نصف مليون دولار أميركي، فيما الملاجئ ذات المستوى المتوسط والعادي فتبدأ أسعارها من 130 ألف دولار. وبحسب الدراسات الخاصة بشركة "أرتيميس بروتيكسيون"، فإنّ فرنسا تخلّفت كثيراً لجهة تجهيز ملاجئ للاختباء من هجمات نووية، بخلاف دول عدّة قريبة منها، وقد يكون السبب في ذلك أنّها لم تأخذ احتمال شنّ حرب نووية على محمل الجدّ.
أمّا سويسرا التي أعلنت حالة تأهب استعداداً لأيّ سيناريو مفاجئ، فسبق أن جهّزت ملاجئ آمنة تحت الأبنية السكنية تحسّباً لحرب نووية أو بيولوجية. ووفق صحيفة "ذي نيويورك تايمز"، ثمّة ما لا يقلّ عن 350 ألف ملجأ جماعي، بما في ذلك ملجأ واحد على طريق لوسيرن السريع يتّسع لعشرين ألف شخص، لحماية جميع السكان في تلك المنطقة.
وفي المملكة المتحدة، لا يختلف الوضع كثيراً عن فرنسا، على الرغم من أنّ ثمّة 650 ملجأ تقريباً كانت قد جُهّزت في خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أنّها بمعظمها لم تعد صالحة بحسب دي بريتون-غوردون، وقد تحوّل معظمها إلى أماكن جذب للسياح.
وفي خارج أوروبا، عمدت السلطات في الولايات المتحدة الأميركية إلى بناء ملاجئ عدّة للاختباء من أيّ حرب نووية. ففي ولاية كانساس الأميركية، ثمّة مبنى تحت الأرض مؤلّف من 15 طبقة يُطلَق عليه اسم "سورفايفال كوندو" (Survival Condo). هو شُيّد في خلال الحرب الباردة، وبحسب الموقع الإلكتروني الخاص به، فإنّ سماكة الجدران الخرسانية تتراوح ما بين 2.5 قدم وتسعة أقدام. وقد أُدخلت تعديلات على المبنى (شُيّدت نسخ منه في أنحاء مختلفة من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا) شملت مكتبة وحوض سباحة وجدار تسلّق وبارا وسينما وميدان رماية. يُذكر أنّ تكاليف الشقّة الواحدة في هذا المبنى تتراوح ما بين 1.3 مليون و3.7 ملايين دولار.
تجدر الإشارة إلى أنّه في أثناء أزمة كورونا، بحسب ما ذكرته صحيفة "ذي واشنطن بوست" الأميركية، فقد تملّك 55 شخصاً بالفعل مساحات لهم في هذا الملجأ للاختباء في حال استدعى الأمر ذلك عند تدهور الوضع الوبائي ليصير أشبه بحرب بيولوجية.
كيف يُبنى ملجأ ملائم للاحتماء من حرب نووية؟
تشير دراسات عدّة، من بينها دراسة صادرة عن وكالة حماية البيئة الأميركية، إلى وجوب أن يتّبع بناء ملجأ للاحتماء من الهجمات النووية مواصفات معيّنة بدقّة؛ تتضمن أوّلاً أن يكون تحت الأرض وعلى عمق يتخطّى 10 أقدام، منعاً لتسرّب أيّ إشعاعات نووية. كذلك يجب أن يكون مبنياً من الخرسانة والحديد الصلب المقوّى بجدران تتراوح سماكتها ما بين قدمَين وثلاثة أقدام، وألا يُبنى بأيّ مادة قابلة للاشتغال أو يضمّ ما قد يُعَدّ كذلك، بالإضافة إلى ترتيب غرفة لتخزين الطعام والمياه وإنشاء مراحيض.
في هذا الإطار، يقول المهندس المدني علي رحّال لـ"العربي الجديد" إنّ "المواصفات المذكورة مناسبة جداً للاحتماء من أيّ هجوم نووي أو حرب بيولوجية قد تُشَنّ على سطح الأرض". لكنّ "العمق ليس هو فقط المسألة الأساسية لبناء الملاجئ" بحسب رحّال، إنّما "من الضروري أن توضَع خطّة لإدارة الهواء وتدويره، خشية تسرّب الإشعاعات النووية بعد الانتهاء من الضربة". ويشرح رحّال أنّ "نظام تهوية الملجئ أساسية ومهمة، بالتالي لا بدّ من تركيب أجهزة تشبه إلى حدّ كبير ما تلك التي تُزوَّد بها الطائرات، فيُضغَط الهواء ويُعاد تدويره بشكل مستمرّ، بالتالي يتمكّن السكان تحت الأرض من الحصول على الهواء النقي لتفادي الاختناق". يضيف رحّال أنّ "تقنية إغلاق أبواب الملجأ مهمّة جداً، بالتالي يجب تركيب أبواب خرسانية وفولاذية بسماكة ثماني بوصات (20 سنتيميتراً) تقريباً تُفتح للخارج". وبحسب تقديراته، فإنّه "عند الخروج من الملجأ، لا بدّ من أن يرتدي الناس ثياباً عازلة، على ألا يتمّ ذلك قبل 48 ساعة من انتهاء الهجمات النووية. ففي خلال هذا الوقت، تتسرّب الإشعاعات إلى باطن الأرض، ولذا يجب أن يبقى المواطنون بمأمن عن إمكانية التقاط أيّ منها".
من جهته، يرى الخبير المهندس أسعد أبو غطاس أنّ "عملية بناء الملاجئ النووية لا تتعلّق فقط بالاهتمام بالخرسانات والأبواب وآليات التهوية، بل يجب أن يكون البناء قادراً على مقاومة الحرائق وارتفاع درجات الحرارة"، شارحاً لـ"العربي الجديد" أنّ "الإشعاعات النووية، خصوصاً إن كانت الضربة أو الهجمة النووية على مسافة تبعد ما بين كيلومتر واحد وخمسة كيلومترات عن الملجأ، قد تؤدّي إلى إشعال حرائق لا تتوقّف. بالتالي، يتطلب الأمر استخدام أنواع معيّنة من الترسانات لمقاومة الحرائق النووية". ويلفت إلى أنّ "هذا النوع من الترسانات قد يكون مكلفاً نوعاً ما، نظراً إلى عدم توفّره في كثير من الدول من جهة، وإلى انخفاض الطلب عليه من جهة ثانية. ففي العادة، توفّره شركات تصمّم ملاجئ للأغنياء أو للجهات الحكومية".
إرشادات أساسية
في سياق متصل، أعدّت وزارة الدفاع الأميركية كتيّباً عن أبرز الإرشادات التي يستفيد منها الناس قبل هجوم نووي وفي أثنائه وبعده. بداية، لا بدّ من الدخول إلى مبنى من الطوب أو الخرسانة، وإمّا إلى غرفة وسطى في مبنى (أي من دون جدار خارجي)، وإمّا اللجوء إلى طبقات سفلية للاحتماء من إشعاعات نووية. كذلك يتطلّب الأمر البقاء في الداخل حتى مع انتهاء الضربة النووية، لأنّ الهواء في الخارج يحمل غباراً نووياً لمدّة من الزمن، علماً أنّ الإشعاعات قادرة على حرق الإنسان، وقد يصل مداها إلى أكثر من 1.5 كيلومتر انطلاقاً من مكان الضربة النووية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تحتوي غرفة القبو على بطاريات للإنارة، ومواد غذائية تكفي لمدّة لا تقلّ عن شهر، ومياه معبأة، وأجهزة راديو يدوية، وأدوية، وشواحن هواتف، وملابس، وأقراص يود (تؤخذ فوراً في حال التعرّض إلى إشعاعات)، ومستلزمات نظافة.
من جهة أخرى، رصدت وسائل إعلام أوروبية تهافت الناس على شراء أقراص اليود تحسباً لتعرّضهم إلى أيّ إشعاع نووي. فما هي العلاقة بين تلك الأقراص والتسرّب الإشعاعي النووي؟ بحسب ما يقول نقيب الأطباء في شمالي لبنان سليم أبي صالح لـ"العربي الجديد"، فإنّ "اليود المشعّ هو أحد المواد الأساسية التي تنتشر بعد أيّ حادث نووي، وتتسبّب في أضرار مباشرة على صحة الإنسان، خصوصاً على عمل الغدة الدرقية. لذلك تعمل أقراص اليود المصنّعة على التخفيف من حدّة انتشار الإشعاعات في جسم الإنسان". يضيف أبي صالح أنّه "في حالة وقوع حادث نووي، يمكن أن يتشتّت اليود المشعّ في الهواء وتمتصه الغدّة الدرقية عند استنشاق الهواء الملوّث أو تناول أطعمة ومشروبات ملوّثة".
وبحسب بيان صادر أخيراً عن الهيئة النرويجية للإشعاع والسلامة النووية، لا يمكن تناول أقراص اليود من دون إعلان واضح من السلطات العامة، على أن يكون تناول الأدوية الخاصة باليود أو أقراص اليود مصحوباً بنصيحة البقاء في المنزل لمدّة تصل إلى يومَين. أمّا في الولايات المتحدة الأميركية، بحسب وكالة "بلومبيرغ الأميركية"، فقد زاد الطلب على أقراص اليود في الأسابيع الماضية بنحو 115 في المائة، إذ يخشى الأميركيون من إمكانية شنّ هجوم نووي مفاجئ.