أثارت إحصائية حكومية جديدة لأعداد النازحين في العراق، انتقادات من مسؤولين وناشطين حقوقيين، أكدوا أنها مغايرة للواقع، وأنها تشكل نسبة قليلة من الأعداد الحقيقية للنازحين، مطالبين بحسم الملف وإنهاء معاناة النازحين الذين سيواجهون فصل الشتاء في المخيمات.
وكانت وزارة الهجرة والمهجرين العراقية قد حددت مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، موعدا لإغلاق ملف النزوح بعموم محافظات البلاد، لكنها سرعان ما تراجعت عن تلك الوعود التي لا تعتبر الأولى من نوعها، كما تتلافى الوزارة الإشارة للمدن التي تحتلها الفصائل المسلحة وتمنع عودة العائلات النازحة إليها، أبرزها جرف الصخر والعوجة والعويسات.
ووفقا للمتحدث باسم الوزارة علي عباس، فإن عدد النازحين يبلغ 36 ألفا فقط، متحدثا في تصريحات أوردتها وكالة الأنباء العراقية الرسمية (واع)، الأحد الماضي، عن أن "وجود النازحين في المخيمات وفق قناعتهم، ولكن بإمكانهم العودة إلى بيوتهم".
أرقام مغايرة للواقع
الأرقام التي تتحدث عنها الوزارة بعيدة جدا عن الواقع الموجود في مخيمات النزوح سواء المخيمات الرسمية منها، أو تلك التي يطلق عليها "العشوائية".
ويقول عضو منظمة "عون"، علي الوكيل، لـ"العربي الجديد"، إن عدد النازحين الكلي في كل العراق يتجاوز المليون، نحو 400 ألف منهم من المدن التي تسيطر عليها مليشيات مسلحة وتمنعهم من العودة، كمدن جرف الصخر والعويسات والعوجة، ومدن وبلدات ديالى وصلاح الدين".
وأضاف الوكيل، أن أرقام وزارة الهجرة تشمل المخيمات التي تحت سلطتها فقط، ولا تتحدث عن باقي المخيمات التي يعاني سكانها"، متهما وزارة الهجرة بـ"الفشل في إدارة ملف النزوح، واستشراء الفساد".
يأتي ذلك في وقت مازال فيه نحو 90 بالمائة من منازل النازحين في مناطقهم الأصلية غير صالحة للعيش، بحسب ما أعلنه البرلمان العراقي قبل شهرين من الآن، والذي أكد وجود أجندات سياسية وإقليمية تمنع العودة، الأمر الذي فاقم معاناة النازحين.
وكانت مفوضية حقوق الإنسان في العراق قد كشفت في وقت سابق وجود أكثر من مليون نازح، أما أولئك الذي يتواجدون في مخيمات إقليم كردستان فيناهز عددهم 650 ألفاً.
عضو في المجلس المحلي لمحافظة نينوى، انتقد وزارة الهجرة، معتبرا أن الأرقام التي تتحدث عنها غير مطابقة لأعداد النازحين، وقال المسؤول لـ"العربي الجديد"، مشترطا عدم ذكر اسمه، إن "أرقام الوزارة غير حقيقية وإنها لا تشكل سوى نسبة قليلة من أعداد النازحين"، مشددا على أن لوزارة عليها أن " تتحمل مسؤوليتها إزاء الملف، وأن تراعي الظروف الإنسانية للنازحين، وأن تفي بوعودها السابقة بإنهاء الملف".
من جهته، قلل الناشط في مجال حقوق الإنسان، علي العبيدي، من أهمية وعود الوزارة بدعم النازحين، مبينا لـ"العربي الجديد"، أن "مأساة المخيمات ستتفاقم خلال موسم الشتاء، وسط عجز بتوفير الخدمات وترميم الخيم وتجهيز النازحين بما يحتاجون إليه".
واستغرب من حديث الوزارة، بأن "النازحين مخيرون بالعودة الى منازلهم"، متسائلا، "أين تلك المنازل؟ أغلبها مهدمة لم يتم إعمارها، والبعض الآخر منها تحت سيطرة الفصائل المسلحة"، مؤكدا "عدم جدية الحكومة بوضع برنامج لإنهاء ملف النزوح، وأن هذه الوعود هي وعود تتكرر سنويا ولا نهاية لها، وأن الملف تحول من ملف إنساني الى ملف سياسي للأسف".
وما يزال مئات آلاف العراقيين ممنوعين من العودة إلى مدنهم بقرار من الفصائل المسلحة التي تستولي عليها، وأبرزها منطقة جرف الصخر (شمالي بابل)، وتسيطر على المنطقة مليشيات "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب أهل الحق" و"جند الإمام"، منذ نهاية عام 2014. كما منعت تلك المليشيات سكان بلدات أخرى، أبرزها العوجة ويثرب وعزيز بلد وقرى الطوز وقرى مكحول في محافظة صلاح الدين، والعويسات وذراع دجلة وجزء من منطقة الثرثار ومجمع الفوسفات في محافظة الأنبار، وقرى المقدادية وحوض العظيم، شمال شرقي محافظة ديالى، من العودة إليها.
ولم تستطع الحكومات المتعاقبة بعد عام 2014 الذي شهد اجتياح "داعش" عدداً من المحافظات، حسم ملف النازحين لأسباب عدة بينها سيطرة فصائل مسلحة على عدد من المناطق الأصلية للنازحين ومنعهم من العودة، أو بسبب هدم منازلهم وسلبها. ولم يتلقَ هؤلاء النازحون تعويضات حكومية، إذ إنّ ملف إعمار المناطق المهدمة التي نزح أهلها ما زال عالقاً، ولم يتمّ تأهيل غالبيتها.