مناسبات العراقيين لا تخلو من الرصاص العشوائي

03 يناير 2023
يكثر إطلاق النار في حفلات الزفاف (صافين حامد/ فرانس برس)
+ الخط -

ليس الرصاص العشوائي ظاهرة جديدة في العراق. لكن الآونة الأخيرة شهدت البلاد زيادة في إطلاق النار العشوائي خلال الأفراح والمناسبات. إذ نادراً ما تخلو مناسبة من إطلاق نار، سواء احتفالاً أو حزناً على فقدان حبيب، وقد يصل الأمر إلى استخدام أسلحة متوسطة أيضاً.
وعلى الرغم من أن القانون العراقي يُعاقب على حمل السلاح من دون رخصة حيازة، وتصل عقوبة مطلقي النار في المناسبات إلى السجن مدة ثلاث سنوات، ما يزال إطلاق النار مستمراً.

وحسب أرقام صادرة عن وزارة الصحة، فإن إطلاق النار العشوائي في المناسبات تسبب بوقوع ما لا يقل عن 60 قتيلاً وعشرات الجرحى في مختلف المحافظات خلال العام الماضي. ويكشف مسؤول في الوزارة لـ "العربي الجديد" أن "مناسبات الأعراس والعزاء وما يعرف بـ(الدكة العشائرية) والمناوشات الحاصلة بين القبائل من حين إلى آخر تتصدر أسباب إطلاق النار الذي يؤدي إلى سقوط ضحايا"، مبيناً أن بغداد والبصرة وذي قار تتصدر محافظات العراق بعدد الضحايا.
ومؤخراً، أصدر وزير الداخلية عبد الأمير الشمري تعليمات مشددة باعتقال مطلقي العيارات النارية ومحاسبة المسؤولين الأمنيين في المناطق التي تشهد إطلاق نار في حال لم يتخذوا أية إجراءات بحق المتورطين. ويقول الناشط الحقوقي محمد المشهداني لـ "العربي الجديد" إن "ظاهرة إطلاق النار العشوائي في الأفراح والأحزان والمناسبات أصبحت ثقافة سائدة في المجتمع العراقي، ذهبت ضحيتها أعداد كبيرة جداً من الأبرياء".
يضيف أن "سعر الذخيرة الرخيص وتوفر السلاح هما من بين الأسباب الذي جعله متوفراً بين المراهقين الذين يتسابقون لإطلاق الأعيرة النارية من دون الاكتراث لما قد تسببه هذه الأفعال من كوارث وقعت فعلاً في الكثير من المناطق". ويوضح أن "بعض العشائر والشباب أصبحوا يتنافسون في ما بينهم في استخدام الأسلحة في الأفراح والمناسبات، حتى بات الأمر تقليداً لا يمكن الاستغناء عنه".  
ويشير المشهداني إلى أنه "لا توجد بيانات حقيقية حول أعداد ضحايا الرصاص العشوائي. لكن تظهر التقارير الطبية والأمنية أن الأعداد كبيرة جداً وتقدر بمئات القتلى والجرحى سنوياً"، لافتاً إلى أن "أعداد الضحايا في تزايد مستمر في ظل عجز القوات الأمنية عن الحد من هذه الظاهرة".

إطلاق النار تعبير عن الحزن في المآتم (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
إطلاق النار تعبير عن الحزن في المآتم (أحمد الربيعي/ فرانس برس)

ويقول حسام الدليمي، وهو أحد سكان ضواحي العاصمة بغداد، إن "إطلاق الرصاص الحي في الأفراح والمناسبات يحول قسم غير قليل من أفراح العراقيين إلى مآتم وفواجع. وكثيراً ما يستخدم السلاح مراهقون وشباب تتراوح أعمارهم في الغالب بين 15 و25 عاماً". يضيف أن "عدداً كبيراً من الأشخاص عديمي المسؤولية يطلقون الرصاص الحي بطريقة عشوائية من دون التفكير بما قد يلحق بالمواطنين الآمنين من مخاطر، وبالتالي لا يراعون حياة الأبرياء". ويشير إلى أن "ظاهرة إطلاق الرصاص في الأفراح والمناسبات اتسعت بعد عام 2003، وقد اعتاد العراقيون على سماع تلك الطلقات النارية بكثرة". يضيف أن "الأسر العراقية باتت تُعبر عن فرحها في المناسبات كمناسبات الزفاف والختان  أو فوز منتخب أو ليلة رأس السنة بإطلاق النار وكذلك تعبر عن حزنها بحالات الوفاة بإطلاق النار أيضاً".
من جهته، يقول والد إحدى ضحايا الرصاص العشوائي خالد العزاوي لـ "العربي الجديد" إن ابنه البكر أصيب في النخاع الشوكي في أحد الأعراس في منطقة الحبيبية شرقي بغداد، مؤكداً أن رصاصة أطلقها أحد أقارب العريس كانت كفيلة بتحويل إبنه البالغ من العمر 14 عاماً إلى جثة هامدة.
يضيف أن "ابنه لم يكن الضحية الوحيدة للرصاص في المناسبات ولن يكون الأخيرة"، مشيراً إلى أن "مئات الضحايا سقطوا في العراق نتيجة لتهور بعض الشبان الذين يتحينون الفرصة لأي مناسبة لاطلاق الرصاص". ويدعو العزاوي الحكومة العراقية والجهات المعنية إلى "إنزال أشد العقوبات على مطلقي الرصاص في الأفراح والمناسبات، وملاحقتهم قانونياً للحد من هذه الظاهرة التي تحصد أرواح المواطنين، كونها لا تقل خطراً عن الجماعات الإرهابية".
وكانت وزارة الداخلية العراقية قد دعت إلى ضرورة تشديد الإجراءات في أي منطقة تشهد إطلاق رصاص عشوائي، وإلقاء القبض على كل من يقوم بمثل هذه الأفعال، وإحالتهم إلى المحاكم المختصة استناداً إلى قانون العقوبات العراقي.

إلى ذلك، تقول الأستاذة في علم الاجتماع أزهار الجنابي إن "إطلاق الرصاص في الأفراح والمناسبات ظاهرة غير حضارية ودليل على غياب الوعي لدى مستخدمي السلاح المتفلت"، مبينة أن "الكثير من العراقيين، وخصوصاً في المناطق الريفية والشعبية، أصبحوا لا يعبرون عن أفراحهم وأحزانهم إلا بإطلاق الرصاص من دون التفكير بنتائجه السلبية".
وتوضح في حديثها لـ "العربي الجديد" أن إطلاق الرصاص العشوائي يراه البعض أقصى حالات التنفيس الانفعالي. كما أن عشاق السلاح يستمتعون به ويجدون فيه تعبيراً عن الفرح والحزن في جميع الأوقات. وتشير إلى أن الحكومة العراقية، وحتى لو تعمدت إنهاء هذه الظاهرة، فقد تنجح في مناطق وتفشل في مناطق أخرى وخصوصاً في مناطق الوسط والجنوب. وتقول إنه "من الضروري حصر الأسلحة بيد الدولة، سواء كانت الأسلحة خفيفة أو متوسطة، كونها تسبّب حالة من الفوضى وتهديداً لحياة المواطنين".

المساهمون