بحلول عام 2025، يُتوقّع أن تواجه أكثر من 1.1 مليار امرأة حول العالم أزمة الإياس (سن اليأس). وبحسب منظمة الصحة العالمية، تُعاني النساء من انقطاع الطمث ما بين 45 و55 عاماً في مرحلة طبيعية من مراحل التقدم البيولوجي في العمر. ويحدث الإياس نتيجة لتوقف الوظيفة الجريبية للمبيض وتراجع مستويات الإستروجين في الدم. في هذا الإطار، بدأت بعض المراكز الصحية تطوير "منتجعات صحية لمواجهة انقطاع الطمث" للنساء اللواتي يرغبن في الحصول على مساعدة طبية ونفسية للتعامل مع هذه المرحلة الصعبة في حياتهن.
وتصل معظم النساء إلى الإياس عندما تتوقف الدورة الشهرية (التي تُعرف أيضاً بمسمى الدورة الحيضية أو الدورة) نتيجة لتوقف الوظيفة الجريبية للمبيض. ويعني ذلك أن المبيضين يتوقفان عن إنتاج البويضات للإخصاب. وتصل بعض النساء إلى الإياس في سن مبكرة (قبل 40 سنة من العمر). وقد ينتج هذا الإياس المبكر عن بعض الشذوذات الصبغوية أو اضطرابات المناعة الذاتية أو عن أسباب أخرى غير معروفة. وقد يحدث الإياس أيضاً نتيجة للعمليات الجراحية التي تنطوي على إزالة المبيضين أو التدخلات الطبية التي تسبب توقف وظيفة المبيض (مثل العلاج الإشعاعي أو العلاج الكيميائي). ويتوقف الحيض لدى العديد من النساء قبل الإياس، مثل النساء اللواتي يخضعن لعمليات جراحية معيّنة (عمليات استئصال الرحم أو إزالة بطانة الرحم جراحياً) والنساء اللواتي يستخدمن بعض وسائل منع الحمل الهرمونية وغيرها من الأدوية التي تسبب تباعد دورات الحيض أو توقفها. ومع ذلك، فقد تتعرض هؤلاء النساء للتغيّرات الأخرى المتعلقة بالمرحلة الانتقالية للإياس.
وتشمل الأعراض المرتبطة بالإياس هبات الحرارة ونوبات التعرق الليلية. وتشير هبات الحرارة إلى الشعور المفاجئ بالحرارة في الوجه والعنق والصدر، وغالباً ما يصاحب ذلك احمرار الجلد وتعرق، وخفقان، وإحساس حاد بعدم الارتياح البدني الذي قد يستمر عدة دقائق، وتغيّرات في مدى انتظام الدورة الحيضية وتدفقها، تنتهي بانقطاع الدورة الحيضية. كما تشمل جفاف المهبل، والشعور بالألم أثناء الجماع، وسلس البول، وصعوبة النوم/ الأرق، وتغيّر المزاج، و/أو الاكتئاب، و/أو القلق.
هذه الأعراض ليست سهلة على النساء وتختلف تأثيراتها من امرأة إلى أخرى صحياً ونفسياً واجتماعياً. من هنا، جاءت فكرة تأسيس منتجعات صحية تعنى بصحة المرأة في هذه المرحلة، كما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن ميليسا بيغز برادلي، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة Indagare، وهي شركة سياحية سعت إلى تأسيس أول منتجع للنساء خلال فترة انقطاع الطمث.
وتقوم فكرة تأسيس منتجعات صحية على أساس مساعدة النساء في هذه الفترة من أعمارهن، وتقدم لهن شرحاً مفصلاً عما يحصل، وكيفية التعامل مع التغيرات الهرمونية، كما تستمع النساء بعضهن إلى قصص بعض في كيفية مواجهة هذه المرحلة.
تجربة جديدة
في فندق وسبا Six Senses في وادي دورو بالبرتغال، شاركت بعض النساء في برنامج لمساعدتهن على مواجهة سن اليأس، بحسب "نيويورك تايمز". ويجب الإقامة في المنتجع ثلاثة أيام على الأقل للتعامل مع التعرق الليلي والصداع النصفي وآلام المفاصل وتقلب المزاج، والحصول على فهم أفضل للتقلبات الهرمونية. وبعد الفحص الصحي، تُعطى النساء برنامجاً مخصصاً للتعامل مع أجسادهن، بالإضافة إلى الخضوع لجلسات تدريب لتعزيز القوة الجسدية، وإقامة تمارين رياضية لعلاج آلام المفاصل.
بعد ذلك، يبدأ التعامل مع التغيرات الحاصلة في البشرة، إذ عادة ما يؤدي انقطاع الطمث إلى انخفاض نسبة الكولاجين كنتيجة طبيعية لانخفاض هرمون الإستروجين. وبالتالي، فإن الجلسات التي تتضمنها الإقامة في المنتجع تساعد في علاج البشرة، وتعزيزها بالكولاجين الضروري. ولتقليل الالتهابات، يتطلب من النساء الغطس في المياه الباردة، ثم التوجه إلى الساونا، لشد العضلات، وتصل تكاليف الإقامة في المنتجع إلى نحو 924 دولاراً.
منتجعات مختلفة
ظهرت فكرة تأسيس منتجعات صحية لمرحلة انقطاع الطمث في العديد من الدول. عام 2005، شاركت باولا غالاردو وتانيا سميث في تأسيس Mamaheaven، وهو منتجع للأمهات الجدد. وبعد مرور حوالي 20 عاماً، أصبحن الآن يدرن دورات تقام مرتين سنوياً في شهري أكتوبر/ تشرين الأول ومايو/ أيار تجمع حوالي 12 امرأة في فندق Florence House، وهو نزل على الطراز الفيكتوري يقع على بعد ساعة جنوب لندن، للحديث عن فترة انقطاع الطمث. ويقود هذه الدورات أخصائي في العلاج الطبيعي والتغذية واليوغا. ويهدف المنتجع إلى "إزالة الوصمة والغموض" عن أعراض فترة انقطاع الطمث. كما يوفر منتجع Preidlhof في جنوب تيرول بإيطاليا ملاذاً صحياً بعد انقطاع الطمث لمدة أسبوع خلال أشهر فبراير/ شباط ومارس/ آذار ويونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول. ويتضمن البرنامج 22 علاجاً، بدءاً من التدليك والوخز بالإبر وحتى التنفس العميق وجلسات التدريب الشاملة. كما تتوفر دروس الرقص والصوت والاستحمام في الغابة (شكل من أشكال التأمل في الطبيعة) والعديد من العلاجات الطبية.
هل يمكن لهذا المنتجع المساهمة في التقليل من أعراض انقطاع الطمث؟ تشكّك أستاذة طب التوليد وأمراض النساء في جامعة "نورث وسترن"، مقدمة برنامج بودكاست حول انقطاع الطمث ومنتصف العمر وأكثر من ذلك، الدكتورة لورين شترايشر، بالأمر، قائلة إن التحدث مع نساء أخريات في مرحلة انقطاع الطمث، ومشاركة المعلومات والحصول على الدعم، هي أمور قد تساعد في تخفيف الصعوبات. وتشير إلى أهمية حصول النساء على كافة المعلومات الطبية من قبل متخصصين. في المقابل، ترى الدكتورة هيذر هيرش، مؤسسة عيادة انقطاع الطمث ومنتصف العمر في مستشفى بريغهام والنساء في بوسطن، ومؤلفة كتاب "اكتشف نوع انقطاع الطمث"، أنّ أهمّ فوائد الرعاية الذاتية والمجتمع والتعليم تأتي من خلال تخصيص النساء الوقت والموارد للتعرف على كيفية مواجهة هذه التغيرات في أجسادهن.
وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، يستضيف مركز كريبالو لليوغا والصحة خلوة هي الأولى من نوعها تركز على انقطاع الطمث من 15 إلى 17 سبتمبر/ أيلول الجاري في ستوكبريدج بولاية ماساتشوستس. وستركز الخلوة التي يشرف عليها اثنان من أعضاء هيئة التدريس الرئيسيين في كريبالو بشكل أقل على الأعراض، وأكثر على التكيف مع التغيرات الجسدية الشاملة. وبحسب البرنامج المعلن، سيكون هناك مساحات للنقاش وممارسة رياضة اليوغا والتنفس وغيرها من الأمور التي تساعد السيدات على التعامل مع هذه الفترة.
وفي سبا جافو في منتجع أميلا المالديف، سيقدم برنامج لانقطاع الطمث يرتكز على استخدام علاجات الأيورفيدا. والأيورفيدا هو النظام الطبِّي التقليدي في الهند، والذي نشأ منذ أكثر من 4000 سنة. ويقوم على نظرية ترى أنّ المرض ينتج عن اختِلال التوازن في قوة حياة الجسم أو البرانا prana.
يشار إلى أنه بحسب منظمة الصحة العالمية، من الأهمية الحاسمة بمكان أن ننظر إلى الإياس بوصفه حلقة واحدة في سلسلة متصلة من مراحل الحياة. وتتوقف الحالة الصحية للمرأة التي تبدأ الفترة السابقة للإياس إلى حد كبير على تاريخها الصحي والإنجابي السابق، ونمط حياتها، والعوامل البيئية المحيطة بها. وقد تؤدي أعراض ما قبل الإياس وما بعده إلى اضطراب الحياة الشخصية والمهنية، وقد تؤثر التغيّرات المرتبطة بالإياس على صحة المرأة مع تقدمها في السن. ولذلك، فإن الرعاية في الفترة السابقة للإياس تؤدي دوراً مهماً في تعزيز التمتع بالصحة في مرحلة الشيخوخة ونوعية الحياة.
تضيف: "يتزايد عدد سكان العالم من النساء اللواتي بلغن مرحلة ما بعد الإياس. ففي عام 2021، شكلت النساء البالغات 50 عاماً من العمر أو أكثر، 26 في المائة من جميع النساء والفتيات في العالم. وتمثل هذه النسبة زيادة قدرها 22 في المائة مقارنة بنسبتهن قبل ذلك بعشر سنوات. وفضلاً عن ذلك، فإن النساء أصبحن يعشن لفترة أطول. وعلى الصعيد العالمي، يمكن للمرأة التي كانت تبلغ 60 عاماً من العمر في عام 2019 أن تتوقع أن تعيش في المتوسط 21 عاماً آخر.