صنفت "الشبكة المصرية لحقوق الإنسان" قسم شرطة الزقازيق في محافظة الشرقية بأنه "الأسوأ" بين أماكن الاحتجاز، ليس فقط على مستوى مدينة الزقازيق، بل على مستوى المحافظة بأكملها، التي تُعَدّ واحدة من أُوَل المحافظات في مصر من حيث عدد الانتهاكات وأعداد السجناء.
وأكد التقرير أن مركز شرطة الزقازيق يُعَدّ، بشهادة كثير من السجناء السياسيين، الأسوأ بين مقارّ الاحتجاز وأقسام الشرطة، حيث ذاع صيته بعد وفاة معتقلين أخيراً بداخله.
ورصدت منظمات حقوقية مصرية، من بينها الشبكة المصرية، وفاة سجناء سياسيين نتيجة سوء مكان الاحتجاز، وانعدام إجراءات السلامة والوقاية بقسم شرطة الزقازيق، مع حرمان السجناء تلقي العلاج والدواء في التوقيت المناسب، حيث تُرفَض الطلبات التي تقدَّم من السجناء ومحاميهم بعرض المرضى، وخصوصاً كبار السن، على المستشفى الجامعي بالزقازيق، ولا يحدث ذلك إلا بعد تدهور حالة السجين واقترابه من لفظ أنفاسه الأخيرة.
ورصدت الشبكة المصرية وفاة السجين السياسي سامح طلبة، 26 يناير/ كانون الثاني 2023، بسبب ظروف الحبس المزرية، وانعدام الرعاية الطبية والصحية داخل محبسه، ما أدى إلى تدهور حالته الصحية ثم إعلان وفاته.
وكان طلبة قد أنهى فترة محكوميته التي استمرت عامين على ذمة حبسه في قضية ذات طابع سياسي، وظل محتجزاً دون سند من القانون داخل قسم شرطة الزقازيق، ليلفظ أنفاسه الأخيرة قبل إنهاء إجراءات إخلاء سبيله.
وفي 11 فبراير/ شباط الماضي، رصدت الشبكة وفاة المواطن محمود عبد الشافي الديداموني (42 عاماً) المحبوس على ذمة المحضر رقم 2133 لسنة 2021 مركز الزقازيق، بسبب تدهور حالته الصحية.
وكان الديداموني يعمل حداداً في قرية بني عامر مركز الزقازيق، وكان يعاني جراء إصابته بمرض السرطان، وبسبب عدم تلقيه الرعاية الصحية والطبية اللازمة في الوقت والمكان المناسبين، وبسبب ظروف الحبس غير الآدمية، تدهورت حالته الصحية، حتى نُقل من محبسه في مركز شرطة الزقازيق إلى مستشفى الزقازيق، حيث لفظ أنفاسه الأخيرة بعد معاناة مع المرض والإهمال الطبي المتعمد.
كذلك رصدت الشبكة وفاة العقيد السابق بالقوات المسلحة المصرية سامي محمد سليمان، الذي كان محبوساً احتياطياً بمركز شرطة الزقازيق، منذ عام 2016، وعانى من "التدوير" على ذمة عدة قضايا، وجاءت الوفاة نتيجة إصابته بورم سرطاني بالحنجرة والتهاب رئوي حاد.
وبعد أن تدهورت حالة سليمان الصحية، نقلته قوات مركز شرطة الزقازيق إلى مستشفى الزقازيق الجامعي بتاريخ 22/7/2022، حيث توفي نتيجة ظروف الاعتقال السيئة والإهمال الطبي المتعمد وحرمانه الدواء والعلاج والمناسب، ليلفظ أنفاسه الأخيرة داخل المستشفى وتُبلَّغ أسرته بوفاته في 5/8/2022.
وأشار التقرير إلى وجود 12 غرفة داخل مركز شرطة الزقازيق، خصصت إدارة المركز أربعاً منها للسجناء السياسيين، وهي الغرف التي تحمل الأرقام 4 و9 و10 و12 وتوجد غرفة لحجز السيدات، والبقية للجنائيين والتأديب. ويبلغ متوسط أعداد المحتجزين الجنائيين داخل كل غرفة من 40 إلى 50 محتجزاً، ويتغير العدد يومياً.
وفي ما يتعلق بالغرف الأربع المخصصة لحجز السجناء السياسيين، فإن أكبر هذه الغرف من حيث المساحة، بحسب شهادات السجناء السابقين، تعتبر الغرفة رقم 10؛ مساحتها قرابة 25 متراً مربعاً، وفيها أكبر عدد من السجناء، حيث إن عدد الموجودين فيها يقارب 40 محتجزاً.
أما عن باقي الغرف الأخرى، 4 و9 و12، فمساحتها أقل وفيها عدد أقل من المحتجزين، حيث يبلغ أعداد المحتجزين بها ما بين 18 إلى 20 سجيناً، وتختلف باختلاف أعداد السجناء داخل كل غرفة، ولكن الاكتظاظ بالسجناء السياسيين الجدد أو الذين يجري تدويرهم على ذمة قضايا جديدة، أو ما يعرف بالمحاضر المجمعة، أو الذين يُحضَرون من أجل إنهاء إجراءات إخلاء سبيلهم هو العامل المشترك داخل مركز شرطة الزقازيق.
وأشار سجناء سابقون، في حديثهم للشبكة، إلى وجود دورة مياة مساحتها 1.25 متر في 1.25 متر في كل غرفة، وفيها حنفية مياه باردة وحمام بلدي، ولا يفصلها عن بقية الحجز سوى ستارة من القماش، كذلك يوجد في كل غرفة باب من الحديد مغطى بالصاج، وفيه ما يعرف بالنظارة، وهي عبارة عن فتحة في أعلى الباب تبلغ مساحتها 20 سم في 20 سم، وفيها عدد من القضبان الحديدية مغطاة بالأسلاك.
وتحتوي جميع الغرف على مروحة سقف لتخفيف حدة حر الصيف وقسوته، حيث يؤدي تكدس السجناء وحرارة الجو إلى إصابة السجناء بعدد لا بأس به من الأمراض الجلدية.
وفي ما يتعلق بالتهوية في غرف الحجز، قال أحد السجناء في شهادته للشبكة إن "بعض الغرف فيها شبابيك بعيدة عن الشارع مكونة من عمدان حديد مغطى بطبقات عديدة من السلك الذي يصعب معه دخول الشمس والهواء النقي، وبعضها لا يوجد فيها شبابيك ولا تطل على الشارع حيث الشمس والهواء النقي، ولكن تطل على الممر الداخلي، يعني لا شمس ولا هواء نقياً متجدداً، ما يزيد من انبعاث الروائح الكريهة. وبالرغم من محاولاتنا وسعينا دائماً للمحافظة على النظافة، إلا أنه غالباً ما يكون هناك بعض الحشرات، ما يصيب البعض منا ببعض الأمراض الجلدية، وتزيد مع عدم عرض أغطيتنا والبطاطين للشمس".
ووصف أحد السجناء السابقين، للشبكة، الرعاية الصحية المقدمة داخل المركز بقوله: "بالنسبة إلى الرعاية الصحية، فهي تُعتبر منعدمة. لا يوجد بداخل القسم إسعافات أولية وطوارئ، فقط بعض المسكنات البسيطة التي تدخل لنا من الزيارات، ومعظم الأدوية يُرفض دخولها، أو تدخل بعد معاناة ودفع مبالغ من المال ومحاولات عديدة".
وبحسب شهادات شهود عيان لفريق الشبكة المصرية، لا توجد أماكن محددة للتعذيب داخل مركز شرطة الزقازيق، حيث تجري عمليات التحقيق والتعذيب في بداية الحبس، بمعرفة مباحث الأمن الوطني بمقر قوات الأمن بالزقاريق في أثناء فترة الاختفاء القسري التي غالباً ما يتعرض لها جميع السجناء السياسيين بالمحافظة، والتي تختلف مدتها باختلاف السجين ونوعية التهم الموجهه إليه.
وفي ختام تقريرها، رأت الشبكة أن "استمرار الاستهانة بحياة السجناء عبر سياسة الإهمال الطبي المتعمد ووضعهم في ظروف حبس غير آدمية ينذر بكارثة متعددة الجوانب على المستوى الإنساني والأخلاقي والحقوقي".
وأكدت الشبكة أن مركز شرطة الزقازيق "نموذج بائس لما يجري داخل أقسام الشرطة والسجون ومقار الاحتجاز بمختلف المحافظات المصرية، التي تحتاج إلى تحرك عاجل من أجل تشديد الرقابة عليها، والإعلان بشفافية عن أوضاع المحتجزين بها، وفتح أبوابها أمام الجهات الرقابية المنوطة بها حماية المحتجزين من البطش الأمني والقمع المتواصل، الذي لا يبالي بحياة المعتقل ولا يأبه لمصيره".