أفادت منظمتا "فير سكوير" و"هيومن رايتس ووتش"، اليوم الأربعاء، بأنّ مصر تستخدم منع السفر التعسفي لاستهداف أعضاء بارزين في المجتمع المدني بسبب عملهم السلمي، بمن فيهم محامو حقوق الإنسان والصحافيون والناشطات النسويات والباحثون. أضافت المنظمتان في بيان مشترك: "لقد أدّت إجراءات المنع التي لا تعلنها السلطات عادةً رسمياً ولا تمنح طريقة واضحة للطعن فيها في المحكمة، إلى تشتيت العائلات والضرر بالمسيرات المهنية والأذى بالصحة العقلية لمن يخضعون لها".
وقال مدير "فير سكوير" جيمس لينش إنّ "منع السفر التعسفي بلا نهاية يسمح للسلطات المصرية بفرض نظام عقابي له أثر كبير على الحياة ويكاد يكون خفياً لأيّ شخص باستثناء أولئك الذين يدمّر حياتهم"، مؤكداً أنّ "المنع سمح لمصر بضرب منتقديها بصمت من دون خوف من إثارة حفيظة مانحيها وداعميها في لندن وباريس وواشنطن". وشدّد أنّ "على مصر إنهاء هذه الممارسات التعسفية والمنتهكة فوراً".
تجدر الإشارة إلى أنّ "فير سكوير" و"هيومن رايتس ووتش" قابلتا في هذا الإطار 15 مصرياً فرضت عليهم السلطات منع سفر لمدّة تصل إلى ست سنوات في بعض الحالات. ومن بين هؤلاء الأشخاص، واجه ستّة تجميد أصول، الأمر الذي أدّى إلى عزلهم عن النظام المصرفي تماماً.
وسبق أن وثّقت "هيومن رايتس ووتش" أنّ حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي استخدمت منهجياً إجراءات لمنع سفر عشرات المعارضين الفعليين أو المفترضين. بدورهما، أعدّ "معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط" و"مبادرة الحرية" تقارير عن هذه القضية. وقد وجدت المنظمات التي تناولت هذه القضية أنّ قرار وزير الداخلية في عام 1994 يمنح الأجهزة الأمنية سلطات واسعة لفرض منع السفر من دون أوامر قضائية لمدّة ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
This morning FairSquare published, with @hrw, new research on the devastating impact of arbitrary travel bans on lawyers, researchers and activists in Egypt. https://t.co/KTHdf1f8PZ (1/) pic.twitter.com/6MoHA5P189
— FairSquare (@fairsqprojects) July 6, 2022
وقال الخاضعون لمنع السفر لـ "فير سكوير" و"هيومن رايتس ووتش" إنّهم علموا عادةً بمنع سفرهم في المطار، في أثناء محاولتهم الصعود إلى الطائرة، وإنّ السلطات لم تقدّم سبلاً قانونية واضحة للطعن في هذا المنع في المحاكم. وأشار أحدهم إلى أنّه قدّم التماساً إلى النائب العام، لكنّه رُفض من دون تبرير. كذلك رفع آخر دعوى أمام محكمة الجنايات لإسقاط المنع، فيما قدّم ثالث التماساً إلى مجلس الدولة المصري الذي يستضيف المحاكم الإدارية للتدخّل، لكن طلبَيهما رُفضا. ولعلّ غياب الأساس القانوني الواضح للمنع وأيّ وسيلة للطعن فيه يؤكدان طبيعته التعسفية.
وكانت الخسائر الشخصية طويلة الأجل لمنع السفر وتجميد الأصول مدمّرة. وقد روى كلّ من قابلته المنظمتان تقريباً أنّه فقد فرص العمل والدخل، وكشف كثيرون أنّ عدم معرفة تاريخ انتهاء هذه القيود التعسفية أثّر بشكل خطر بصحتهم النفسية. كذلك فإنّ لهذه القيود تأثيراً محبطاً على نشاط حقوق الإنسان لأنّها تثني الجمهور عن انتقاد السلطات.
وبعد تجميد تعسفي للأصول في عام 2016، لم تعد المحامية النسوية البارزة ومؤسسة "مركز المساعدة القانونية للمرأة المصرية" عزة سليمان قادرة على العمل في الأمم المتحدة، إذ انقطعت عن النظام المصرفي، الأمر الذي منعها من الحصول على راتب. كذلك فإنّها لم تتمكّن من بيع سيارتها، إذ سيُعَدّ البيع نقلاً لأحد الأصول. من جهته، أفاد المدافع عن حقوق الإنسان جاسر عبد الرازق بأنّه مُنع من تجديد رخصة سيارته، لأنّها من الأصول، بحسب ما يبدو.
وتابعت المنظمتان أنّ "منع السفر أدّى فعلياً إلى تهميش أعضاء المجتمع المدني الذين كانوا على اتصال منتظم بصانعي السياسات في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والأمم المتحدة".
وذكرتا أنّ السيسي أعلن عام 2022 "عام المجتمع المدني"، كجزء من استراتيجية حقوق الإنسان الجديدة التي كشفت عنها مصر في عام 2021 بعد أن انتقدت 32 دولة عضواً في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة سجلّها الحقوقي. وتخضع الحكومة لتدقيق دولي في عام 2022 لأنّها ستستضيف قمة المناخ العالمية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
ووصفت "هيومن رايتس ووتش" اختيار مصر بأنّه "خيار سيّئ جداً" في ضوء الأزمة الحقوقية في البلاد التي تشمل سجن نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان على نطاق واسع، إلى جانب القوانين التي تجرّم التجمّع السلمي.
وأكّدت المنظمتان أنّ منع السفر يُطبّق كعقوبات على العمل السلمي، كما في حالات الأشخاص الذين قابلتاهم، تعسفاً وانتهاكاً لحقوق الإنسان، بما في ذلك عندما يكون المنع جزءاً من محاكمة جنائية ذات دوافع سياسية تستهدف هذا النشاط. يجب أن يتمكن أي شخص خاضع لمنع السفر من الطعن في المنع أمام المحكمة.