استمع إلى الملخص
- الخريجون المتأثرون يشعرون بالتمييز والإقصاء، معتبرين أن تعليمهم في مناطق سيطرة النظام لا يعني انتماءهم له، ويفكرون في الهجرة بحثاً عن فرص أفضل، مما يسلط الضوء على الأزمة الإنسانية والمهنية.
- الجدل حول القرار يعكس التعقيدات السياسية والاجتماعية في سوريا، مع دعوات لحلول شمولية تأخذ بعين الاعتبار حقوق جميع السوريين في التعليم والعمل، مؤكدين على أهمية العدالة والمساواة.
يواجه خريجو جامعات مناطق سيطرة النظام السوري في إدلب خطر عدم الحصول على فرصة عمل في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام بعد قرار لـ"حكومة الإنقاذ" ينص على ذلك.
وجاء القرار الذي لم يدخل حيز التنفيذ بعد عقب سلسلة احتجاجات نظمها طلاب الجامعات في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام، والذين اعتبروا أن خريجي مناطق سيطرة النظام لا يستحقون فرص العمل المتاحة، ويجب عدم الاعتراف بشهاداتهم، أو تفضيلهم على خريجي المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.
وأكد مصدر مقرب من حكومة الإنقاذ، أن الحكومة كلفت لجنة مشكلة من أساتذة جامعات لدراسة الأمر، وأقرت تلك اللجنة مجموعة بنود تشمل سحب رخص مزاولة المهنة من خريجي جامعات مناطق سيطرة النظام بعد منتصف عام 2019.
في المقابل، أصدر مجموعة من الخريجين المعنيين بالقرار بياناً عبروا فيه عن رفضهم، مؤكدين أنه قرار يخالف مبادئ الثورة السورية، وأن دراستهم في مناطق سيطرة النظام السوري لا تعني أنهم تابعون للنظام لأن تلك الجامعات ملك للشعب السوري وليست ملكاً للنظام، فضلاً عن عدم وجود بعض الاختصاصات في جامعات إدلب وحلب.
وفضل طلاب تحدثنا إليهم عدم ذكر أسمائهم الحقيقية خشية التعرض للخطر، مؤكدين أنهم يبحثون حالياً عن مكان للهجرة، لكنه لن يكون في مناطق سيطرة النظام. من بين هؤلاء الطبيبة تقى (27 سنة)، وهي من مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، وتعيش تحديات كبيرة في مسيرتها المهنية بسبب تخرجها من جامعة في مناطق سيطرة النظام عام 2020.
تروي تقى لـ"العربي الجديد" تفاصيل معاناتها مع خبر سحب رخصة مزاولة المهنة قائلة، إنها اختارت الدراسة في مناطق سيطرة النظام بسبب نقص التخصصات في جامعات إدلب، ومنذ تخرجها، لم تتمكن من التخصص بسبب رفض السلطات المحلية، ما اضطرها إلى العمل طبيبةً عامة في المخيمات مع القيام بمهام اختصاصية طب أطفال.
وتشير الطبيبة الشابة إلى أن "تجديد رخصة مزاولة المهنة يمثل مشكلة دائمة، إذ تطالب المنظمات التي تدير المستشفيات بتجديدها دوريّاً، وسحب رخصتها قد يتركني من دون عمل، ويضعني في موقف معيشي صعب. اشتريت منزلاً في إدلب، وفتحت عيادة في المخيمات على نفقتي الخاصة تلبية لمتطلبات (خدمة المخيمات) التي تفرضها الحكومة المحلية على الخريجين من جامعات مناطق سيطرة النظام، لكن الظروف الحالية تدفعني إلى التفكير جدياً في الهجرة. كنت قد اخترت البقاء والعمل في إدلب، رغم أنني قادرة على العمل في مناطق سيطرة النظام، وتلقيت دعماً من أفراد الكوادر الطبية الذين يدركون حق أي سوري في العمل بغض النظر عن مكان تخرجه".
تشعر تقى بالتمييز والإقصاء لأنها تخرجت من جامعة تابعة للنظام، رغم أنها ابنة المنطقة، وعانت كما عانى سكانها القصف والتهجير وفقدان الأقارب، كما أنها ليست "شبيحة" أو مؤيدة للنظام. وتؤكد أنها تقدمت لعدة فرص عمل في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، وكانت تجربتها ناجحة في المقابلات، لكنها رُفضت لأنه يتوجب عليها الحصول على ورقة من "الهيئة السورية للاختصاصات الطبية" التابعة لوزارة الصحة في الحكومة السورية المؤقتة. وتتابع: "منع ابن المنطقة من العمل فيها يعني طرده منها، ودفعه إلى الهجرة، وبذلك لا يحق للسوري أن ينتقد تصرفات الشعوب الأخرى التي توصف بالعنصرية ضدنا".
بدوره، يقول خريج كلية الهندسة محمود العرواني، إنه تخرج من جامعة حلب في عام 2021، وإنه يعاني هذا القرار الذي سبّب طرده من عدة أعمال بعد معرفة أنه تخرج من جامعة تخضع لسيطرة النظام. مضيفاً: "عندما تكون ابناً لهذا البلد، وتعامل بهذه الطريقة من أهله، فذلك شيء لا يمكن تحمله. هذا تمييز وعنصرية وتفرقة بين أبناء البلد الواحد، ويدفع كثيرين إلى الهجرة، وقد يسبّب مع الوقت نزاعات".
وتخضع المنطقة التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام في قوانينها إلى "النص الشرعي الإسلامي"، بينما تخضع المناطق التي تسيطر عليها فصائل الجيش الوطني المعارض لـ"القانون العربي الموحد"، وهو قريب من القوانين المعمول بها في مناطق سيطرة النظام.
ويقول الباحث السياسي المقيم في إدلب، محمد أبو النصر، إنه "لا يمكن اعتبار كل من يقطن في مناطق سيطرة النظام عدواً للثورة، ومن تخرج اليوم كان طفلاً عندما بدأت الثورة، ومن الجيد أنه انتقل إلى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ومن ثم فإن رفض هؤلاء تعبير عن الحقد تجاه المجبرين إلى العيش في ظل ظروف سياسية وجغرافية خارجة عن إرادتهم. لا يوجد نص شرعي ولا قانوني يمنع إنساناً من مزاولة المهنة من دون جرم، وهذا يعد حرماناً من حقوقه المدنية، وإذا كان الشخص مجرماً أو (شبيحاً) يجب عرضه أولاً على القضاء، بينما كل سوري يحق له أن يعيش ويعمل في أي مكان من سورية".
ويرى الباحث السياسي بسام أبو عدنان أنه "لا يوجد في إدلب قانون واضح، وإنما يعتمد الحاكم على النصوص الدينية في حل القضايا، والشرع الإسلامي لا يوجد فيه تفاصيل لبعض القضايا الآنية، لذلك يتم الاعتماد على إصدار قوانين من خلال لجان معينة، وربما يتم استصدار قوانين غير دقيقة مثل هذا القانون، فما هو النص الديني الذي يجيز منع خريجين من مزاولة المهنة؟".
ويضيف أن "الجامعات في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام التي تديرها حكومة الإنقاذ، أو في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري التي تديرها الحكومة السورية المؤقتة لا تحظى باعتراف دولي، أي إن خريجيها لا تقبل شهاداتهم خارج تلك المناطق، ما يجعل الطلاب يفضلون الدراسة في جامعات معتمدة".