مهجرو لبنان: مساعدات شحيحة وخطة طوارئ فاشلة

24 سبتمبر 2024
عائلة لبنانية مهجرة من الجنوب وصلت إلى بيروت (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

تُظهر أوضاع مراكز الإيواء في لبنان حجم المأساة وغياب مؤسسات الدولة، إذ لا تفي المساعدات المتوفرة بحاجة المهجرين، ومعظمها مقدّم من جهات حزبية وبلديات وجمعيات، ما يشير إلى انعدام الجهوزية.

انسحبت موجة الارتباك التي انتابت أهالي الجنوب اللبناني، عقب العدوان الإسرائيلي الموسّع الذي بدأ الاثنين، على لجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية، لتطرح جملة من التساؤلات بشأن فاعلية خطتها للطوارئ مقارنة مع خطة الطوارئ الصحية التي أثبتت نجاعتها بعد التفجيرات المتنقلة والغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.
وشهد الطريق البحري من محافظة الجنوب باتجاه بيروت موجة تدفّق كبيرة تسببت في أزمة سير خانقة، وتركزت المناشدات على دعوة المنظمات الدولية وهيئات المجتمع المدني لتلبية النداء الإنساني. وأعلنت وزارة التربية والتعليم العالي لائحةً بأسماء مدارس الإيواء، في حين لم تعرف بعد خطط تأمين الحاجات اللوجستية من فرش وأغطية وأدوية ووجبات ومياه وغيرها، ولا توجد خطط لتوفير أماكن بديلة في حال امتلأت المدارس.
وبعد أن أكد ناشطون أن العديد من المهجرين قضوا ليلة الاثنين في الكنائس والجوامع والحدائق والشوارع، أعلنت لجنة تنسيق عمليات مواجهة الكوارث والأزمات الوطنية، الثلاثاء، أن عدد أماكن الإيواء بلغ 150 مدرسة، وأن الأعداد وصلت إلى 16,500 مهجر.
وكشف الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، محمد خير، في اتصال مع "العربي الجديد"، أنهم معنيون فقط بتأمين حاجات النوم من فرش وبطانيات، مضيفاً: "تمكنّا من تأمين نحو 70% منها ليل الاثنين في بيروت وقرى وبلدات محافظة جبل لبنان والبقاع الغربي، لكن حركة النزوح أكبر من المتوقع، ولم نعد قادرين على تلبية حاجات كل المهجرين. وردنا ليل أمس نداء من مدينة صيدا لتأمين المزيد من الفرش والبطانيات، لكن سائقي الشاحنات رفضوا توصيلها ليلاً خشية استهدافهم، وكذلك الحال بالنسبة لمنطقة إقليم الخروب (جبل لبنان) والبقاع الغربي".

صعوبات كبيرة في توصيل المساعدات الإغاثية كون الطرق مزدحمة

ويوضح خير: "لا علاقة لنا بتأمين الطعام، ولجنة الطوارئ هي المعنية بذلك. سبق أن اتخذنا الاحتياطات، لكن النواقص عديدة والحاجات كبيرة، ونناشد المنظمات الدولية التدخل العاجل، فنحن بأمسّ الحاجة لأصناف مختلفة من المساعدات، وفي حال امتلأت المدارس لن يكون أمامنا سوى المبادرات الفردية، وأدعو إلى إطلاق تعميم يدعو المواطنين الذين لديهم منازل وشقق وأماكن سكنية شاغرة لتوفيرها للمهجرين، تماماً كما حصل أثناء انفجار مرفأ بيروت في عام 2020، فالدولة غير قادرة على تقديم الإمكانات".
بدورها، تؤكد أمينة سر لجنة إدارة الكوارث والأزمات في محافظة الجنوب، منى ناصر، أن المحافظ منصور ضو فعّل غرفة عمليات لمتابعة شؤون مراكز الإيواء. وتقول لـ"العربي الجديد": "ننسق مع المنظمات والجمعيات لإبلاغها بأعداد المهجرين وحاجات كل مركز إيواء، في حين تقف الدولة متفرجة. لا أرقام دقيقة بشأن الأعداد، غير أن الآلاف تدفّقوا نحو مدينة صيدا. النواقص كبيرة ونحن بحاجة للدعم، وهناك صعوبة في توصيل المساعدات كون الطرق مزدحمة، وأرسلنا بعض سائقي الدراجات النارية لإيصال المياه والطعام للعالقين في الزحام، وتوفير الخدمات الإسعافية الطارئة. بحلول ظهر الثلاثاء، امتلأت 20 مدرسة في نطاق محافظة الجنوب التي تضم أقضية صيدا وصور وجزين".

نازحون من جنوب لبنان هرباً من الحرب (حسين بيضون/العربي الجديد)
اكتظت عدد من مدارس بيروت بالمهجرين (حسين بيضون)

ويشير المسؤول الإعلامي لخلية الأزمة في بيروت، فادي بغدادي، إلى أن 35 مدرسة في بيروت (رسمية وخاصة) امتلأت بالفعل. ويضيف بغدادي لـ"العربي الجديد": "تعرضت أبواب بعض المدارس للخلع من قبل شباب المنطقة، بعد أن رفض مديروها فتحها، مثل المدرسة البطريركية التي نزح إليها أكثر من 100 شخص، ولا تزال تتّسع لنحو 300 شخص. بيروت لا يمكن أن تعجّ بالمهجرين، فهي لا تحتمل ذلك، لذلك حددنا نقطة تجمع في منطقة بشارة الخوري، لنقل الأشخاص إلى خارج العاصمة باتجاه قضاء كسروان ومحافظة الشمال. لسنا معنيين بالشؤون اللوجستية التي تقع على عاتق الهيئة العليا للإغاثة، ونحن كخلية أزمة منبثقة عن خلية الأزمة والكوارث التابعة لمجلس الوزراء، نستقبل الناس، وننظم أعدادهم، ونقوم بتأمين مراكز إيواء لهم، كما نعمل مع جمعيات إغاثية لتأمين وجبات طعام لنحو 50 ألف شخص".
ويشدد أحد منسقي شؤون المهجرين في مدرسة "العاملية" في بيروت على أنهم لم يستلموا أية مساعدات من لجنة الطوارئ، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "نقدم لأهلنا من المهجرين الفرش والأغطية ووجبات الطعام والمياه، لكن من بينهم مرضى وكبار سن وأطفالاً بحاجة للأدوية، وقد أحصينا أعدادهم وحالاتهم الصحية وحاجاتهم، وهناك هيئة صحية تتابع أحوالهم، كما تفقدت بلدية بيروت النواقص، وعرضت تأمين نحو مئتي فراش".
قبل نحو خمسة أشهر، غادرت ربيعة، الأم لطفلين، منزلها في بلدة عيناتا (جنوب) باتجاه ضاحية بيروت الجنوبية، وهي اليوم تعيش النزوح الثاني مع زوجها وطفلَيها ووالدة زوجها المسنّة، بعد أن طاولت الغارات الإسرائيلية المنطقة التي تعيش فيها بالضاحية، ما اضطرها إلى الانتقال إلى مدرسة مجدليا في قضاء عاليه. 
واستقبلت مدرسة بيصور في قضاء عاليه 159 شخصاً، في حين قدمت الهيئة العليا للإغاثة 45 فراشاً فقط، وتم تأمين بقية الفرش بجهود أهلية. تقول الستينية اللبنانية فاطمة علي الدين لـ"العربي الجديد": "نزحتُ من بلدة صريفا (قضاء صور)، في رحلة لساعات، حتى الوصول إلى مدرسة بيصور بعد معاناة طويلة. نأمل أن تهدأ الأوضاع كي نعود إلى بيوتنا وأراضينا، فقد تعبنا وضاقت بنا الأحوال".

نازحون من جنوب لبنان في بيروت (حسين بيضون)
نازحون من الجنوب وصلوا إلى بيروت (حسين بيضون)

وتروي الطفلة زهراء جعفر من مدينة صور: "كنت نائمة، وسمعت صوت ضربة قوية، ورأيت الدخان يتصاعد، فهرعت إلى والدتي، وبعدها بدأت رحلة النزوح. نسيت ألعابي، ولا أريد شيئاً سوى العودة إلى منزلي"، أما والدتها، فتقول: "استشهد أفراد من جيراننا، عدا عن المفقودين. انطلقنا في الصباح، ووصلنا نحو الساعة العاشرة مساء إلى جبل لبنان. المعاناة لا توصف، وكان يوم الاثنين أصعب أيام حياتي".
بدورها، تسرد فاطمة خليل من بلدة صريفا (جنوب) تفاصيل وصولها مع زوجها وأطفالها الثلاثة إلى مدرسة بيصور بعد نحو 12 ساعة، وتقول: "كان القصف متواصلاً، ووقعت غارة إسرائيلية أمامنا، فاهتزت السيارة، وسارع أطفالي لاحتضاني، وبدأوا بالبكاء والصراخ، حتى إن أحدهم تبوّل في سرواله من شدة الخوف، وعلى مدى ثلاث ساعات لم يتفوّهوا بكلمة. بعد وصولنا إلى المدرسة، سألوني: "معقول يضربونا هون؟"، عندما كنا عالقين في الزحام، كان الأهالي يقدمون بعضهم لبعض ما توفر بحوزتهم من ماء وطعام، وقدمت لنا شابة بعض المناقيش للأطفال".
من مدرسة عرمون (جبل لبنان) التي استقبلت نحو 350 شخصاً، تقول حنين منصور: "نزحنا من بلدة القصيبة (جنوب) ظهر الاثنين، ووصلنا عند الثالثة من فجر الثلاثاء، وقد تعرضنا على الطريق للقصف، وتعطلت سيارتنا التي وضعت فيها بعض الأغراض، فأكملنا الرحلة بسيارة ثانية. زوجي يعاني من السكري، وأحد أدويته شارف على الانتهاء، وهو باهظ الثمن. نمت مع طفلتَيّ على فراش واحد، وافترش زوجي الأرض، وكنا ستة أشخاص في غرفة، ولم يتناول الأطفال طوال ساعات سوى قطعة من الحلوى".

نزحت آيات مهدي رفقة بناتها الثلاث من القصيبة أيضاً، وتقول: "رفض زوجي ترك البلدة، لكن صراخ بناتي دفعني إلى النزوح. قدتُ السيارة للمرة الأولى خارج مدينة النبطية، وبقينا نحو 12 ساعة على الطريق، وروينا عطشنا وجوعنا بما حملته من مياه وخبز وزعتر". وتؤكد طفلتها مريم: "أنا خائفة، وأبكي مع صوت كل قصف، ولا أريد شيئاً سوى أن تنتهي الحرب وأعود إلى بيتنا".
علم رضا ناجي من بلدة عيناتا بقصف منزله بعد ساعات من مغادرته، ويقول: "نزحت مع زوجتي وطفلتي المريضة، ولم نجد بيتاً يؤوينا، وقد وصلنا بعد منتصف الليل إلى مجمع مدارس في منطقة بئر حسن (بيروت)، واضطررنا للنوم في السيارة. لم يؤمن لنا أحد أي شيء، وذهبنا بأنفسنا لشراء الطعام. علماً أن منزل أحد أقربائي في العاصمة لم يعد يتّسع، وينام نحو 15 شخصاً في كل غرفة".
وتؤكد ميرفت قشقوش من بلدة قعقعية الجسر (جنوب) أن مجمع المدارس في بيروت يفتقر إلى الحاجات الأساسية، وأنه "من أصل 100 نازح في إحدى مدارس المجمع جرى توفير 30 فرشة فقط لهم، ونام النازحون على المقاعد والطاولات. غادرنا منازلنا بما علينا من ثياب، ولا يكترث أحد لأحوالنا. لا نريد سوى العودة بعد توقف الحرب".

المساهمون