يجد العديد من الشباب في ليبيا فرص عمل خلال موسم "الجلامة" أو جز صوف الأغنام، الذي يبدأ في منتصف إبريل/ نيسان ويستمر حتى نهاية مايو/ أيار من كل عام في غالبية المناطق الرعوية في ليبيا.
بدأ عبد اللطيف زهيمة ورفاقه الثمانية، والذين يتحدرون من منطقة تيجي (غرب)، العمل في موسم العام الجاري، وتنقلوا بين العديد من المناطق الرعوية، حيث يستعين أصحاب الأغنام بالعمالة الليبية لمعرفتها بطريقة الجلامة. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه ورفاقه يعملون في هذه المهنة منذ ثلاث سنوات.
ينتمي غالبية من يمارسون هذه المهنة إلى المناطق الرعوية، ويتعلمونها من أهلهم، ويوضح زهيمة، أن "احتراف مهنة الرعي وتربية الأغنام لم يعد متاحاً لدى كثير من الأسر، كونه يحتاج إلى مبالغ مالية كبيرة لتأمين الربح. تربية أعداد قليلة من الأغنام لا يدر دخلاً، ويبحث الشباب عن فرص عمل في مجالات تجارية أخرى أو القطاع الحكومي. لكن محترفي الجلامة يستفيدون من هذا الموسم لجني مبالغ مالية لا بأس بها سنوياً، فهي تشكل دخلاً إضافياً وليس أساسياً. الإقبال على تعلم المهنة محدود، ليس بسبب صعوبتها، بل نتيجة الاضطرار إلى العيش في المناطق الرعوية لأسابيع عدة".
وتتعدد المواسم السنوية التي يجد فيها الشباب الليبي فرص عمل، ففي فصل الخريف يبدأ موسم جني التمور والكمأ، وبعده موسم جني الزيتون، قبل أن يبدأ موسم الجلامة في نهاية فصل الربيع، يليه موسم حصاد المزروعات من الشعير والقمح. ويقول مصطفى جدّور، وهو مربّي أغنام في منطقة الأصابعة (غرب)، إن "الإقبال على امتهان حرفة تربية الأغنام والرعي تراجع بشكل كبير خلال السنوات الماضية، والسبب أن الرعي يحتاج إلى بيئة آمنة. ومع انتشار الجريمة والسرقات، بات الناس يتخوفون من امتلاك أعداد كبيرة من الأغنام التي تحتاج إلى مراعٍ تكون عادة بعيدة عن المدن والقرى"، مضيفاً: "هناك سبب آخر يتعلق بإقبال التجار على استيراد الأغنام من الخارج كونها أقل كلفة، وهو عامل آخر يجعل مربّي الأغنام يعزفون عن هذه المهنة. كما أن أسعار أعلاف المواشي أصبحت عبئاً إضافياً".
وفي إشارة إلى تراجع الاهتمام بمهنة تربية الأغنام، يشير إلى إغلاق مصنع غزل الصوف في المرج شرقي البلاد، ومشكلات في عمل مصنع المنسوجات الصوفية في بني وليد غرب البلاد، في ظل عدم توفر الكميات اللازمة من الصوف المحلي لهذه المصانع.
وينبه جدّور إلى أن انفتاح التجار على الأسواق الخارجية جعلهم يستوردون آلات حديثة لا تتطلب جهداً أو وقتاً، لافتاً إلى أن "التقنيات الحديثة لها عيبها، والجلامة ليست مجرد مهنة بل ترافقها تقاليد وقيم موروثة ستنقرض من خلال هذه الآليات ونقل عمليات جز الصوف إلى المعامل الكبيرة".
ويتحدث جدّور عن أن موسم الجلامة كان يعزز قيم التعاون بين المناطق وداخل المجتمع. "عادة ما يتنقل أصحاب الأغنام على شكل مجموعات بين المناطق للمساعدة في عملية الجلامة. وفي كل مرة يستضيفهم مربٍّ من المربين ويستمر الأمر حتى نهاية الموسم". يتابع: "لهذا الموسم تقاليد خاصة وأغنيات وأهازيج. وفي شرق البلاد، تنظم مسابقات الشعر على هامشه. بالتالي، فإن نقل عملية الجلامة إلى المعامل واعتماد الآلات الحديثة سيؤديان إلى فقدان كل هذا مع مرور الوقت".
وعلى الرغم من الهوايات العديدة التي يعشقها سفيان السعيطي، والمتعلقة بغالبيتها بالسياحة في الصحراء، إلا أنه يجد في موسم الجلامة فرصة للاستجمام برفقة شباب منطقته في التميمي (شرق البلاد). ويسعى أن تكون تلك الهوايات مصدراً يدر عليه دخلاً، قائلاً لـ "العربي الجديد": "الجلامة توفر دخلاً في ظل الكساد وقلة فرص العمل، ومساحات الرعي في شرق البلاد كثيرة وشاسعة والإقبال على احتراف تربية المواشي والأغنام ما يزال نشطاً". على الرغم من ذلك، فإن التنقل بين منطقة وأخرى بالنسبة للسعطي برفقة أصدقائه يعد فرصة للاستجمام والراحة بعيداً عن صخب المدن.
يشار إلى أنه من موروثات هذا الموسم أن يولم صاحب المرعى شاة يطلق عليها مسمى الكرامة لإكرام من يتوافد على مرعاه ومساعدته في جزّ صوفها ويشارك في الحفلة المبدئية الأهل والجيران والأصدقاء.
ويقدر عدد الأغنام في ليبيا بحوالي 6 ملايين رأس، بحسب إحصائية وزارة الزراعة والثروة الحيوانية عام 2010، لكن يعتقد أنها تناقصت إلى نصف حجمها السابق بسبب عمليات التهريب عبر الحدود إلى دول الجوار منذ أواخر عام 2012.