نازحون سوريون تشردهم الأمطار.. والمنظمات الإنسانية عاجزة

ريان محمد

avata
ريان محمد
21 يناير 2021
الأمطار تغرق المخيمات بسورية.. والنازحون يبحثون عن مأوى
+ الخط -

 تضيق الأرض بمئات آلاف النازحين المنتشرين في مخيمات عشوائية، بعد أن هجّرتهم الأعمال العسكرية للقوات النظامية، إلى شمال غرب سورية، فالخيام الرثة لم تستطع أن تحمي الأطفال والنساء من هطولات الأمطار الغزيرة التي أغرقتهم بمستنقعات طينية، فتبللت ملابسهم وعشّش البرد في عظامهم، ولم يتبق لهم مكان يلجأون إليه سوى دعواتهم إلى الله، في ظل غياب شبه تام للمنظمات الإنسانية الدولية، وصمت المجتمع الدولي.

تقف الخمسينية أم محمد، وقد غمر الطين قدميها، أمام خيمتها وأبنائها بالقرب منها، تتلفت حولها ولا تدري ماذا تفعل، لتنهمر دموعها وتصرخ ألما تستغيث الرحمة من الله، وتسأل حينا آخر "أيرضي العالم والحكام العرب والمسلمين هذا؟"، وتستفهم عن صمت المنظمات.

أمّ محمد واحدة من كثر استفاقوا وقد تسللت المياه إلى فرشاتهم التي ينامون عليها، في حين كانت الرياح تهز خيامهم المثقلة بمياه الأمطار سقوفها وجدرانها الرثة، وما غطي منها من بطانيات وقطع نايلون، تلك الخيام التي قيل لهم يوما إنها مؤقتة لبضعة أشهر، قد مر عليها سنوات دون أن يعودوا إلى منازلهم أو يجدوا منزلا جديدا أو إعطائهم حتى خيمة جديدة تقيهم مياه المطر وبرد الشتاء أو حر الصيف، بالرغم من المناشدات الدائمة لمنظمة الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية.

 عائلة أبو قاسم عثمان، من المقيمين في أحد المخيمات القريبة من الحدود السورية التركية، تجهد في جمع أغراضها الغارقة في الطين، وتحاول نقلها إلى خارج المستنقع الذي شكلته مياه الأمطار، التي ماتزال تتساقط على رؤوس النازحين، قائلا في حديث لـ "العربي الجديد"، "الأمطار غزيرة جدا، ولم نشعر إلا والمياه تحاصرنا من كل حدب وصوب، كل ما استطعنا فعله هو تجميع أشيائنا في إحدى زوايا الخيمة، واللجوء إلى خيمة أقارب لنا تقع على مقربة منا، لم تتضرر لوجودها في منطقة مرتفعة، أمضينا بها الليل مع خمس عائلات أخرى".

وأضاف "غالبية الخيام في المخيم غرقت، سنحاول اليوم  نقل الخيمة إلى منطقة قريبة أكثر ارتفاعا حيث لا تتجمع المياه بها، لكن الأمطار لا تعطينا فرصة لذلك"، لافتا إلى أنهم "كانوا مجبورين على الأماكن التي وضعوا بها خيامهم، فالمناطق المرتفعة في المنطقة هي أملاك خاصة، لذلك تجد غالبية الخيام موجودة إما على جوانب الطرقات أو الأودية أو بعض الأراضي العامة".

من جهته، قال مسؤول الإعلام في الدفاع المدني قطاع أطمة، احميد قطيني، لـ "العربي الجديد"، "الواقع بشكل عام سيئ في مخيمات الشمال السوري، أغلب الأضرار  ناتجة عن طبيعة المنطقة التي بنيت بها تلك المخيمات، إضافة إلى غياب وسائل الوقاية من السيول كوجود سواتر ترابية أو قنوات تصريف، وخاصة في المخيمات المبنية في الأودية مما يجعلها تتعرض لأضرار كبيرة وتترك آلاف العائلات بلا مأوى جراء تهدم الخيام أو محاصرتها بالمياه والوحل".

ولفت إلى أن "الطرقات والساحات تحولت في أغلب المخيمات ومحيطها لبرك من الوحل يصعب الدخول إليها  والخروج منها، لإيصال المؤن للسكان من ماء و غذاء أو ذهاب الطلاب للمدارس، لاسيما أن عدداً كبيراً من المخيمات ما تزال أرضياتها على التربة الزراعية".

وقال "فرقنا تعمل بشكل مستمر و من قبل بداية الشتاء على تقديم الخدمات الاحترازية، من تجهيز أرضيات المخيمات وفرشها وفتح طرقات وإقامة قنوات تصريف في محيط عدد منها  لاسيما التي تقع في الأودية أو ضمن مجاري السيول لمنع المياه من الوصول للمخيمات، لكن المهمة كبيرة".

وأوضح أن "العمل الذي يتم اليوم وبشكل إسعافي، هو نقل العوائل المتضررة إلى مراكز الإيواء، ونحن نقوم بفتح قنوات لتصريف المياه، إضافة لتنظيف مجاري القنوات الموجودة، وضخ المياه من بعض التجمعات، التي يستحيل فتح قنوات بها لسحب المياه بعيداً عن الخيام، وجرف الوحل من طرقات مداخل بعض المخيمات لتسهيل حركة المدنيين ومساعدتهم للوصول إلى خيامهم وإخراج آلياتهم العالقة في الوحل".

وبين أن "كل ما تقدمه منظمة الخوذ البيضاء وباقي المؤسسات الإنسانية اليوم غير كاف، بسبب العدد الكبير من المخيمات، وخاصة العشوائية منها"، معتبرا أن "معاناة النازحين لن تنتهي إلا بعودتهم إلى منازلهم، التي هجرهم منها النظام وحليفه الروسي.

فريق "منسقو استجابة سورية"، قال عبر صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، إن "أوضاعا إنسانية سيئة تواجه النازحين السوريين في المخيمات بالتزامن مع انخفاض كبير في درجات الحرارة وتساقط الثلوج في عدة مناطق مختلفة في ريفي إدلب وحلب، حيث أصبحت المنظمات الإنسانية عاجزة كليا عن تقديم الدعم الإنساني اللازم للنازحين في محافظة إدلب".

من جانبه، رأى عضو فريق منسقو الاستجابة طارق الإدلبي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "سبب غرق المخيمات أنها عشوائية تمت إقامتها في أراض زراعية مستوية أو منخفضة، إضافة إلى عدم رصف الطرقات ورفع الخيام عن الأرض على الأقل 30سم، ليتم نصب الخيمة فوقها، فتمنع عنها الغرق والسيول".

يشار إلى أن "منسقو الاستجابة" بينوا في تقرير نشر على صفحتهم قبل يومين، أن أعداد المخيمات المتضررة نتيجة الهطولات المطرية الكثيفة بلغ 145 مخيما، في حين انقطعت العديد من الطرقات المؤدية إلى بعضها، مبينين أن عدد الخيام المتضررة بشكل كلي بلغ 278 خيمة، و513 بشكل جزئي، ما تسبب بتشرد مئات العائلات ونزوح بعضهم إلى مناطق جديدة، وانتقال جزء آخر إلى دور العبادة ومراكز الإيواء، في حين أمضى آلاف المدنيين ليلتهم وقوفا في العراء، متوقعين زيادة الأضرار بشكل أكبر في حال استمرار الهطولات المطرية.

ذات صلة

الصورة
النازح السوري محمد كدرو، نوفمبر 2024 (العربي الجديد)

مجتمع

أُصيب النازح السوري أيمن كدرو البالغ 37 عاماً بالعمى نتيجة خطأ طبي بعد ظهور ضمور عينيه بسبب حمى أصابته عندما كان في سن الـ 13 في بلدة الدير الشرقي.
الصورة
فك الاشتباك جندي إسرائيلي عند حاجز في القنيطرة، 11 أغسطس 2020 (جلاء مرعي/فرانس برس)

سياسة

تمضي إسرائيل في التوغل والتحصينات في المنطقة منزوعة السلاح بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
الصورة
سياح عند بحيرة ياسمينة في صحارى مرزوكة - جنوب شرق المغرب - 20 أكتوبر 2024 (فرانس برس)

مجتمع

أحيت الأمطار الغزيرة، التي هطلت أخيراً في جنوب شرق المغرب، بحيرات وبركاً مائية كانت قد نضبت لسنوات بسبب الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في الصحارى.
الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
المساهمون