نازحو الشمال السوري... مخيمات منسية قبل وبعد سقوط الأسد

04 يناير 2025
أطفال بأحد مخيمات أرض الوطى، 29 ديسمبر 2024 (بلال الحمود/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يعاني النازحون في مخيمات شمال غرب سوريا من صعوبات كبيرة تمنعهم من العودة إلى ديارهم بسبب تضرر المنازل والبنية التحتية وانتشار الألغام، مع نقص حاد في الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصحة والتعليم.
- رغم استمرار دخول المساعدات، إلا أن الاحتياجات تفوق ما يتم تقديمه، مما يضع ضغطاً على المنظمات الإنسانية لتلبية هذه الاحتياجات المتزايدة، ويزيد من معاناة النازحين الذين يعيشون في ظروف قاسية.
- يعبر النازحون عن استيائهم من عدم كفاية المساعدات ويطالبون الحكومة والمنظمات الإنسانية بتحسين أوضاعهم وتقديم الدعم اللازم لإعادة بناء حياتهم.

يختبر النازحون في مخيمات الشمال السوري معاناة حقيقية في ظل عدم قدرتهم على العودة إلى مناطقهم بسبب معوقات عدة، عدا عن صعوبة الاستمرار في ظل نقص الخدمات والمساعدات.

يعاني النازحون في مخيمات شمال غرب سورية حالة من الإهمال عقب سقوط نظام الأسد، وسط حاجة ملحة لإنهاء محنتهم المستمرة منذ 13 عاماً؛ فغالبية النازحين في المخيمات لديهم معوقات للعودة، منها تهدم بيوتهم جراء قصف النظام أو تخريبها بشكل متعمد من قبل عناصره لسلب ما فيها، إضافة إلى تضرر البنية التحتية، وعدم وضوح سبل العيش، فضلاً عن انتشار الألغام، والتي تشكل تهديداً قد يمتد خطره لسنوات.
يقول مدير فريق منسقو استجابة سورية، محمد حلاج، لـ "العربي الجديد": "بعد سقوط النظام حدث نوع من الخلل في عمليات الاستجابة الإنسانية. إذا أخذنا معرة النعمان مثالاً، فهي إحدى المناطق التي كانت واقعة تحت سيطرة قوات النظام، ويعاني سكانها وضعاً سيئاً، وبسبب الفساد الكبير، كانت تقدم لهم نحو 500 سلة غذائية فقط. ونتيجة العمليات العسكرية، ارتفع هذا الرقم إلى 4000 أو 5000. مع ذلك، لا تزال الاحتياجات أكبر بكثير من هذا".
ويوضح حلاج أن "المساعدات لم تتوقف، ولا تزال تدخل من الحدود بشكل منتظم. مع ذلك، فإن التفويض الذي أعطاه النظام السابق على وشك الانتهاء، وهذه التفويضات لم تعد كافية لفتح الحدود بشكل مستدام. قد تدخل المساعدات، لكن المشكلة الكبرى تكمن في موضوع التعهدات أو المبالغ المقدمة التي لا تتناسب مع الاحتياجات اللازمة للسكان. لدينا عتب على المنظمات. بالطبع، لا نتحدث بأسلوب هجومي أو شخصي، لكن الفكرة أن هناك مطالبات أكبر بكثير من تلك التي قدمتها بعض المنظمات عقب سقوط النظام".

يشكو غالبية النازحين السوريين من انعدام وصول المساعدات إلى المخيمات 

يضيف: "تعرضت المخيمات خلال الأسابيع الماضية لأضرار كبيرة، لكننا انشغلنا بأمور أخرى بعد سقوط النظام، بينما الاستجابة الشاملة لكل الأراضي السورية يجب ألا تكون على حساب المخيمات، لأن الشخص المقيم في حلب أو دمشق أو حمص قد لا يواجه نفس الاحتياجات الملحة للشخص القاطن في خيمة. المقيم في بيته قد يحتاج إلى الخبز أو الماء إذا انقطعت، أما القاطن في خيمة، فقد خسر بيته وأرضه وأحياناً أفراداً من عائلته. لذا يجب أن نوجه الأنظار بشكل أكبر إلى هذه الفئة".
ويشير حلاج: "عادة ما تكون خطط الاستجابة الإنسانية الدولية مبنية على شدة الاحتياج، لكن قضية المخيمات تحتاج إلى وقت طويل، ونحن نعمل منذ سقوط النظام على توفير متطلبات سكان المخيمات، وملتزمون بذلك حتى تفكيك آخر خيمة، وعودة النازحون إلى ديارهم، لكن هذا سيستغرق سنوات، وهناك مشكلات كبيرة تتعلق بسبل عودة الناس. إذا كنت تعيش في خيمة منذ عام 2012 أو 2013 وعُدت إلى بيتك فوجدته مدمراً، فكيف سيكون حالك. لا قدرة لدى الناس على ترميم أو إصلاح البيوت، ولو كانت لديهم القدرة، لكانوا استأجروا منازل للعيش فيها خلال السنوات الماضية".

مخيم للنازحين في محافظة إدلب السورية، في 27 يونيو 2024 (فرانس برس)
لا خدمات لسكان المخيمات السورية. 27 يونيو 2024 (فرانس برس)

يتابع: "المشكلة الثانية تتعلق بالخدمات، وهي غير متوفرة حتى الآن. الأوضاع في سورية تشهد ضغوطاً كبيرة على المستويين الخدماتي والإنساني، إذ لا كهرباء ولا مياه ولا صحة ولا مدارس إلا بالحد الأدنى. المشكلة الثالثة، وهي مرعبة للعائدين، تتمثل في مخلفات الحرب التي تعد أزمة كبيرة قد يمتد علاجها لسنوات طويلة.  حتى الآن، قُتل نحو 78 مدنياً بسببها، وهناك نحو 90 إصابة بين الأطفال على وجه الخصوص لأنهم لا يدركون خطورة ما حولهم. قبل أيام في إحدى القرى، عثر على كمية من الألغام في أرض صغيرة لا تتجاوز مساحتها دونمين. مخلفات الحرب تجعل العودة إلى الأراضي لزراعتها محفوفة بالمخاطر، فالناس محرومة من المردود الزراعي، والبلد محروم من الأمن الغذائي، وباتت سورية من الدول الأولى في انعدام الأمن الغذائي، والعائلات التي ترغب في العودة تواجه خياراً صعباً بين المخاطرة بالموت أو البقاء في الخيام، والأمر ليس مقصوراً على الأراضي الزراعية، بل يشمل المنازل والطرقات".
ويختم حلاج: "تواجه السلطة السورية الحالية عقبات كبيرة لإدارة هذه القضايا، ونحن لا نتحدث عن إعادة الإعمار الشامل، فهذا موضوع آخر. يمكن للمنظمات الإنسانية دعم مشاريع ترميم البيوت المتضررة بكلفة لا تتجاوز خمسمائة ألف أو مليون ليرة، لكن إعادة إعمار المنازل المدمرة تحتاج إلى الملايين، وهذا يستدعي مؤتمراً دولياً لإعادة الإعمار، ويتطلب سنوات لتطبيقه بشكل فعلي على الأرض".

معاناة في مخيمات شمال إدلب جراء البرد، 29 ديسمبر 2024 (بلال الحمود/ فرانس برس)
معاناة في مخيمات شمال إدلب، 29 ديسمبر 2024 (بلال الحمود/فرانس برس)

بدورها، تعرب مريم الحاج قدور، وهي نازحة مقيمة في مخيمات دير حسان، عن حزنها لما وصلت إليه أحوال المخيمات من إهمال في الآونة الأخيرة، وتقول لـ"العربي الجديد": "كلنا فرحنا بسقوط النظام المجرم وعودة الحياة للسوريين، غير أن ذلك لا يبرر مطلقاً كل هذا النسيان للمخيمات سواء من قبل الحكومة الجديدة أو التغطية الإعلامية الكافية. يعاني النازحون نقصاً حاداً في كل مقومات الحياة، ويعيشون وسط الفقر والبرد وانعدام الدعم، في حين يسود تضارب بين الواقع الاحتفالي، وبين الواقع الصعب الذي يعيشه الناس في المخيمات التي تواجه تحديات كبيرة في ظل الظروف الإنسانية والمعيشية الصعبة، ولا يزال هناك غياب في التركيز على تقديم الدعم الفعلي لأهالي المخيمات".
من جهته، يشكو المسن علي البرهوم المقيم في مخيمات قاح شمال إدلب من قلة الدعم، رغم ما يسمع عنه كل يوم من وصول مساعدات إنسانية. ويسأل في حديثه لـ"العربي الجديد": "إلى أين تذهب تلك المساعدات بينما يعاني أهالي المخيمات نقصاً حاداً في كل الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والمأوى والرعاية الصحية؟ غالباً ما توزع تلك المساعدات على مناطق أخرى،  أو مدن مثل حلب ودمشق، التي لا يزال يعيش أهلها آمنين في بيوتهم، ولم يهجروا ولم يفقدوا أرزاقهم، ولم يعيشوا يوماً واحداً في الخيام. شخصياً، أعاني من ظروف صحية سيئة، فالبرد يخترق عظامي مثلما تخترق مياه الأمطار أرضية خيمتي المتهالكة، ما يخلق لي ولغيري بيئة عيش غير آمنة".
ويعيش النازحون حالة من القلق والخوف المستمرين، سواء بسبب عوامل الفقر أو تأثيرات التهجير والإهمال وعدم القدرة على العودة إلى الديار بسبب تهدم منازلهم، ما يؤثر على حالتهم النفسية والعاطفية. تقول سارة الصابوني، وهي نازحة مقيمة في مخيمات البردقلي شمالي إدلب، لـ"العربي الجديد": "غالباً ما أشعر بالعزلة الاجتماعية والنفسية نتيجة البعد عن مجتمعي الأصلي، وفقداني الروابط العائلية والاجتماعية، فالحياة في المخيمات محكومة بالروتين اليومي القاسي والأوضاع المعيشية الصعبة، ما يؤدي إلى فراغ عاطفي وتدهور في الصحة النفسية".

وتوضح الصابوني أن "أطفال المخيمات يتعرضون لمخاطر كبيرة نتيجة حرمانهم من التعليم، وانخراطهم المبكر في العمل، والتعرض للاستغلال، والأمراض الجلدية والتنفسية من جراء التعرض لخطر انتشار النفايات والبرد والدخان الناجم عن مواد التدفئة البديلة. نواجه مشاكل في الحصول على جميع مقومات الحياة والخدمات، ونعيش بلا إنترنت، ولا صرف صحي، ولا كهرباء، ولا مياه، ونعاني للحصول على الغذاء. نحن بحاجة إلى من يلتفت إلى مطالبنا وينهي معاناتنا، أعيدوا لنا منازلنا، أعيدوا لنا حياتنا التي دمرتها الحرب، واهتموا بتفاصيل حياتنا التي تفتقد كل شيء. نحتاج إلى حلول طويلة الأمد وليس إلى حلول مؤقتة أو طارئة".
تتابع: "المساعدات التي تصل إلى المخيمات شبه معدومة في الوقت الذي نحتاج فيه إلى الدعم أكثر من أي يوم مضى، بينما يتجه الاهتمام إلى من هم جالسون في منازلهم الدافئة، ولا يزالون في أعمالهم ووظائفهم، وينعم أطفالهم بالتعليم والرفاهية والحدائق والملاهي. نطالب الحكومة الجديدة بتعويض النازحين، والعمل على مساعدتهم قبل أي شيء آخر. لولا كفاحنا وكفاح أبنائنا طوال تلك السنوات لما حصل هذا النصر العظيم".
وتشير آخر إحصائيات "فريق منسقو استجابة سورية" إلى وجود نحو مليوني شخص في مخيمات شمال غربي سورية، يتوزعون على أكثر من 1900 مخيم، قدموا من ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، ومناطق من محافظات ريف دمشق وحمص وحلب.