استمع إلى الملخص
- تراجع الحركة التجارية وصعوبات توفير ملابس العيد للأطفال، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأضاحي وضعف القوة الشرائية للمواطنين، مما أثر على الإقبال على شراء الأضاحي.
- الظروف السياسية والمالية والحصار الإسرائيلي ساهمت في جعل موسم الأضحى الحالي الأضعف على الإطلاق، معكسة التحديات الكبيرة التي تواجه الأسر الفلسطينية في الحفاظ على تقاليد العيد.
حرم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة أهالي الضفة الغربية من بهجة عيد الأضحى إذ أن الألم أكبر من القدرة على الفرح.
في العاشر من يونيو/ حزيران الجاري، كان دور السيدة عطاف جرّاد (45 عاماً) في تسلم مبلغ 2000 شيكل من الجمعية (هو عبارة عن مبلغ مالي محدد تتشارك بتوفيره مجموعة من الأشخاص). كانت قد شاركت بها بداية العام الجاري مع مجموعة من زميلاتها في إحدى الوزارات الحكومية. والمبلغ على بساطته، سيساعدها في توفير مستلزمات عائلتها المكونة من سبعة أشخاص، في ظل عدم انتظام صرف الحكومة للرواتب، والتراجع الاقتصادي المتزامن مع الغلاء الفاحش الذي تعيشه الأراضي الفلسطينية مؤخراً.
تقول جرّاد لـ "العربي الجديد": "أنا محظوظة، إذ صادف دوري في استلام القيمة المالية من الجمعية (60 % من راتبي الحكومي) في نفس اليوم الذي استلمت فيه راتبي أسوة ببقية الموظفين. وهذا سيساعدني في شراء حاجيات العيد، التي ستقتصر على توفير ملابس لأطفالي الثلاثة الذين تقل أعمارهم عن عشر سنوات، وبعض الحاجيات الأساسية، لكن من الصعب شراء كعك العيد أو أية كماليات أخرى. حزننا على مجازر الاحتلال في قطاع غزة لا يسمح لنا أن نشعر بالفرحة أو أن نحتفل بعيد الأضحى".
تلجأ جرّاد التي تقطن مدينة قلقيلية وتعيل أسرتها بسبب مرض زوجها، إلى الاشتراك بالجمعية حلا أخيرا يوفر لها مبلغاً مالياً تقضي بها حوائجها الأساسية.
من جهته، قرر سائد أبو مشهور (52 عاماً) إلغاء أي مظهر من مظاهر عيد الأضحى في بيته بسبب العدوان على غزة من جهة، والوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه من جهة أخرى، بعدما فقد عمله في مشغل الخياطة في ريف نابلس الغربي منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة. يقول لـ "العربي الجديد": "عن أية استعدادات نتحدث؟ كيف يكون هناك عيد وسط أكثر من 37 ألف شهيد في غزة، وضعف عددهم من الجرحى؟ نحن مقصرون معهم لكننا نشعر بهم ونعيش همهم منذ اللحظة الأولى لبدء العدوان. هذا العيد لن يختلف عن العيد الماضي. لا ملابس جديدة ولا حلويات ولا كعك".
وكالعيد الماضي، سيقتصر عيد الأضحى على زياة مقابر الشهداء ومنازل ذوي الأسرى في منطقة سكنه، وتفقد ذوي الأرحام. ويقول: "نعظم شعائر الله ونقتدي برسولنا الكريم. نحب أن نفرح ونعيش كغيرنا أجواء الأعياد، لكن لا أذكر أنني عشت ظروفاً قاسية ودموية كهذه الأيام. نرى أهلنا يقتلون على الهواء مباشرة، ونسمع أنينهم ونتلمس جوعهم. ونشعر فوق كل هذا بعجز لا يوصف، لذلك لا يمكن لنا أن نفرح بعيد الأضحى".
أما واثق الأشقر من مدينة طولكرم، فقد لجا إلى شراء ملابس وأحذية عيد الأضحى لأطفاله من البسطات المنتشرة في السوق المركزي، نظراً لانخفاض أسعاره مقارنة بتلك المعروضة في المحلات التجارية. يعمل سكرتيرا في شركة محاسبة، ولا يتقاضى مبلغاً مالياً يكفي لتوفير كل ما يلزم عائلته. يقول: "راتبي نحو 600 دولار فقط. بحثت جاهداً عن عمل إضافي من دون جدوى. مع هذا، لم أستطع كسر خاطر طفلي نور وشقيقته سارة، وألا أشتري لهم ملابس العيد. إلا أن الأسعار مرتفعة جداً رغم أن التجار يشكون من قلة المشترين. فلماذا لا يخفضون أسعار بضاعتهم علهم يجدون من يدق بابهم؟".
يضيف: "البضاعة الموجودة على البسطات متوسطة الجودة، لكنها أرخص بكثير من تلك الموجودة داخل المحال. اشتريت لكل واحد قطعتين، واتفقت مع زوجتي على شراء ملابس مناسبة لكلينا".
ويشير الرجل الأربعيني إلى معاناة الغالبية العظمى من الأسر الفلسطينية بسبب قلة الرواتب وانخفاض قيمة العملة في مقابل ارتفاع الأسعار. ويسأل: "لدي طفلان صغيران. مع ذلك، فكرت مائة مرة قبل أن أشتري لهما ملابس، أو أن أشتري كعك العيد. فكيف الحال بأرباب الأسر الكبيرة. إذا كان هذا وضعي، فكيف بمن خسر عمله أو بات عمله جزئياً وراتبه غير منتظم؟".
أما جواد صالحي، وهو عامل في محل لصناعة الحلويات والكعك في نابلس، فيؤكد لـ "العربي الجديد" أن الأزمة المالية والعدوان على غزة ألقيا بظلالهما على الحركة التجارية في الأسواق. يتابع: "قبل سنوات، كانت كل بضاعتنا من بقلاوة وكعك تنفد قبل أسبوع أو حتى عشرة أيام من العيد. أما اليوم، فلم نبع سوى 10% من إنتاجنا".
ويشير صالحي إلى أن ظروف الناس النفسية جراء ما يجري في غزة جعلتهم يتوقفون عن شراء الحلويات بشكل عام، وكثيراً ما سمعت من الزبائن أنهم لا يقوون حتى على تناول الطعام المعتاد، فكيف بالحلويات؟ يتابع صالحي: "قد تستغرب إن قلت إن نسبة لا يستهان بها من بضاعتنا كانت ترسل لأبناء الأسرى خلال زيارات الأهل. وكانت سلطة سجون الاحتلال تسمح بإدخال الحلويات خلال فترة الأعياد. لكن الزيارات العائلية ممنوعة في الوقت الحالي. من جهة أخرى، كان الكثير من الناس يرسلون الحلويات النابلسية هدايا لأقاربهم في المدن الأخرى، وأيضاً للأردن وبكميات وفيرة. وهذا أيضاً توقف حالياً".
وتلقى سوق الأضاحي ضربة كبيرة، في ظل الإقبال الضعيف، لا سيما مع ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وتراجع القوة الشرائية نتيجة الأوضاع الاقتصادية والرواتب القليلة. ويقول رئيس نقابة أصحاب الملاحم وتجار المواشي في الضفة الغربية عمر النبالي: "بلغ سعر الأضحية (الخاروف) من وزن 55 كيلوغراماً 2400 شيكل (نحو 644 دولاراً)، مقارنة بـ 2280 (نحو 612 دولاراً) في العام الماضي، وسُبع العجل بـ 1350 شيكلاً (نحو 362 دولاراً)، الذي كان سعره في عيد الأضحى الماضي 1190 شيكلاً (نحو 319 دولاراً) فقط".
وتأتي الزيادة في أسعار الأضاحي بسبب استمرار فرض الضرائب على الاستيراد والأعلاف، وعدم اكتراث الحكومة بالطبقة المتوسطة، التي كانت في ما مضى الشريحة الأكثر استهلاكاً للأضاحي"، كما يؤكد أن العدوان على غزة ضرب تجارة المواشي في القطاع وقضى عليها تماما، حيث تعاني الأسواق هناك من شح كبير بالخراف التي ارتفع سعرها إلى الضعف، في حين لم تسمح سلطات الاحتلال بإدخال العجول بتاتاً لغزة.
ويوضح النبالي في حديثه لـ "العربي الجديد" أنه على تواصل مع مستوردي المواشي والتجار وحتى أصحاب الملاحم الذين أكدوا له أن الموسم الحالي يعد الأضعف على الإطلاق، حتى أن سوق بيع الحلال في نابلس مثلاً لم يفتح أبوابه أصلاً، وعزوا ذلك للظروف السياسية والمالية، إضافة إلى الحصار الإسرائيلي الخانق على الضفة. ويقول النبالي: "التجار على عكس كل مرة هم من تواصلوا مع زبائنهم المعتادين، بعد عزوفهم عن حجز أضاحيهم، وأرجعوا ذلك لعدم قدرته على شراء الأضحية لهذا العام، بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة وظروف الحرب".