يلفّ الغموض مصير النفايات الطبية التي تنتجها يومياً الأقسام الخاصة بفيروس كورونا الجديد، في المستشفيات الحكومية، والمصحات الخاصة، في تونس، وسط مخاوف حقيقية من تداعيات إلقاء الفضلات الطبية في الطبيعة، نتيجة القصور في أنظمة تدوير ومعالجة المخلفات الخطيرة، ما يهدد صحة الإنسان على المدى البعيد.
وتزيد مخاوف ناشطي البيئة من انتشار مخلفات المستشفيات، لا سيما أقسام كورونا، خارج المكبات المعدة للنفايات الطبية بعد كشف مواطنين بالإضافة إلى الشرطة البيئية، عن كميات من المخلفات الطبية ملقاة في الطرقات العامة، وأخرى جرى ردمها في الصحراء أو إلقاؤها في آبار مياه مهجورة. وتنتج مستشفيات تونس ومصحاتها يومياً، كميات كبيرة من النفايات الطبية الخطرة يقع تجميعها والتصرف فيها من قبل شركات خاصة تتولى رفع الحمولات ومعالجتها في عشرة مصانع تتوزع في مناطق مختلفة من البلاد.
قانونياً، يُخضع المشرّع التونسي التصرف ومعالجة النفايات الطبية لقانون جرى إصداره عام 1996، وعدة أوامر وقرارات وأدلة استغلال للنفايات الطبية، تنصّ على "ضرورة تولّي الوحدات الصحيّة القيام بعمليّة الانتقاء للنفايات الصحيّة الخطرة من المصدر" ويشترط أن تجري معالجة النفايات الطبية الخطيرة هذه في وحدات خاصة. ومنذ بدأ انتشار فيروس كورونا الجديد في تونس، في مارس/ آذار الماضي، أخضعت وزارة البيئة النفايات التي تنتجها أقسام الفيروس في المستشفيات العامة والمصحات الخاصة، إلى البروتوكولات نفسها التي يجري بمقتضاها التعامل مع النفايات الطبية الخطرة، في أيّ حين.
وعلى الرغم من توفر الأطر القانونية وبروتوكولات التعامل مع المخلفات التي تفرزها المستشفيات، فإنّ الطبيعة "فضحت" في أكثر من مناسبة التعديات الصارخة على البيئة، بعد بروز كميات من مخلفات فحوص "بي سي آر" ملقاة خارج المكبات الرسمية، أو جرى ردمها في الصحراء من دون أيّ معالجة، تراعي الواقع البيئي. وفي السادس من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كشفت فرق من الشرطة البيئية في منطقة فوشانة (ضواحي العاصمة تونس) عن كميات من المخلفات الطبية الخاصة بفحوص "بي سي آر" ملقاة بطريقة عشوائية على حافة الطريق.
في هذا الإطار، يقول الخبير في التصرف في النفايات، حمدي الشبعان، إنّ حادثة فوشانة ليست الأولى من نوعها، بل جرى الكشف عن تجاوزات عدة في حق البيئة، بعد ردم نفايات طبية خطرة، من دون أيّ معالجة، فيما تنتشر مخلفات أخرى في الطبيعة من دون تحديد مصدرها. يؤكد الشبعان لـ"العربي الجديد" أنّ تجاوزات خطرة تسجّل في ما يتعلّق بملف النفايات الصحية، مشيراً إلى أنّ أطناناً من مخلفات المستشفيات والمصحات الخاصة تتراكم في مستودعات من دون معالجة أو احترام لقواعد الصحة، وهو ما قد يتسبب بأمراض خطرة في محيط المستشفيات.
ويقول إنّ شركات التصرف في النفايات الصحية الخطرة لا تحترم قواعد العمل على مستوى التجميع والمعالجة والنقل، مؤكداً نقل حمولات من النفايات الخطرة لمسافات بعيدة من دون أيّ حماية. يضيف أنّ النفايات الصحية الخطرة، ومن بينها نفايات كورونا تنقل إلى مصانع المعالجة والتدوير على بعد مئات الكيلومترات، ملمّحاً إلى إمكانية انتشار الفيروسات أثناء عملية النقل.
يتابع الشبعان حديثه لـ"العربي الجديد" بالقول إنّ مصانع المعالجة المتواجدة في مدينتي الكريب بمحافظة سليانة، ولسودة في محافظة سيدي بوزيد، تبعد مئات الكيلومترات عن المستشفيات الكبرى، مؤكداً على الاختلالات الكبرى في منظومة التصرف في النفايات الطبية. يتحدّث عن سوء التصرّف في المنح والهبات التي تحصل عليها تونس من دول مانحة عدة بهدف تطوير منظومة معالجة النفايات الطبية الخطرة، مؤكداً حصول البلاد على 5.5 ملايين دولار من منظمة الصحة العالمية من بينها 2.5 مليون دولار في شكل هبة في إطار برنامج لتأهيل مختصين في الصحة داخل المستشفيات للتعامل مع النفايات وتركيز وحدات معالجة المخلفات الصحية في 12 محافظة و98 وحدة استشفائية.
ويقول إنّ هذا البرنامج لم يحقق أهدافه ولا يتم الكشف عن مآل الهبات والقروض المتحصل عليها، مشيراً إلى أنّ التصرف في النفايات الصحية ومنها نفايات كورونا يجري خارج كلّ أطر الرقابة. ويفيد بأنّ كميات من النفايات تردم في آبار مياه مهجورة في منطقة منزل شاكر في محافظة صفاقس، وتردم أخرى في صحراء تطاوين، كما تتراكم في مستشفى "الهادي شاكر" بصفاقس أطنان من النفايات الطبية في مستودعات تجري معالجتها مؤقتاً بمادة الجير وفق تأكيده.
وتفرز المستشفيات والمصحات التونسية سنوياً 18 ألف طن من النفايات الطبية، من بينها 8 آلاف طن من النفايات الخطرة التي تخضع للمراقبة. وترفع شركات خاصة تنشط في مجال التصرف بالنفايات الطبية ومعالجتها، تلك النفايات من 210 منشآت صحّية عامة، و110 مصحّات خاصة، و165 مركزاً لتحليل الدم، و500 مختبر. وتشير أرقام رسمية كشفت عنها وزارة البيئة أنّ معالجة هذه النفايات تتراوح نسبتها بين 85 و94 في المائة، وقد لا تتجاوز، أحياناً، مستوى 45 في المائة.
ويخضع التعامل مع ملف النفايات الطبية الخطيرة إلى مراقبة لجنة وطنية استشارية، كما حصلت تونس على برنامج دعم امتد من 2012 إلى 2017 لمساعدة 12 ولاية في التصرّف في النفايات الخطرة عبر مساعدة فنية واقتناء تجهيزات لتكييف النفايات الخطرة وتوفير التدريب اللازم للموارد البشرية في هذا المجال. وتعمل وزارة البيئة التونسية على توفير تمويلات بحجم 10 ملايين دولار لمواصلة هذا البرنامج، كما يتوفر برنامج لدى وزارة الصحة للعمل على معالجة النفايات الخطرة.
وفي هذا الإطار، يقول المستشار في وزارة البيئة، وليم المرداسي، إنّ نفايات كورونا تخضع لمعالجة نفسها التي تعتمدها الشركات الخاصة في التصرف في النفايات الخطرة، إذ يجري رفعها بعد 24 ساعة من استعمالها، وتتم معالجتها في مصانع التدوير لمدة 30 دقيقة، وفق تقنيات علمية، قبل أن يتم إيداعها المكبات المرخّص لها من قبل وزارة البيئة. يتابع المرداسي لـ"العربي الجديد" أنّ وزارة البيئة شاركت في إعداد خطّة مرنة للتعامل مع النفايات الصادرة من جرّاء أزمة كورونا، ترتكز على مبدأ معالجة النفايات للحدّ من احتمالات انتشار الفيروس. ويشدّد على أنّه في حال رصد مخالفات على مستوى مصبات النفايات، يجب إبلاغ السلطات المختصة فوراً، للمعاينة وتوجيه تقارير للجنة الوطنية الاستشارية لاتخاذ قرار في شأن هذه المؤسسات المخالفة.
في المقابل، يقول ناشطون في البيئة، إنّ الأراضي والمائدة المائية في تونس معرّضتان للخطر بسبب النفايات الطبية ومخلفات المستشفيات الخطرة، مؤكدين رصد تجاوزات كبيرة في غياب أجهزة المراقبة. ويقول الناشط البيئي حسام حمدي، إنّ نفايات كورونا التي تنقل من المستشفيات يُلقى جزء منها في الطبيعة من دون أيّ معالجة ما يؤثر في الأراضي المحيطة بالمكبات والمائدة المائية المهددة بالتسمم. يتابع حمدي لـ"العربي الجديد" أنّ ملف النفايات الخطرة في تونس يتصاعد بعد الكشف عن دخول نفايات إيطالية عبر المعابر الحدودية من دون الكشف عن طبيعتها، ومن غير المستبعد أن تكون هذه المخلفات آتية من مستشفيات إيطاليا. يضيف أنّ مستشفيات تونس تعاني من سوء التصرف في النفايات، وصعوبات فرزها، مشيراً إلى أنّ مستشفيات كبرى تراكم هذه المخلفات ويجري خلطها مع نفايات أخرى، وهو ما يشكل قنابل موقوتة تهدد حياة التونسيين لا سيما عمال النظافة. ويطالب حمدي بإعادة النظر في منظومة التصرف في النفايات البيولوجية والطبية برمتها، قبل أن تتحوّل بدورها إلى مصانع للفيروسات الخطرة.
وتعاني تونس منذ سنوات من تدهور وضعها البيئي إذ أكدت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها عام 2016، أنّ تونس العاصمة تعدّ في مقدمة المدن الأكثر تلوّثاً في العالم إلى جانب صفاقس وسوسة وبنزرت. ونشر أحد المواقع المتخصصة في نشر الدراسات والأبحاث، المؤشر السنوي لنسب التلوّث البيئي على مستوى العالم، لتحتل تونس المرتبة 27 عالمياً، والثالثة على المستوى الأفريقي بعد مصر والجزائر، ما يشكل مصدر قلق، خصوصاً أنّ تونس كانت خارج التصنيف الأفريقي سابقاً.