هروب من الحر إلى الغرق في أنهر العراق

27 يونيو 2022
تدفع السباحة المجانية العراقيين إلى الأنهر (حسين فالح/ فرانس برس)
+ الخط -

يُسجل العراق منذ بدء موجات الحرّ الصيفي قبل أسابيع العديد من حوادث الغرق في الأنهر والبحيرات، التي تزداد في ظل هرب المواطنين من الحرارة المرتفعة، وانقطاع التيار الكهربائي ساعات طويلة عن المنازل، وتوفر عدد قليل من المسابح. 
ويُعرف موسم الصيف في العراق بـ"موسم الغرق" الذي يتسبب في حوادث تصيب أفراداً في عائلات كثيرة خلال ممارستهم السباحة في أنهر أو بحيرات أو سواقٍ لريّ المزارع، في وقت لا تلبي المسابح الخاصة احتياجات مواجهة تجاوز الحرارة 50 درجة مئوية أحياناً، لأنها غير مجانية. ويعتبر الأطفال والشباب وحتى الشيوخ أن لا مفرَّ من موجات الحرّ وانقطاع التيّار الكهربائي إلّا عبر قضاء ساعات الظهيرة في مياه الأنهر.
وشهدت محافظات، منها نينوى والأنبار وصلاح الدين، حوادث غرق عدة، بعضها لمجموعات من الأشخاص، وهو ما حصل في قرية تابعة لمحافظة بابل أخيراً، حين غرق ثلاثة شبان لدى تدخلهم لمحاولة إنقاذ رفيق لهم من الغرق في نهر بعدما أصيب بتشنج عضلي. 

وشملت هذه الكوارث مدناً عراقية عدة، رغم التعليمات التي تصدرها وزارة الداخلية وقيادة الشرطة النهرية المتخصصة بمتابعة هذا الملف ومراقبته. يخبر عماد هادي (35 عاماً)، وهو من سكان بغداد، "العربي الجديد"، أنه اعتاد أن يخرج مع أصدقائه وأخوته وبعض جيرانه في كل صيف للسباحة في نهر دجلة، رغم أن ابن عمه كان قد غرق قبل عامين في نفس المكان الذي يمارسون فيه هوايتهم حالياً. ويقول: "ترتبط السباحة في الصيف بذاكرة شعبية، حيث اعتدنا أن نقضي ساعات في نهر دجلة، ونقصد أحياناً بحيرات في مناطق أخرى. وما يدفعنا إلى التوجه إلى هذه المواقع تحديداً بدلاً من المسابح المغلقة كونها مجانية، علماً أننا نعلم جيداً أنها غير آمنة وغير نظيفة، لكننا لا نملك أي خيار آخر لمواجهة حرارة الصيف، إذ نعاني من مكوثنا في المنازل في ظل انقطاع التيار الكهربائي. وفي الوقت ذاته، لا نغامر بالسباحة في زوايا خطيرة من النهر، بل نختار أماكن قريبة من الضفاف". ويلفت إلى أن "الحكومات العراقية لم تعالج أزمة الكهرباء، فكيف نستطيع تحمل بلوغ الحرارة 50 درجة مئوية، إلا من خلال ممارسة السباحة في الأنهر للهرب من الحرارة والاستمتاع أيضاً".
من جهته، يقول جلال الجبوري (41 عاماً)، وهو من سكان بابل، لـ"العربي الجديد": "جعلتنا السباحة في الأنهر نصاب بأمراض جلدية استطعنا أن نتغلب عليها، كما أدت إلى وفاة معارف وأقرباء لنا غرقاً في نهر الفرات، فيما نجا آخرون من حوادث غرق أخرى، لكن هذا الأمر يبقى متعة مجانية متوفرة دائماً، ومن الضروري اللجوء إليها وسط درجات الحرارة العالية". ويشير إلى أن "نهر الفرات يشهد إقبالاً كبيراً للأهالي بدءاً من أوقات الظهر والعصر وحتى ساعة المغرب، ولا تمنع حوادث الغرق فيه أشخاصاً كثيرين عن مواصلة السباحة، لكن الشرطة النهرية قد تتدخل أحياناً لمنعهم من الوصول إلى نقاط خطرة".

استمتاع بطريقة خطرة في نهر ببغداد (مرتضى السوداني/ الأناضول)
استمتاع بطريقة خطرة في بغداد (مرتضى السوداني/ الأناضول)

وفي وقت سابق، أكدت وزارة الداخلية، في بيان أصدرته، أنها تولي اهتماماً بالغاً لموضوع حوادث الغرق بعد تسجيل عشرات منها هذه السنة. وأوضحت أنها كلّفت الشرطة النهرية بمنع الأشخاص من السباحة في بعض مواقع نهر الفرات، فيما تتولى الشرطة المجتمعية توعية المواطنين الذين يرغبون في السباحة، من خلال وضع إشارات تحدد الأماكن الخطرة للسباحة التي تسمى "الكياش" شعبياً.
ويلفت محمد رعد، وهو أحد عناصر الجهاز الشرطة النهرية، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن "نهر دجلة لا يصلح لممارسة السباحة لأن مياهه غير نظيفة وتحتوي على أوساخ وفضلات تلقيها معامل، كما توجد نباتات ضارّة في مياهه، منها الشمبلان التي تلتف حول أجسام شبان أحياناً، وتغرقهم". يتابع: "تواصل الشرطة النهرية التوعية بمخاطر السباحة في الأنهر، والمطالبة بقصد المسابح المغلقة، لكن ذلك لا يمنع الإقبال المتزايد عليها. وهي منعت السباحة في أماكن عميقة وخطرة، وتستمر في المطالبة بعدم اصطحاب أطفال، والتزود بمعدات للعوم من أجل منع حالات الغرق. وهناك من يلتزم بذلك، لكن ليس الغالبية المطلوبة التي نريدها لتعزيز السلامة وتقليل الحوادث".

بدوره، يرى الناشط البيئي محمد الأسدي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "الاحتباس الحراري تسبب في موجات حرارة أعلى من تلك التي اعتاد العراق أن يشهدها في السنوات الماضية، حتى إن بعض مناطقه تعتبر حالياً الأكثر حرارة على مستوى العالم، وقد يبدأ الصيف فيها في إبريل/ نيسان سنوياً. ولأن ساعات تزويد المنازل بالتيار الكهربائي قليلة مقارنة بالحاجة الماسة إليها، ويتعمد العراقيون السباحة في الأنهر رغم علمهم بمخاطرها". يضيف: "تكثر حوادث الغرق في العراق، ويشكل حبّ الشباب للمغامرة عاملاً مهماً في حصولها، إلى جانب عدم وجود عناصر الشرطة النهرية في كل المواقع، بل فقط في المناطق الحيوية التي تشهد الإقبال الأكبر".

المساهمون