استمع إلى الملخص
- السيدة "حُسن"، 76 عاماً، تعمل في بيع ورود "المشاقر" لمدة 45 عاماً في تعز، تشتري الورود من جبل صبر وتبيعها في السوق المركزي، موفرةً الدعم لأسرتها ومعكسةً الدور الاقتصادي والاجتماعي لتجارة الورود.
- الأغاني والأشعار الشعبية اليمنية تحتفي بـ"المشاقر" كرمز للجمال والفرح، وتبرز الأهمية الثقافية والاجتماعية لهذه الورود في الحياة اليومية والاحتفالات، مع تزيين الرجال والنساء بها في المناسبات.
تنقل ورود "المشاقر" حكايات الفرح والسعادة والجمال في الثقافة الشعبية اليمنية، وأيضاً الإطلالات المبهرة للنساء والرجال معاً، وتشكل عناوين لدواوين شعر شعبية وأغانٍ.
مع إشراقة كل صباح، تذهب السيدة اليمنية "حُسن" البالغة 76 سنة إلى مكانها المخصص في السوق المركزي بوسط مدينة تعز، حيث تبيع منذ نحو ثلاثة عقود متواصلة ورود "المشاقر". تقول لـ"العربي الجديد": "أعمل في بيع المشاقر منذ 45 عاماً، من بينها 30 عاماً في السوق المركزي، وقبلها 15 عاماً في سوق الشنيني، وأربح من هذه المهنة بين 2000 (8 دولارات) و3000 ريال يمني (12 دولاراً) يومياً، وأكفل أسرة تضم 12 فرداً".
تضيف: "أشتري المشاقر من جبل صبر حيث تنمو من الثمان للثمان، أي كل أسبوع، وأبيع أنواعاً متعددة منها مثل الشذاب والوزاب والريحان وإكليل الجبل الذي يستخدم في العلاج، والكرادس والنعضة اللذين يستخدمان في إعداد وجبة السحاوق".
و"المشاقر" نباتات عطرية متنوعة في الشكل والرائحة، وتستخدم في الزينة للرجال والنساء، كما ترتبط بالموروث الثقافي لليمنيين، وتحضر في جميع مناسباتهم الاجتماعية، ويستخدمها البعض "حرزاً" يحميهم من الأرواح الشريرة بحسب المعتقدات السائدة، كما تستخدم أنواع منها علاجاً لبعض الأمراض، فيما تدخل أنواع أخرى في إعداد بعض الوجبات كالسحاوق والشفوت.
و"المشقر"، وهو مفرد "المشاقر"، تعبير عن حالة فرح، فهو يرمز إلى الحب والجمال، لذا فهو وسيلة العشاق للتعبير عن مشاعرهم، كما يعبر عن الامتنان والتقدير حين يهدي شخص المشقر إلى آخر.
وكان اليمنيون القدامى يصنعون المواد العطرية من نباتات "المشاقر"، ويستخدمون بذورها وأزهارها وأوراقها الجافة في صناعة البخور والطيب ودهانات الجسم. وهم يزرعون المشاقر بوصفها جزءاً أصيلاً من تراثهم الممتد إلى حاضرهم، والفاعل في ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم ومناسباتهم وطقوسهم الدينية والاجتماعية، بما في ذلك المناسبات المتعلقة بثلاثية الأحداث المصيرية والوجودية: الميلاد، والزواج، والموت.
وفي واحدة من أشهر أغاني الزفة في اليمن، يغني الفنان أيوب طارش عبسي، من كلمات الشاعر عبد الله عبد الوهاب نعمان الفضول، أغنية بديعة يطلب فيها من النساء أن يقطفن له المشاقر ويرصفنها في زَهريّات، وذلك لما لـ"المشاقر" من قيمة وجدانية ترتبط بالفرح والمناسبات السعيدة. وهي تشبع حاسة النظر والشم واللمس أيضاً، وتعتبر أجمل ما يمكن أن يهديه المرء إلى حبيبه.
تقول كلمات الأغنية:
وا صبايا وا ملاح هيا اقطفين لي مشاقر
وارصفين لي الورود الحمر وسط المزاهر
واطرحين الكواذي البيض بين المباخر
لحبيبي هو حبيب القلب أول وآخر
وتتزين النساء بباقات متنوعة من "المشاقر"، توضع بعضها على الخدود ملفوفة بالمقرمة المعصوبة على رؤوسهن. ويكثر استخدام "المشاقر" مع الأزياء التقليدية خاصة "الصبري". وليس التزين بـ"المشاقر" حكراً على النساء، إذ يتزين العديد من الرجال الكبار في السن بها، ويضعونها بشكل عمودي داخل "المشدة" أو "الدسمال"، وهو الغطاء الموضوع على الرأس، ويحرصون على اختيار "مشاقر" زكية الرائحة ذات لون أخضر. في التراث الغنائي اليمني يحضر "مشقر" الرجل في أغنية "يا نجم يا سامر" للفنان محمد مرشد ناجي، والتي كتبها الشاعر سعيد الشيباني.
ويقول:
الأخضري من العدين بكَّر
مشدته بيضاء ومشقره أخضر
أيضاً يرتبط مظهر شبان بزينة "المشاقر"، وأحدهم الإعلامي نائف الوافي الذي يحرص دائماً على التزين بحزمة متنوعة من منها في إطلالاته وحياته اليومية. يقول نائف الوافي لـ"العربي الجديد": "انتقلت ثقافة المشاقر لي من أسرتي خصوصاً أمي. منذ أن بدأت بالتعرف على الأشياء في هذه الحياة شاهدت المشاقر في خد أمي، وتعرفت على أنواع المشاقر والورود التي تزرعها وترعاها أمي كل صباح ومساء. بحثت عن شيء محلي من ثقافتنا يميزني، فكان المشقر سيد التميز وسيد الثقافة التعزية بالذات".
يضيف: "حرصي على التزين بالمشقر هو حرص مني على الثقافة التي يعرف بها التعزي، وأشعر أنني أحمل إرث من فارقوا الحياة، لكن ثقافتهم لم تمت، وأنا متيّم بأنواع المشاقر، منها الحمحم والوزاب والريحان والشذاب والداجي وورد النرجس والقطائف والقرنفل والكاذي. أما الأنواع المفضلة لدي فهي الحمحم الأخضر والأسود والوزاب والريحان وورد القرنفل والقطائف". ويخبر أنه حين يتزين بـ"المشاقر" يلقى تشجيعاً من الناس من خلال النظرات والابتسامات. ويوضح أن أشخاصاً قليلين يرون أن "المشقر" خاص بالنساء، وفي حين يعتبر البعض أن زينة "المشاقر" غريبة باعتبارها أشبه بشجرة على رأس إنسان، ويحصل ذلك خصوصاً عند الخروج من تعز".
ويحرص الرجال في اليمن على التزين بـ"المشاقر" من خلال وضعها في الجيوب لمنح رائحة زكية. وجرت العادة في بعض المناطق أن تقطف النساء المشاقر الجمعة وتمنحها للأطفال الصغار لتوزيعها على المصلين في المسجد بهدف نيل البركات. ويشم الرجل "المشقر"، ويصلي على النبي تعبيراً عن إعجابه بالرائحة الزكية والعطرة لـ"المشقر".
ويقول الصحافي محمد أمين الشرعبي لـ"العربي الجديد": "بالنسبة إلى رمزية المشاقر لليمنيين، فهي تدخل في كثير من الطقوس الاجتماعية من أفراح وأتراح، ولها أيضاً ارتباطات اجتماعية أخرى. في البيت يعد المشقار الذي توضع فيه المشاقر من أهم مكونات الديكور الريفي. وتتضمن المشاقر 9 أنواع من النباتات العطرية، ووضعها في سطح المنزل جزء من ديكور البيت". يضيف: "يستخدم المشقر أيضاً في علاج بعض الأمراض، وأيضاً في الطهي، علماً أن نباتات كثيرة تدخل في مكونات أكلات يمنية مختلفة. كما تعتبر المشاقر من ضمن الهندام القديم للرجل والمرأة، فالمرأة تضعه في مقرمة الرأس، وكلما احتوى المشقر على أكثر من نوع من الورود كان مميزاً، والرجل يضعه في المشدة الموضوعة على رأسه.
وأطلق الشرعبي اسم "مشاقر ميديا" على موقعه الإلكتروني. ويقول عن دلالة الاسم: "يتعلّق المشقر بالتراث والموروث الثقافي، وأيضاً بالتنوع لأنه يتضمن نباتات وروائح عدة، وموقع مشاقر ميديا يتضمن مواضيع متنوعة تشمل الفنون والتراث والموروث الثقافي والفولكلور".