تتأهّب الحكومة اللبنانية لإعداد خطط شاملة على مستوى الوزارات في حال توسّعت رقعة الاشتباكات ما بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي واندلاع حرب واسعة في البلاد على غرار عدوان تموز 2006 الإسرائيلي، علماً أنّ الوضع في لبنان اليوم يختلف عمّا كان عليه حينها، نتيجة الانهيار النقدي والأزمة الاقتصادية التي انطلقت شرارتها في أواخر عام 2019 والتي شلّت الحركة في القطاعات بمعظمها فتراجعت خدماتها.
وفي هذا الإطار، كان حديث لوزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض إلى "العربي الجديد"، عن التدابير التي بدأت وزارته تتّخذها وخطّتها لرفع جهوزية القطاع الصحي في حال حدوث أيّ طارئ.
يقول الأبيض إنّ "جهود وزارة الصحة تتركّز اليوم على مرحلة التجهيز ورفع الجهوزية، إذ إنّ المهمّ ليس عند وقوع الحدث الأمني بل كيفية التحضير لمواجهته في حال اندلاعه"، مؤكداً أنّ "موقف لبنان معروف، فهو يرفض الحرب. لكن في حال اندلعت، سوف تكون مفروضة عليه لا من اختياره، وعندها يجب أن نكون حاضرين للتعامل معها".
ويؤكد الأبيض أنّ "وضع القطاع الصحي يختلف كثيراً عمّا كان عليه في يوليو/ تموز من عام 2006 إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان"، شارحاً أنّ "المستشفيات لم تكن تعاني من هجرة كوادر طبية أو تمريضية كما هو واقعها اليوم، ولم تكن تعاني من أزمة أدوية ومستلزمات طبية، ولم يكن البلد يعيش انهياراً نقدياً انعكس بصورة كبيرة على القطاع الصحي، ولم تكن لدينا أزمة نازحين يتراوح عددهم ما بين مليون ونصف ومليونَي نازح سوري".
ويبيّن الأبيض أنّه "يمكن التوقّف عند هذه العوامل كلّها والاستناد إليها للقول إنّ وضع القطاع الصحي في عام 2023 اختلف كثيراً عن عام 2006، ومستوى الجهوزية أو القدرة على التحمّل باتا أقلّ بكثير مقارنة بذلك العام".
من جهة أخرى، يتوقّف أبيض في حديثه إلى "العربي الجديد" عند مقاربة وزارة الصحة العامة الراهنة، إذ ثمّة موارد متوفّرة في البلد على الرغم من أنّها ليست كبيرة، ولا بدّ من الاستفادة منها وإقامة تنسيق منظّم لحسن استخدامها، لا سيّما في ظلّ وجود عدد كبير من الأفرقاء فاق ما كان عليه في عام 2006، أي الذين يتمثّلون بالمنظمات غير الحكومية والدولية.
وبالتالي، فعّلت وزارة الصحة بحسب الأبيض غرفة عمليات الطوارئ المتوفّرة لديها، التي ضمّت كلّ الأطراف، من أجل إقامة إطار جامع يهدف إلى التنسيق الكامل على مستوى كلّ التفاصيل بغية حسن استخدام الموارد كافة والحؤول دون الوقوع في فخّ "التكرار".
على صعيد الإجراءات، يقول وزير الصحة العامة في لبنان إنّ العمل يأتي على مسارَين، شارحاً أنّ "الأوّل مبنيّ على احتمالية حصول عدوان إسرائيلي على لبنان، وبالتالي إمكانية سقوط شهداء أو جرحى. وفي هذه الحالة، توقّفنا عند كيفية رفع درجة الجهوزية في المستشفيات. ومن أجل ذلك، ثمّة فرق تابعة للوزارة موجودة في الجنوب، وهي تجول على المستشفيات في المنطقة، وقد طلبنا منها قبل أسبوع تعبئة استمارات تطلعنا من خلالها على مدى جهوزيتها وعلى المشكلات التي تعاني منها، وملء كلّ المعلومات المطلوبة، بهدف الاطلاع إليها ومعرفة النواقص لدرس كيفية معالجتها".
يضيف الأبيض أنّ "ثمّة تنسيقاً كاملاً بين مكوّنات القطاع الصحي وأطرافه على تنوّعهم"، أي "الجهات المعنية بنقل المرضى (والمصابين) وبنوك الدم والجهات الدولية التي توفّر المساعدات للجرحى وجرحى الحرب، من قبيل منظمة الصحة العالمية وغيرها. والتنسيق الأهمّ يكون على مستوى المستشفيات في ما بينها، لمعرفة عدد الجرحى وتدوينه بطريقة واضحة على جدول خاص في متناول الجميع".
أمّا المسار الثاني الذي تعمل عليه وزارة الصحة العامة مع شركائها، فهو بحسب الأبيض "احتمالية النزوح. ففي خلال عدوان تموز 2006، سُجّلت حركة نزوح كثيفة من المناطق التي طاولها العدوان. وفي حال حصل اليوم عدوان واسع، من المتوقّع أن نشهد حركة نزوح تشمل ما بين مليون أو مليون ونصف شخص، وهذا العدد يحتاج إلى خطة استباقية للتعاطي معه، إذ من الضروري أن نكون حاضرين لاستيعابه، لجهة توفير الأدوية ومتابعة الملفات الطبية"، موضحاً أنّ "ثمّة حالات مثلاً تحتاج إلى عمليات غسل كلى، وبالتالي لا بدّ من إيجاد مستشفيات لها في حال النزوح". ويتابع أنّ "علينا كذلك التأكد من مدى جهوزية مراكز الرعاية الأولية في المناطق التي قد تشهد نزوحاً لاستقبال المرضى وحاجاتها، سواءً على صعيد الطاقة أو الأدوية أو أدوية الأمراض المزمنة، علماً أنّنا نزيد كمية تخزين أدوية الأمراض المزمنة من باب التحسّب".
وفي ما يتعلق بالأدوية، يفيد الأبيض بأنّها "مقسّمة إلى أربع فئات"، ويفصّل أنّها "الأدوية المتاحة من دون وصفة طبية (يُطلق عليك اسم OTC) مثل بنادول وغيره، وأدوية الصيدليات للأمراض المزمنة، وأدوية المستشفيات، وأدوية الأمراض السرطانية المدعومة. بالنسبة إلى الفئات الثلاث الأولى، فهي مؤمنة في السوق لمدّة تتراوح ما بين شهرَين وثلاثة أشهر، بحسب المسح الذي قمنا به. كذلك راجعنا مصانع الأدوية والسيروم (المحاليل) في لبنان، وثمّة ما يكفي لتلبية الحاجات لمدّة أربعة أشهر تقريباً".
ويلفت الأبيض إلى "خريطة وُضعت للمناطق اللبنانية وقد قسمتها إلى ثلاث؛ مناطق باللون الأحمر وهي الأكثر عرضة للعدوان، وأخرى باللون الأصفر تأتي في المنتصف، ومجموعة ثالثة باللون الأخضر وهي الأقلّ عرضة. وهذه المحاكاة تستند إلى الخبرات السابقة وعدوان تموز 2006، علماً أنّ المشهد قد يختلف، خصوصاً أنّنا أمام عدوّ يرتكب جرائم غير مسبوقة وغير متوقّعة ولم نشهد لها مثيلاً في حياتنا".
ويرى وزير الصحة العامة أنّ "لبنان لا يحتاج إلى مستشفيات ميدانية، إذ ثمّة 180 مستشفى على أراضيه التي تُعرَف بمساحتها الصغيرة، وبالتالي فإنّ الوصول إلى المستشفيات سهل وسريع. لكنّ المسألة الأساسية تكمن في مدى جهوزية تلك المستشفيات. وهنا تعمل الوزارة كذلك على تنظيم المستشفيات، ما بين تلك التي تقدّم الإسعافات الأولية وتلك المجهّزة بغرف عمليات متطوّرة ومعدّات وتملك وحدات دم ويعمل فيها أطباء جرّاحون إلى جانب الأساسيات الأخرى المطلوبة لإنقاذ حياة المرضى (والجرحى)".
ويشدّد الأبيض على أنّ "القطاع الصحي، على الرغم من الأزمات التي فُرضت عليه، أظهر أنّه قادرٌ على الصمود وتقديم الخدمات في الظروف الصعبة"، مشيراً إلى أنّ "الوكالات الأممية سوف تقف إلى جانب الشعب اللبناني وتقدّم المساعدات اللازمة له، فالملفّ الصحي يفوق على كلّ المواقف السياسية".