وزير صحة لبنان: إسرائيل ارتكبت جريمة حرب بتفجيرات الأجهزة أخيراً

20 سبتمبر 2024
عملية جراحية لمصاب في تفجيرات لبنان، في مستشفى بالعاصمة بيروت، 20 سبتمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

أفاد وزير الصحة العامة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض بأنّ ما ارتكبته إسرائيل من خلال تفجيرات أجهزة التواصل اللاسلكية الأخيرة إنّما هو "جريمة حرب"، بما أنّ الأشخاص الذين كانوا يحملونها في معظمهم مدنيون. أتى ذلك في مؤتمر صحافي مشترك عقده الأبيض مع نقيب أطباء لبنان في بيروت يوسف بخّاش في "بيت الطبيب"، مقرّ النقابة، بعد ظهر اليوم الجمعة، من أجل إطلاق خطة علاج المصابين بتفجيرات الأجهزة اللاسلكية في المرحلة الثانية.

وكانت المرحلة الأولى من الخطة قد خُصّصت لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الجرحى الذين سقطوا في تفجيرات 17 و18 سبتمبر/ أيلول 2024، بمناطق لبنانية مختلفة. وبالفعل، تلقّى نحو ثلاثة آلاف جريح العلاج الأوّلي في المستشفيات والمراكز الطبية، فخضعوا لعمليات جراحية أولية. وأوضح نقيب أطباء لبنان في بيروت أنّ المرحلة الثانية سوف تكون "طويلة وتتطلّب أطباء متخصّصين لمتابعة علاج الجرحى"، ولا سيّما في مجال طبّ العيون وجراحات الترميم.

ولفت بخّاش، في المؤتمر الصحافي نفسه، إلى أنّ ثمّة أطباء ما زالوا حتى الساعة يجرون عمليات جراحية لأشخاص أُصيبوا في تفجيرات أجهزة التواصل اللاسلكية. وشدّد على أنّ "عيوننا سهرانة" على كلّ جريح، من أجل ضمان حصول كلّ واحد من المصابين على العلاج اللازم لحالته.

في الإطار نفسه، طمأن وزير الصحة العامة الشعب اللبناني بأنّ "القطاع الصحي في لبنان بخير"، مستنداً في ذلك إلى الاستجابة التي سُجّلت في 17 و18 سبتمبر الجاري. وأشار الأبيض إلى أنّ في بداية أزمة كورونا الوبائية، في عام 2020، عندما راح مستشفى رفيق الحريري الجامعي في بيروت يستقبل المصابين بكوفيد-19 وسط كلّ الضغوط التي فرضتها الأزمة الصحية حينها وكذلك الأزمة الاقتصادية، عُلّقت لافتة على واجهة المستشفى كُتب عليها "الأبطال يعملون هنا". أضاف أنّ بعد ما شهدناه من تفانٍ، في سياق متابعة المصابين بتفجيرات أجهزة التواصل اللاسلكية أخيراً، "أتمنّى أن تُرفع لافتات مماثلة على واجهات كلّ منشأة طبية استقبلت جرحى وتابعتهم وما زالت".

وقال الأبيض إنّ في هذه الظروف، "أشعر باعتزاز لكوني طبيباً، وأشعر باعتزاز لانتمائي إلى هذه النقابة (نقابة أطباء لبنان)"، لافتاً إلى أنّ ثمّة "أطباء زملاء فيها أمضوا 24 ساعة متواصلة وآخرين 48 ساعة متواصلة وهم يقدّمون العلاج للجرحى". وأشار إلى أنّ الأمر لا يتعلّق بالأطباء فحسب، إنّما بجميع العاملين الصحيين، من ممرّضين وممرّضات وغيرهم، بالإضافة إلى المستشفيات بحدّ ذاتها.

القطاع الصحي في لبنان ما زال بخير

وفي المؤتمر الصحافي المشترك مع نقيب أطباء لبنان في بيروت، اليوم الجمعة، ركّز وزير الصحة العامة على ثلاث نقاط. تتعلّق النقطة الأولى بخطة وزارة الصحة العامة لاستقبال الجرحى، بعددهم الهائل. وقال إنّ "استخدام السلاح التكنولوجي أدّى إلى سقوط هذا العدد الكبير في وقت واحد، وقد تمكّنّا من استقبال نحو ثلاثة آلاف"، مضيفاً أنّ "الجميع مشارك في الخطة وفي التدريب، وقد أظهر ذلك فعاليته". يُذكر أنّ وزارة الصحة العامة كانت قد وضعت خطة للاستجابة لتوسّع الحرب على لبنان، وسط التهديدات الإسرائيلية الأخيرة.

النقطة الثانية عند الأبيض هي "العناية بأهلنا الجرحى". وشرح أنّ أنواع الإصابات التي نجمت عن تفجيرات أجهزة التواصل اللاسلكية تتطلّب عمليات جراحية دقيقة وجهوداً خاصة للتأهيل، مع تدخّل أفرقاء مختلفين، سواء للعلاج الفيزيائي أو الدعم النفسي أو غير ذلك. وشدّد على أنّ المصابين يحتاجون إلى عناية متخصّصة، وعلى أنّ الإمكانات متوفّرة في لبنان، ووزارة الصحة العامة تتحمّل تكلفة ذلك. أمّا في النقطة الثالثة، فلفت الأبيض إلى أنّ وزارة الصحة العامة "تتلقّى اتصالات من دول صديقة وشقيقة، تعرض تقديم خدماتها"، مضيفاً "نحن نقدّر كلّ عون وكلّ دعم من الخارج، لكنّنا في لبنان في حاجة إلى العمل بطريقة منظّمة وتحت مظلّة الوزارة ونقابة الأطباء من أجل تقديم الخدمات بجودة عالية". وأكد أنّه "في القطاع الصحي، كلّنا شركاء وكلّنا نعمل يداً بيد".

تجدر الإشارة إلى أنّ نقيب أطباء لبنان في بيروت كان قد وجّه، في اليوم الأوّل من التفجيرات التي طاولت حاملي أجهزة المناداة أو "البيجر"، نداءً عاجلاً إلى جميع الأطباء في البلاد، ولا سيّما المتخصّصين في الجراحة العامة وجراحة العظام والشرايين وجراحة الترميم، للتوجّه فوراً إلى مراكز عملهم أو إلى أقرب مستشفى أو مركز طبي و"استقبال الجرحى والعمل على التخفيف من آلامهم". وهذا ما حدث بالفعل، الأمر الذي أدّى إلى إحاطة بالجرحى الذين أتت إصابات معظمهم، إمّا بالعيون وإمّا بالأيدي، وهو ما أثبت أنّ القطاع الصحي في لبنان ما زال بخير، على الرغم من كلّ التحديات التي تواجهها البلاد وسط الأزمات المتتالية والحادة.

98% من الجرحى تلقّوا علاجهم في لبنان

وفي ردّ على سؤال حول الجرحى الذين نُقلوا إلى تلقّي العلاج في الخارج، أجاب وزير الصحة العامة أنّ جرحى في البقاع، شرقي لبنان، نُقلوا إلى سورية، واصفاً الأمر بأنّ "الوصول إلى دمشق من البقاع أسهل بالنسبة إلى هؤلاء، وسط الفوضى التي سيطرت عقب التفجيرات"، مبيّناً أنّه تواصل مع نظيره السوري لتنسيق الأمور. وأشار الأبيض إلى أنّ "بعد الزلزال الذي ضرب شمال سورية في السادس من فبراير/ شباط 2023، توجّهنا إلى المنطقة المنكوبة وقدّمنا مساعدتنا لمن يحتاج إليها، واليوم هم يقدّمون مساعدتهم لنا". أضاف أنّ "ثمّة جرحى نُقلوا إلى إيران، ونحن كذلك على تواصل مع الوزارة هناك"، ولفت إلى عروض قدّمتها تركيا ومصر والأردن والعراق.

لكنّ وزير الصحة العامة شدّد على أنّ 98% من الجرحى الذين أُصيبوا في تفجيرات أجهزة التواصل اللاسلكية تلقّوا علاجهم في لبنان، "من قبل كوادرنا" التي تُعَدّ من الأفضل.

في سياق متصل، طُرح سؤال حول أطباء من خارج لبنان يرغبون في تقديم خدماتهم، فأجاب الأبيض: "أهلاً وسهلاً بهم". أضاف أنّه عند التواصل معهم، تحيلهم وزارة الصحة العامة إلى نقابة الأطباء لتنسيق الجهود. وكرّر: "أهلاً وسهلاً بالذين يرغبون في مساعدتنا. في هذه اللحظة، لن نقول: لا نحتاج إلى مساعدة".

وأكّد الأبيض أنّه "كلّما مررنا بمحنة، اكتشفنا أنّ القطاع الصحي في لبنان قادر على الاستحمال. وقد فاق القطاع كلّ التوقّعات". وتابع: "عند انفجار مرفأ بيروت، في الرابع من أغسطس/ آب 2020، عولج ستة آلاف جريح، وحتى الآن لم يتقاضَ أيّ مستشفى أو أيّ طبيب مستحقّاتهما". ولفت إلى أنّ "نقيب الأطباء لم يكن يرغب في إثارة هذا الأمر، لكنّني أكشف عنه". ورأى أنّه "لا بدّ لوزارة الصحة العامة، والدولة اللبنانية من خلفها، من القيام بواجباتهما لتغطية ولو جزء من التكاليف".

وبيّن وزير الصحة العامة أنّ "ثمّة مستشفيات عطّلت جداول أعمالها المعتادة وثمّة أطباء أغلقوا عياداتهم من أجل التركيز على جرحى التفجيرات الأخيرة"، وأقرّ "نحن لا نعلم إلى أين يقودنا ذلك". ولم يشأ الأبيض التوقّف عند الأعداد النهائية للجرحى والقتلى في تفجيرات أجهزة التواصل اللاسلكية الأخيرة، إذ إنّه سوف يعقد غداً السبت مؤتمراً صحافياً في مقرّ وزارة الصحة العامة في العاصمة بيروت، يستعرض في خلاله تحديثات الأرقام وشرحاً للوضع الصحي نتيجة الخرق الأمني الإسرائيلي الأخير.

المساهمون