من شارع الحبيب بورقيبة، تحديداً قوس باب بحر، وهو مدخل المدينة العتيقة في تونس العاصمة. من هناك تنتقل من الشكل المعماري الحديث إلى شكل أحدث. حشود الوافدين إلى أسواق المدينة تبحث عن خصوصيات المنطقة وتراثها. وبين سائحين وتونسيين تشهد المنطقة حركة كبيرة على العكس من بقية الشوارع في العاصمة.
ليست وحدها التجارة ما يحرك المدينة، فالمقاهي هناك لها رونقها الخاص الذي لا تجده في بقية المقاهي الحديثة، إذ تعيش في تلك المقاهي أجواء تعيدك إلى القرون السابقة. رائحة القهوة العربية والشاي والنعناع، وغيرها من المشروبات التي تقدّم غالباً في كؤوس من الفخار أو الزجاج التقليدي الصنع. حتى جلوسك يكون على المرقوم (سجادة أو بساط) المصنوع باليد، أو على جلود الحيوانات. كلّ شيء هناك قديم من "الأنتيكا" التي جرى الحفاظ عليها للإبقاء على خصوصية المكان.
مقاهٍ عدة في المنطقة لم تغلق أبوابها منذ عقود طويلة، واستمرت في استقبال زائريها جيلاً بعد جيل. وعلى الرغم من تجاوز بعضها مائة عام فقد بقيت صامدة مضيافة تستقبل المئات يومياً، ومن بينها "الشواشين" و"المرابط" أشهر المقاهي بالمدينة العتيقة في تونس.
لكنّ بعض المقاهي القديمة الأخرى أغلقت سنوات عدّة على الرغم من حبّ الناس لها، من قبيل "قهوة السوق" الذي عرف بمقهى "الخطاب على الباب" والذي كانت جدرانه متداعية وكلّ شيء فيه قديم ولم يرمم طوال سنوات، ثم أعيد افتتاحها.
المقهى الأخير بالذات فضّل عدد من الشباب إعادته إلى الحياة، لا سيما بعد تصوير مسلسلات تونسية تلفزيونية فيه، ورغبة كثيرين في تجربة ارتياد مقهى كان من أشهر وأجمل مقاهي العاصمة. اختار الشباب تزيين المقهى بديكور من "الأنتيكا" وأثاث تونسي قديم جداً، إلى جانب تنظيم بعض الأنشطة الشبابية والثقافية فيه، واحتضان المقهى العديد من الموسيقيين من خريجي معاهد الموسيقى، للعزف فيه، خصوصاً الأغاني والألحان التونسية التراثية.
ويستقبل المقهى اليوم عشرات من التونسيين والسائحين. وهو مقهى، كما يقول البعض، يشعرك بأنّك في زمن سابق، بكلّ شيء فيه من الديكور والموسيقى والرائحة، ولولا الأزياء الحديثة للمرتادين لشعرت بأنّك بالفعل في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر.
منير ضيف الله (طالب، 25 عاماً) أحد مرتادي المقهى، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ المقاهي القديمة، خصوصاً مقهى السوق هذا، تشهد توافد العشرات يومياً، وأحياناً يصعب على البعض إيجاد مقعد صغير فيه لا سيما في عطلة نهاية الأسبوع أو خلال شهر رمضان والإجازات. فالعديد من التونسيين يفضلون المقاهي القديمة من دون معرفة سبب ذلك".
يتابع: "ربّما هو حنين للماضي أو هروب من الروتين الذي تفرضه المقاهي الحديثة. خصوصاً أنّ المقاهي القديمة توفر أجواء لا تجدها في غيرها من الأماكن. كما أنّ الشباب فيها يختلفون عمن يرتادون مقاهي أخرى تغيب فيها النقاشات أو اللقاءات التي تلاحظينها هنا".
اقــرأ أيضاً
مقهى "العالية" في سيدي بوسعيد بالعاصمة يتميز ببنائه الأندلسي وكان يقتصر على أعيان البلاد. لكنّه يجمع اليوم العديد من الزائرين من جميع الفئات، ويتميز بمفروشاته المصنوعة من السمار (خيوط نباتية) وبألوانها الخضراء والزرقاء تشبهاً بألوان الأضرحة التي تميّز المنطقة. وعلى وقع موسيقى "المالوف" وأنغام الطبول يجتمع هناك في المقاهي القديمة من لديهم شغف بالأغاني والمقامات التونسية، خصوصاً في ساعات ما بعد الظهر امتداداً إلى الليل.
يقول عبد الكريم (طالب، 23 عاماً) إنّ "المدينة العتيقة بمقاهيها فرضت نفسها بكلّ مميزاتها وطابعها القديم. لذلك تجد أغلب الشباب يبحث فيها عن شيء خارج الروتين اليومي، خصوصاً أنّها تحتضن لقاءات بعض الرسامين ممن يحملون لوحاتهم لرسم تفاصيل المدينة والجلوس في تلك المقاهي أو العازفين المغرمين بعزف الأغاني التونسية. لذلك، بقيت المدينة العتيقة تقليدية بكلّ ما فيها، تعود بهم إلى ذكريات الزمن الجميل، الذي لم يعيشوه".
وبالرغم من أنّ المقاهي الحديثة تبدو مريحة أكثر ومجهزة بجميع الوسائل التكنولوجية والإنترنت، فقد جعلت كلّ شخص منغلقاً على عالمه الافتراضي بعيداً عن التفاعل مع من هم معه على الطاولة نفسها حتى. لذلك، تخلق المقاهي التقليدية جواً من التواصل، كما في السابق، سواء عبر ألعاب الورق، أو عبر النقاشات التي تفتحها الكتب المتوفرة في بعض تلك المقاهي أو عبر الأغاني التي يتشارك في ترديدها الزائرون. وقد يتشارك العديد منهم في حلقات نقاش من دون أن تجمعهم معرفة سابقة، إذ تخلق هذه الأماكن تعارفاً بين الزائرين.
جدّد الشباب بعض تلك المقاهي القديمة، لا سيما التي بقيت مغلقة منذ سنوات من دون استغلالها، محافظين على كلّ تفاصيلها بمعمارها القديم وحجارته القديمة وبالطابع نفسه من دون أن تغير الترميمات من شكل وخصوصية المكان. الثريات التي يعمد مرممو تلك المقاهي إلى تعليقها مصنوعة من النحاس والبلور التونسي وذات شكل قديم يوحي بأنّها صنعت منذ عشرات السنين. وقد حافظ التصميم الجديد على شكل الأبواب وألوانها وزينتها التي لا تخرج عن اللونين الأخضر والأزرق أبرز لونين يميزان المدن القديمة في تونس. وكلّ الديكورات تونسية بسيطة، وهي عبارة عن "بابور من النحاس" أو جرّة كان يوضع فيها الزيت أو راديو قديم أو آلة نسيج صغيرة.
في مدينة نابل أيضاً يعتبر مقهى "مسلّم" من أشهر وأقدم المقاهي في تونس، وقد ظلّ 60 عاماً يقدم خدماته للتونسيين والأجانب، لكنّه أغلق فترة من الزمن بسبب انهيار بعض جدرانه وتداعي بعضها. ولئن عجزت العديد من المقاهي القديمة عن البقاء وأغلقت أبوابها أمام مزاحمة المقاهي العصرية، فإنّ هذا المقهى عاد إلى الحياة بفضل شباب المنطقة الذين أحيوه، وقد جرى ترميمه مع الحفاظ على طابعه المعماري أيضاً الذي ميّزه عن بقية مقاهي المنطقة.
أغلب الوافدين إلى المقهى هم من المغرمين بطابعه التقليدي القديم بكلّ ما فيه، بدءاً من الطاولات والكراسي الخشبية، ثم المفارش القديمة التي بسطت على بعض المقاعد، وصولاً إلى الكؤوس والنقوش وألوان البلاط والأرضية، وصوت الراديو القديم الذي يصدح بأغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهما.
ليست وحدها التجارة ما يحرك المدينة، فالمقاهي هناك لها رونقها الخاص الذي لا تجده في بقية المقاهي الحديثة، إذ تعيش في تلك المقاهي أجواء تعيدك إلى القرون السابقة. رائحة القهوة العربية والشاي والنعناع، وغيرها من المشروبات التي تقدّم غالباً في كؤوس من الفخار أو الزجاج التقليدي الصنع. حتى جلوسك يكون على المرقوم (سجادة أو بساط) المصنوع باليد، أو على جلود الحيوانات. كلّ شيء هناك قديم من "الأنتيكا" التي جرى الحفاظ عليها للإبقاء على خصوصية المكان.
مقاهٍ عدة في المنطقة لم تغلق أبوابها منذ عقود طويلة، واستمرت في استقبال زائريها جيلاً بعد جيل. وعلى الرغم من تجاوز بعضها مائة عام فقد بقيت صامدة مضيافة تستقبل المئات يومياً، ومن بينها "الشواشين" و"المرابط" أشهر المقاهي بالمدينة العتيقة في تونس.
لكنّ بعض المقاهي القديمة الأخرى أغلقت سنوات عدّة على الرغم من حبّ الناس لها، من قبيل "قهوة السوق" الذي عرف بمقهى "الخطاب على الباب" والذي كانت جدرانه متداعية وكلّ شيء فيه قديم ولم يرمم طوال سنوات، ثم أعيد افتتاحها.
المقهى الأخير بالذات فضّل عدد من الشباب إعادته إلى الحياة، لا سيما بعد تصوير مسلسلات تونسية تلفزيونية فيه، ورغبة كثيرين في تجربة ارتياد مقهى كان من أشهر وأجمل مقاهي العاصمة. اختار الشباب تزيين المقهى بديكور من "الأنتيكا" وأثاث تونسي قديم جداً، إلى جانب تنظيم بعض الأنشطة الشبابية والثقافية فيه، واحتضان المقهى العديد من الموسيقيين من خريجي معاهد الموسيقى، للعزف فيه، خصوصاً الأغاني والألحان التونسية التراثية.
ويستقبل المقهى اليوم عشرات من التونسيين والسائحين. وهو مقهى، كما يقول البعض، يشعرك بأنّك في زمن سابق، بكلّ شيء فيه من الديكور والموسيقى والرائحة، ولولا الأزياء الحديثة للمرتادين لشعرت بأنّك بالفعل في القرن الثامن عشر أو التاسع عشر.
منير ضيف الله (طالب، 25 عاماً) أحد مرتادي المقهى، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ المقاهي القديمة، خصوصاً مقهى السوق هذا، تشهد توافد العشرات يومياً، وأحياناً يصعب على البعض إيجاد مقعد صغير فيه لا سيما في عطلة نهاية الأسبوع أو خلال شهر رمضان والإجازات. فالعديد من التونسيين يفضلون المقاهي القديمة من دون معرفة سبب ذلك".
يتابع: "ربّما هو حنين للماضي أو هروب من الروتين الذي تفرضه المقاهي الحديثة. خصوصاً أنّ المقاهي القديمة توفر أجواء لا تجدها في غيرها من الأماكن. كما أنّ الشباب فيها يختلفون عمن يرتادون مقاهي أخرى تغيب فيها النقاشات أو اللقاءات التي تلاحظينها هنا".
يقول عبد الكريم (طالب، 23 عاماً) إنّ "المدينة العتيقة بمقاهيها فرضت نفسها بكلّ مميزاتها وطابعها القديم. لذلك تجد أغلب الشباب يبحث فيها عن شيء خارج الروتين اليومي، خصوصاً أنّها تحتضن لقاءات بعض الرسامين ممن يحملون لوحاتهم لرسم تفاصيل المدينة والجلوس في تلك المقاهي أو العازفين المغرمين بعزف الأغاني التونسية. لذلك، بقيت المدينة العتيقة تقليدية بكلّ ما فيها، تعود بهم إلى ذكريات الزمن الجميل، الذي لم يعيشوه".
وبالرغم من أنّ المقاهي الحديثة تبدو مريحة أكثر ومجهزة بجميع الوسائل التكنولوجية والإنترنت، فقد جعلت كلّ شخص منغلقاً على عالمه الافتراضي بعيداً عن التفاعل مع من هم معه على الطاولة نفسها حتى. لذلك، تخلق المقاهي التقليدية جواً من التواصل، كما في السابق، سواء عبر ألعاب الورق، أو عبر النقاشات التي تفتحها الكتب المتوفرة في بعض تلك المقاهي أو عبر الأغاني التي يتشارك في ترديدها الزائرون. وقد يتشارك العديد منهم في حلقات نقاش من دون أن تجمعهم معرفة سابقة، إذ تخلق هذه الأماكن تعارفاً بين الزائرين.
جدّد الشباب بعض تلك المقاهي القديمة، لا سيما التي بقيت مغلقة منذ سنوات من دون استغلالها، محافظين على كلّ تفاصيلها بمعمارها القديم وحجارته القديمة وبالطابع نفسه من دون أن تغير الترميمات من شكل وخصوصية المكان. الثريات التي يعمد مرممو تلك المقاهي إلى تعليقها مصنوعة من النحاس والبلور التونسي وذات شكل قديم يوحي بأنّها صنعت منذ عشرات السنين. وقد حافظ التصميم الجديد على شكل الأبواب وألوانها وزينتها التي لا تخرج عن اللونين الأخضر والأزرق أبرز لونين يميزان المدن القديمة في تونس. وكلّ الديكورات تونسية بسيطة، وهي عبارة عن "بابور من النحاس" أو جرّة كان يوضع فيها الزيت أو راديو قديم أو آلة نسيج صغيرة.
في مدينة نابل أيضاً يعتبر مقهى "مسلّم" من أشهر وأقدم المقاهي في تونس، وقد ظلّ 60 عاماً يقدم خدماته للتونسيين والأجانب، لكنّه أغلق فترة من الزمن بسبب انهيار بعض جدرانه وتداعي بعضها. ولئن عجزت العديد من المقاهي القديمة عن البقاء وأغلقت أبوابها أمام مزاحمة المقاهي العصرية، فإنّ هذا المقهى عاد إلى الحياة بفضل شباب المنطقة الذين أحيوه، وقد جرى ترميمه مع الحفاظ على طابعه المعماري أيضاً الذي ميّزه عن بقية مقاهي المنطقة.
أغلب الوافدين إلى المقهى هم من المغرمين بطابعه التقليدي القديم بكلّ ما فيه، بدءاً من الطاولات والكراسي الخشبية، ثم المفارش القديمة التي بسطت على بعض المقاعد، وصولاً إلى الكؤوس والنقوش وألوان البلاط والأرضية، وصوت الراديو القديم الذي يصدح بأغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وغيرهما.