كتبوا معلقين في كل مكان على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، عن تلك الدراسة الجديدة التي تصف المرأة المصرية بكونها الأكثر نكداً وكبتاً. لم نعرف مقارنة بمن، ربما مقارنة بنساء العالم أجمع، فهي كانت الأكثر نكداً على الإطلاق، وأخذ الجميع يعلق إما مدافعاً أو مستهزئاً وقائلاً "إفيه" لطيف، فيردّ أحدهم ساخراً "الحقيقة مش كل الستات المصريات نكديات... نقدر نقول إنه 99 في المئة منهن فقط".
بحثنا عن تلك الدراسة الغامضة في كل مكان على الإنترنت، ثم سألنا المتخصصين ممن علقوا عليها، ولكن الجميع نصح بالتالي:"الرابط موجود على موقع كذا"، ولكن هذا الرابط لا يوجد فيه شيء، إنه مجرد مجموعة من الآراء لبعض المعالجين النفسيين والاجتماعيين الذين يصفون المرأة المصرية وفقاً لآرائهم، فلم نجد في التحقيق الطويل أي رقم إو إحصائية أو إشارة إلى بحث تدعم حكمهم النهائي بكون المرأة المصرية هي "الأكثر" نكداً وكبتاً.
تدليس كبير
ترفض كوثر الخولي مديرة مركز نون لقضايا المرأة والأسرة، أن يتم إطلاق اسم "دراسة" على ما تم تداوله في الصحف والمواقع المصرية بأن المرأة المصرية "نكدية"، وتبرر رفضها بأن الدراسة لها مقومات ومعايير علمية متفق عليها من حيث المنهجية والعينة والتحليل، فضلاً عن الجهة العلمية أو الباحث المتخصص وراء هذا الجهد البحثي، الأمر الذي لا يتوافر في هذا الخبر المتداول.
وتقول الخولي "للأسف هذا الأمر يتكرر في الصحافة المصرية، ما يضرب مصداقية وسائل الإعلام التي تنشر ذلك"، مضيفة أن "هذه ليست المرة الأولى، فمنذ سنوات نشرت بعض وسائل الإعلام أن المرأة المصرية الأولى عربياً في ضرب الأزواج، وأن أكثر من نصف الأزواج المصريين معرضون للضرب من زوجاتهم". وتابعت "هذا أمر فيه تدليس كبير، لأنه بالرجوع للدراسة الأصلية وجدنا أن العينة قد تم أخذها من أقسام الشرطة والسجون المصرية لسيدات قمن بضرب أزواجهن وأحدثن بهم عاهات وتم الحكم عليهن، لكن التناول الإعلامي طرح أن المرأة المصرية عنيفة تضرب زوجها، ولم تذكر الأخبار أن العينة هي لنساء محددات خارجات على القانون".
وتابعت "لهذا انطلقت في أغسطس/آب 2014 مبادرة تحمل عنوان "المنتدى الإعلامي للتنمية" هدفه التواصل مع الإعلاميين ووسائل الإعلام المختلفة من أجل تناول موضوعي لقضايا المرأة والأسرة والطفل وإصدار ميثاق شرف صحافي للتعامل مع هذه الفئات، وكذلك رفع قدرات الإعلاميين في كيفية التعامل مع الدراسات والأبحاث بشكل مهني غير مخلٍّ، وهذه المبادرة جاءت بالتعاون بين المجلس القومي للسكان ومنظمة اليونيسيف ومركز نون لقضايا المرأة والأسرة بمؤسسة مدى".
المجتمع مسؤول عن "مزاج" نسائه
ورداً على ما أُشيع عن أن المرأة المصرية الأكثر نكداً، تقول الدكتورة داليا الشيمي مديرة مركز "عين على بكرا" للاستشارات النفسية: "مزاج الأشخاص في المجتمعات يتم "تصنيعه" عبر العوامل الثقافية في المجتمعات وبفعل العادات والتقاليد، فإن كانت المرأة المصرية -كما يقولون- الأكثر نكداً فيجب هنا محاسبة المجتمع على جعلها هكذا".
وتقدم الشيمي قائمة طويلة للدفاع عن المرأة المصرية، متهمة المجتمع في "تصنيعها":
المرأة المصرية هي الطفلة الممنوعة من الضحك حتى لا تصبح خليعة، وحينما تبكي نثني عليها.
المرأة المصرية هي التي تُعاقَب حين يُتحرش بها أو تُغتصب، ونبحث عن دورها في الجريمة المرتكبة بحقها.
المرأة المصرية هي التي لو أخذت وقتها لتختار زوجاً كما تحب أطلقوا عليها "عانس"، ولو تضررت من الزواج أصبحت "المطلقة الملعب"، وإن لم تنجب وصفت بأنها "أرض بور"، وإن زاد عدد أولادها وصفت بـ"الأرنبة".
المرأة المصرية هي التي إن خرجت للعمل وحققت نجاحاً وصفت بـ"الشاويش"، ولو جلست في البيت أصبحت التافهة التي لا تشعر بشيء.
المرأة المصرية التي لو دلعت زوجها جاء يشكو لنا في الاستشارات النفسية أنها "خفيفة" وخايف منها، ولو أظهرت عدم الفهم وصفها "بالبجم" وأكد أنه لا يجب لومه "لو بص برة".
المرأة المصرية هي التي تُكلف منذ طفولتها بارتداء الأسود عاماً كاملاً حزناً لوفاة الوالد أو الوالدة أو العم أو الخال أو الزوج، وهي التي تطالَب بالجلوس مع أولادها في حال توفي زوجها أو في حال تطلقت، حتى لو كانت في ريعان شبابها.
المرأة المصرية هي المرأة الوحيدة التي تُلام في حال اهتمت بجسمها أو تركته، فقد يصبح كرش زوجها 4 أمتار أمامه لكنه لا يخجل من تعنيفها على سنتيمترات في ثديها نتيجة للرضاعة، ويعنفها كذلك إن لم ترضع أطفالها ويتساءل لماذا تريد الاحتفاظ بجسدها كما هو.
راضية بما قسمه الله لها
وتستكمل عريضة الدفاع عن "الست المصرية" امرأة أخرى غير مصرية، هي زينات أبو شاويش، الفلسطينية الحاصلة على دكتوراه في الصحافة، فتقول:
الست المصرية هي السيدة الوحيدة التي من الممكن أن تعيش أسفل السلم وتعيش فوق السطوح أو تعيش في خيمة بدوية، وتجدها في كل حالاتها راضية بما قسمه الله لها.
الست المصرية هي السيدة التي لم يتذكر زوجها أبداً يوم ميلادها ولا ذكرى زواجهما، مع أنها تتذكر كل صغيرة وكبيرة في حياته بداية من أول ماكينة الحلاقة وحتى "شبشب الحمام".
الست المصرية هي من يُرمى لها بالراتب الذي لا يكفي أسبوعاً أو عشرة أيام في الشهر، ومطلوب منها دفع إيجار الشقة وتسديد البقالة والجزار والمكوجي و"العيش" إضافة إلى فواتير الكهرباء والغاز والمياه، ولا تنسى الدروس الخصوصية للأولاد، وأيضا زيارة أو زيارتين لحماتها، ولا تنسى أخوات زوجها، وأدوية زوجها، و"ياريت" كمان تسدد الجمعية.
الست المصرية ماهرة في ثقافة التدوير، ملابسها تتحول بقدرة قادر لفساتين للبنات، وملابس الزوج للصبيان، وبواقي الأكل للطيور، ونجد المنزل كله في حالة تدوير مستمر، هذا يرتدي ملابس هذا، وسعادة البيه الزوج يلبس ويتغندر أمام زملائه في العمل.
الست المصرية تصحو من النوم قبل زوجها بالطبع، توقظ الأولاد وتساعدهم في ارتداء ملابسهم ثم تقوم بتجهيز الإفطار، وتقوم بتوصيل الأولاد إلى المدرسة، وتتابع "السباك" وتقف مع الكهربائي، وتطبخ الغداء، وتذاكر للأولاد، ولا تنسى طبعاً "تعمل مانيكير وباديكير وميك آب وتعرف ترقص كويس عشان بسلامته ما يبصش شمال ولا يمين".
الست المصرية نجحت في أن تكون وزيرة وسفيرة ودكتورة ومهندسة وموظفة وسكرتيرة ومضيفة وكاتبة وصحافية وإعلامية وفلاحة وبدوية، وفوق كل هذا تجدها "واقفة جنب اسم النبي حارسه" تسانده وتقويه، "وأول ما ربنا يفتحها عليه تلاقيه يتجوز عليها".
وتختتم أبو شاويش بقولها "الست المصرية هي نفسها الست العربية بكل عطائها وجمالها وحنيتها وأي حدّ هيتكلم عنها نص كلمة هخرم عينه".