ربّما يصيرُ لموسيقى الجاز في مقاهي طهران وقع مختلف. لن يرقص أحدٌ على أرض أو كرسي أو طاولة. يدركون أن هذه مخالفة. همّهم ليسَ بالضرورة تغيير النظام. لكنهم يرون أبواباً وقد فتحت. صاروا يشمّون رائحة "الهمبرغر"، كأنهم شفوا من زكامٍ عطّل حاسّة الشم لديهم سنوات.
الإيرانيّون سعداء. هذا ما تُظهره الصور. كأنّ منتخب بلادهم فاز ببطولة كأس العالم. أو كأن فيلماً إيرانياً حصلَ على جائزة الأوسكار. يشعرون بالنصر. السبب سياسي بلا شك لكنهم يطمحون إلى ما هو أبعد من ذلك. جميلٌ أن تفتح الأبواب. والأجمل أن يكون بين أيديهم مفاتيح لإقفالها متى شاؤوا. لا تحلمُ الإيرانيات بالضرورة بإزالة المنديل الذي يضعنه فوق رؤوسهن. ربما تكيّفن مع حياتهن، وصرن يعرفن كيف يكن جميلات.
بعد قليل، يقفون في الصف. ها هو مطعم "ماكدونالد" يفتتح فرعه الأول في العاصمة طهران. كأن شيئاً لم يكن. صورةُ الروس في طابور طويل، بعد افتتاح أول فرع لمطعم ماكدونالد في روسيا إثر انهيار الاتحاد السوفييتي، تحكي الكثير. المشهد قد يتكرّر ليسِ رغبة في الاستمتاع بطعم الهمبرغر، بقدر ما هو نوع من عصيان مراهق، حرم من فعل شيء لم يكن ليؤذيه كثيراً.
يعرفُ الإيرانيون أن خلف شياطين أميركا أحلاماً، ظلوا يرونها في ليلهم. كانت ملكهم وحدهم ولم يعرف بها أحد. لكن عدداً كبيراً منهم كانوا يلتقون فيها، ليس طمعاً في وجبة برغر وبطاطس مقلية، بل بما هو أكثر من ذلك. صار بإمكانهم معرفة شعب الأحلام هذا عن كثب. الإنترنت ليس كافياً مهما حمل من معلومات. ثمة تماسٌ بين الشعوب.
لن يتأثروا بالانتقادات الأميركية لانتهاكات حقوق الإنسان في بلادهم، علماً أنها أصدرت تقريرها السنوي بشأن حقوق الإنسان أخيراً، وانتقدت فيه إيران بوصفها تشهد ثاني أعلى معدل للإعدام في العالم. قال التقرير أيضاً إن أبرز مشاكل حقوق الإنسان في إيران هي القيود على حرية التعبير والدين والإعلام، بالإضافة إلى تعرض الناس للاعتقال والتعذيب والقتل بشكل تعسّفي أو غير قانوني.
العام الماضي، اعتقلت الشرطة ستة إيرانيين لاشتراكهم في تصوير فيديو كليب كانوا يؤدون فيه أغنية "هابي" لمغني البوب الأميركي فاريل وليامز، بتهمة "خدش الحياء العام"، لكنها أفرجت عنهم بعدما أثار اعتقالهم موجة من الانتقادات في العالم. بعد توقيع الاتفاق النووي، بدا معظم الإيرانيين "هابي". شارك كثيرون في الحدث السعيد. لن يرقصوا على الطاولات قريباً. لكنهم سيأكلون البرغر على وقع الجاز، وإن كانوا يدركون جيداً أنهم حضارة قبل أن يكونوا مجرد حلم.
اقرأ أيضاً: مجانين