عدّت مدرسة مصطفى الرافعي الثانوية للصم في قطاع غزة بمثابة إنجاز، إذ أتاحت للتلاميذ الصم فرصة متابعة تعليمهم والالتحاق بالجامعة، وبالتالي الاندماج في المجتمع.
لا ضجيج في هذه المدرسة. ترى الأطفال يلعبون كرة القدم، ويتحادثون بلغة الإشارة. في مدرسة مصطفى الرافعي الثانوية للصم في قطاع غزة، يتحدث التلاميذ ومدرسّيهم بلغة الإشارة. هذه المدرسة الوحيدة للصمّ في فلسطين، كانت قد تأسّست قبل ستة أعوام، بتمويل من "اتحاد الأطباء العرب"، وهي مخصّصة فقط لتلاميذ المرحلة الثانوية الصم.
يقول مدير فرع الذكور في المدرسة، رفيق حمدان، إن عدد تلاميذ المدرسة يتراوح ما بين 50 و70 تلميذاً، يتوزعون على أربع شعب، لافتاً إلى أن نقل التلاميذ من كل أنحاء قطاع غزة إلى المدرسة مؤمن بواسطة حافلات وفّرتها وزارة التربية والتعليم العالي، بهدف دمج الصم في العملية التعليمية تمهيداً لدمجهم في المجتمع.
ومنذ تأسيس المدرسة، تخرجت ثلاث دفعات من تلاميذ الثانوية العامة، لافتاً إلى أن هؤلاء يتابعون تعليمهم الجامعي في الجامعة الإسلامية في غزة، في ظل وجود برنامج خاص بالصم بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم. من خلاله، يمكنهم دراسة التصميم الغرافيكي وصيانة الأجهزة الإلكترونية، وقد أثبت الطلاب تميّزاً وحرفية عالية. وتحاول المدرسة، وبشكل مستمر، تأمين تخصّصات جديدة للتلاميذ تساعدهم على الاستمرار والعيش بكرامة.
بدورها، تؤكّد مديرة فرع الفتيات في المدرسة، جهاد حسين، أن المنهاج المعتمد هو المنهاج الفلسطيني، وتتولّى لجان متخصّصة تكييفه وفقاً لاحتياجات التلاميذ. تضيف أن التلاميذ يتعلّمون اللغتين العربيّة والإنكليزية والرياضيات ومواد اجتماعية، بالإضافة إلى التكنولوجيا والعلوم التقنية والتربية الإسلامية والتربية الفنية والرياضية. تصف هذه المدرسة بـ "الإنجاز"، إذ سمحت لهؤلاء بالحلم، وفتحت لهم الطريق للمستقبل ومتابعة حياتهم العلمية والاندماج في المجتمع.
يحب أحمد ضهير (17 عاماً) مادة اللغة الإنكليزية. ومع أن مستواه الأكاديمي جيّد، إلا أنه يخشى الاختبارات النهائية للثانوية العامة، خصوصاً أن الامتحانات واحدة للجميع، بفارق وحيد هو وجود مترجم للغة الإشارة.
لدى أحمد ثلاثة أشقاء وشقيقتان، إحداهما صماء وتكبره بثلاثة أعوام. أيضاً، تخرّجت من مدرسة الرافعي، ودرست التصميم الغرافيكي. حضر أحمد حفل تخرّجها. وعن هذه اللحظة، يقول: "شعرت بالفخر وأنا أرى شقيقتي ترتدي ثوب التخرج والقبعة وتحمل شهادتها بيدها، وقلت إنّ لا شيء مستحيل".
يصف أحمد الدروس التي يتلقاها في مدرسة الصم بأنها صعبة بعض الشيء، موضحاً أنّ المدرسين يبذلون قصارى جهدهم. درس أحمد وزملاؤه في الجمعيات المتخصّصة بتأهيل الصم في قطاع غزة، وذلك من الصف الأول ابتدائي وحتى الثالث إعدادي، حتى يتمكن من الالتحاق بمدرسة الرافعي للصم، كي يكون قد تعلّم لغة الإشارة. كذلك، يجب أن يتراوح عمر التلميذ ما بين عمر 15 و21 عاماً.
من جهتها، توضح بثينة حسين (19 عاماً) التي أتمّت المرحلتين الابتدائية والإعدادية في جمعية جباليا لتأهيل الأشخاص المعوّقين، أنها عانت كثيراً بسبب عدم قدرتها على التواصل مع عائلتها وأقاربها. لكن مع مرور الوقت، اختارت تجاهلهم على عكس أحمد الذي يحب التواصل مع جميع أقاربه، وقد علّمهم القليل من لغة الإشارة. إلا أن بثينة ترى أن التواصل عبر الإنترنت أكثر سهولة. طموحها يتجاوز الحصول على شهادة جامعية. تقول لـ "العربي الجديد" إنها تحب الدراسة، لكنّها تتمنّى أن تصير طباخة في أحد مطاعم غزة، وهو ما تحبّه وتبرع فيه. تضيف أن عائلتها تشجّعها دائماً وتطلب منها صنع أطباق جديدة.
بدورها، تقول المدرّسة إلهام صافي، التي بدأت بتعليم الصمّ قبل أكثر من خمس سنوات، إنها تعلّمت لغة الإشارة في جمعيّات تأهيل الأشخاص المعوّقين في قطاع غزة. وتوضح أنه بالنسبة إليها، كانت الصعوبة في تعلّم لغة الإشارة بالعربية والإنكليزية. وتؤكّد أنه رغم البدايات الصعبة، إلا أن التلاميذ كانوا عاملاً مساعداً بسبب ذكائهم، وإن كان تدريسهم يتطلب مزيداً من الوقت. تضيف أنها تستخدم صوتها أحياناً لأن بعض التلاميذ يسمعون بشكل خفيف.
تجدر الإشارة إلى أن نسبة الصم في البلاد تقدّر بنحو 1.2 في المائة من إجمالي سكان قطاع غزة، بحسب مسح أجراه الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني في عام 2011. كذلك، تقدّر نسبة الأشخاص المعوقين في غزة بسبعة في المائة من إجمالي عدد السكان، 90 في المائة منهم لا يعملون، و42 في المائة لم يلتحقوا بالمدارس.