تباينت ردود أفعال السودانيين على تصنيف بلادهم ضمن مؤشر السعادة العالمي الصادر عن شبكة الأمم المتحدة لحلول التنمية المستدامة، بين من يرى في التصنيف بعض التحامل وآخرون يرونه أكثر إدراكا لما تعانيه البلاد من أوضاع اقتصادية وسياسية واجتماعية.
وحلّ السودان في المرتبة 133 عالميا من أصل 157 دولة، وهو ما يمثل تراجعا كبيرا عن الترتيب في المؤشر ذاته عام 2015، حيث حل في المرتبة 118.
ويستند التقرير الأممي في تقييمه على جملة من المعايير، بينها مستوى الحرية الشخصية ودخل الفرد، فضلا عن نسبة الفقر ونسب الدعم الاجتماعي الذي تقدمة الدولة للمواطن، بجانب التعليم ونوعيته والصحة العامة والديمقراطية والحكم الرشيد.
ووفقا لآخر مسح لنسب الفقر في السودان أجري عام 2009، فإن نسب الفقر العامة بلغت 46.5 في المائة، وهي نسب يرى خبراء أنها زادت. وحتى الآن، لم تكشف الحكومة عن نتائج مسح جديد أجري بالتعاون مع جهاز الإحصاء النرويجي، إذ يرجح أن يكشف عن نسب فقر تصل إلي 65 في المائة، رغم إعلان الحكومة في موزانة العام الحالي خفض معدلات الفقر والبطالة والأسعار، والأخيرة أصبحت السمة البارزة في البلاد، إذ ترتفع بشكل يومي ودون محددات.
ويرى خبراء أن التقييم الذي يعتمد عليه مؤشر السعادة، قد يجعل السودان دائما في مرتبة متأخرة، بالنظر إلى ارتفاع نسب الفقر وتراجع التعليم والصحة، فضلا عن ارتفاع معدلات النزوح من مناطق الحرب بولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور، حيث تتجاوز أعداد النازحين ثلاثة ملايين شخص، إضافة إلى الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن والهجرة إلى خارج البلاد.
وأعلن جهاز تنظيم شؤون المغتربين في السودان، في وقت سابق، عن هجرة نحو خمسين ألفا من الكفاءات السودانية وأساتذة الجامعات والأطباء والصيادلة والمهندسين والعمال المهرة بدافع تحسين أوضاعهم المعيشية، بينهم 300 أستاذ من جامعة واحدة خلال عام.
وكشفت ورقة علمية حديثة أعدّها خبراء أن نسبة البطالة وصلت إلى 61 في المائة، بينما تؤكد الحكومة أن نسبة البطالة 19 في المائة فقط.
وترى عوضية (عاطلة عن العمل منذ 1999)، أن "التصنيف ليس مفاجئا، لافتقار البلاد لوسائل السعادة. نحن في مأساة حقيقية مع الفقر وارتفاع الأسعار وشبكة الإنترنت السيئة وعدم توفر الوظائف، وتعدد الضرائب، والمدارس المتهالكة، والصحة المتردية، والشوارع السيئة التي تحصد الأرواح، فضلا عن ارتفاع معدلات العنوسة".
أما طارق، وهو موظف، فيرى أن تذيّل السودان لقائمة مؤشر السعادة أمر طبيعي لارتباط السعادة بالأساس بتحسن الأثر النفسي والاقتصادي، وهو ما يفتقر إليه السودانيون، على حد قوله.
في المقابل، يرى أحمد أن في التصنيف تحاملا على السودان، باعتبار أن الوضع ليس أسوأ من دول كثيرة تقدمت عليه، ويضيف "في ما يخص السعادة، نحن في منطقة رمادية بالنظر للواقع السياسي المزري الذي ينعكس سلبا على الخدمات، فضلا عن تدهور الاقتصاد والرواتب، واصطدام مساعي التغيير بقناعات لدى كثيرين أن الوضع الحالي أفضل من القادم غير المعلوم الملامح، وفي البال تجارب الربيع العربي".
وترى راوية (ناشطة)، أن "الشعب السوداني من أتعس شعوب العالم لما يعانيه من ضغوط اقتصادية وسياسية واجتماعية تجعل منه لاهثا وراء لقمة العيش وغير مهتم بالسعادة أصلا"، وتضيف "الصحيح أن نتذيّل كل القوائم بالنظر للفساد والحروب التي تضرب البلاد".
وفي هذا السياق، يرى أستاذ الصحة النفسية، علي بلدو، أن السودانيين الأكثر تعاسة في العالم لانعدام مقومات السعادة الأساسية، كالرضا الوظيفي والتصالح مع الذات والسلام الداخلي، فضلا عن التأقلم والتوائم مع البيئة جنبا إلى جنب، مع الرخاء الاقتصادي والأمان المجتمعي والضمانات المجتمعية، والقدرة على حل المشكلات والتعامل معها بصورة حضارية، وهي الأشياء التي فشل المجتمع السوداني في تحقيقها".
ويؤكد بلدو أن "حالة الاحتقان السياسي والاجتماعي، والشعور بالغبن، والبطالة مع تأخر سن الزواج، والمشاكل الأسرية التي تفاقمت في الفترة الأخيرة، كلها ساهمت في الوصول إلى هذه النتيجة".