أمام مرآة غرفة نومها الكبيرة، البيضاويّة الشكل، تقف بوجه مشرق. في صباح هذا اليوم كما في كلّ صباحات الأيام الماضية، اعتادت الوقوف في هذه الناحية والتحقّق من هندامها قبل الانطلاق في نهارها الطويل.
للوهلة الأولى، تظنّ بأنّ أشعّة شمس هذا الصباح الشتويّ التي تتسلّل بخفر من خلال ستارة غرفة نومها البنفسجيّة، تضيء وجهها. تفطن إلى أنّ تلك الأشعّة تذهب في الاتجاه المعاكس، فتبتسم لنفسها في المرآة وهي تسوّي شعرها، كأنّما أدركت الباعث.. في سرّها.
إنّه الثامن من مارس/آذار.. إنّه اليوم العالميّ للمرأة. بالتأكيد، ليس هذا باعث "إشراقتها". هي لم تستسغ قطّ هذا اليوم الذي تعِدّ الاحتفال به مجرّد إمعان في التمييز بحقّ المرأة. أيضاً، ما يُصرف في هذا اليوم حول العالم بهدف الاحتفال، يثير حفيظتها. لا بدّ من أنّه أكثر من كافٍ لوضع برامج وإطلاق مشاريع حقيقيّة تهدف إلى تمكين المرأة في بقاع مختلفة من المعمورة، بدلاً من المتاجرة بحقوق النساء والتمنين عليهنّ بها.
تعود إلى مرآتها. لا تتنبّه للشعرات البيضاء الإحدى عشرة المستجدّة. تلك تتخلّل خصلها الداكنة. سبق لها أن عدّتها، حتى لو لم يؤزّمها الشيب يوماً مثلما يُقلق صديقاتها. يبدو كأنّ تلك الشعرات اختفت اليوم. لا تستفزّها تلك التجاعيد القليلة الناشئة أخيراً. تكاد لا تراها. لا تنفر من تلك الندبة على ذراعها. كأنّها امّحت تقريباً. لا تغيظها تلك الكيلوغرامات الزائدة التي لطالما أربكت يوميّاتها. كأنّما حدود جسدها لم تكن. "أنا أجمل!" تهتف عيناها الباسمتان. وبخفّة استثنائيّة، تهبط السلالم التي لطالما تعثّرت بدرجاتها الضيّقة. وتنطلق في نهارها الطويل.
"تحت أنظار الآخر المُحِبّة، أفكّ رموز هويّتي"، كتب الفيلسوف الفرنسي ميشال لاكروا مؤلّف "إدراك الذات.. فلسفة صغيرة للتطوّر الشخصيّ". قول قرأتْه هذا الصباح، لتبتسم طويلاً.
في أحيان كثيرة، لا نحتاج إلى أكثر من تلك الأنظار المُحِبّة، لكيّ نحسّ بتكاملنا وامتلائنا. تحت تلك الأنظار المُحِبّة، لا نركّب قطع بازل هويّتنا فحسب. تكفي تلك الأنظار المُحِبّة، حتى نشعر بأنّنا أجمل. قد لا يكون هذا "الجمال" سوى هويّتنا التي فككنا رموزها أو ذاتنا التي أدركناها أخيراً.. تلك الهويّة التي تُمعن في لُبسها عوامل كثيرة تختلف طبيعتها، منذ سنوات وجودنا الأولى في هذا الكون.. تلك الذات التي تُمعن في زعزعتها عناصر خارجيّة تتعدّد كلّما تورّطنا أكثر في هذا الوجود.
في أحيان كثيرة، لا نحتاج إلى أكثر من آخر مُحِبّ يحتضننا، فيرافقنا في مشوار إدراك ذاتنا المزعزعة وفكّ رموز هويّتنا الملتبسة.. ونقول: أنا أجمل!
اقرأ أيضاً: أحببتهم بروحي