يبدو الأمر مثيراً للاستغراب، بالنسبة للعديد من طلبة غزة الحالمين بالسفر للدراسة بالخارج، وهم يشاهدون فتاة تركية تترك جامعات بلادها العريقة، لدراسة الماجستير في مدينتهم المحاصرة.
فقد وصلت رقية ديمير (26 سنة)، قبل نحو 4 أشهر من ولاية ديار بكر (جنوب شرق تركيا)، إلى قطاع غزة المحاصر، والمُلقب بأكبر سجن مفتوح في العالم، للدراسة فيه، حيث تستعد الفتاة الحاصلة على درجة البكالوريوس في "علم النفس" من ماليزيا، لنيل درجة الماجستير في "الصحة النفسية المجتمعية" من الجامعة الإسلامية بغزة.
تقول ديمير: "أنا هنا من أجل الإنسانية". وتواصل بلغة عربية فصيحة، حروفها غير متقنة بشكل تام: "جئت إلى غزة، لأن هذا حلمي وأردت تحقيقه، كان الأمر يبدو عصياً على التطبيق، أو لنقل كان خيالاً، لكن ها أنا هنا".
تشير بيدها إلى الجامعة الإسلامية (من كبرى وأقدم الجامعات الفلسطينية)، وتقف أمام مكتبتها المركزية، لاستعارة الأبحاث اللازمة لإنهاء آخر امتحانات فصلها الدراسي الأول.
4 أشهر مرت على تواجدها في القطاع المحاصر، ولا تجد في إقامتها "وحيدة" داخل شقة صغيرة في أحد أبراج مدينة غزة أي شعور بالغربة أو الخوف. تقول: "جاراتي وصديقاتي لا يتركونني، تماماً وكأنني في بيتي".
لم يكن الأمر سهلاً على أسرتها، خاصة والدتها التي حاولت ثنيها عن قرار المجيء لغزة المحاصرة، والتي تعيش توتراً دائماً نتيجة التصعيد مع إسرائيل. إلا أن ديمير كانت إجابتها للجميع واحدة: "سأموت أينما قدر الله لي، في تركيا، أو في أي مكان آخر".
وتتابع: "لأني الابنة الصغرى لعائلتي (ثمانية أبناء)، تراني أمي صغيرة مهما كبرت، الأمر غريب بالنسبة للجميع، لكن هذا حلم طفولتي، صحيح أن الأمر خطير ويحمل مجازفة كبيرة، هذه رغبتي والحمد لله تحقق الحُلم".
ويلتحق عشرات الطلبة من قطاع غزة بجامعات تركيا، عبر منحٍ تقدمها لهم الحكومة التركية سنوياً. تضحك ديمير قائلة: "يندهش كثيرون، يقولون نريد أن نكون مكانك، وأنت تأتين إلى غزة الفقيرة والمحاصرة".
وللعام العاشر على التوالي، يستمر الحصار الذي فرضته إسرائيل على سكان القطاع (2 مليون فلسطيني)، منذ نجاح حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية في يناير/كانون ثاني 2006، وشدّدته في منتصف يونيو/حزيران 2007.
وتضيف ديمير: "وصلتني رسالة من رئاسة الجامعة ترحب بي، وقامت بتسهيل كافة الإجراءات اللازمة لقبولي في أروقتها"، ولعبت السفارة الفلسطينية في مصر، دوراً كبيراً كما تقول في منحها إذن الدخول إلى غزة عبر معبر رفح البري.
وبحسب دائرة العلاقات العامة في الجامعة الإسلامية بغزة، فإن "ديمير" أول فتاة من تركيا تدرس في قسم "الدارسات العليا" داخل أروقتها.
وتتقن ديمير اللغة الإنكليزية بطلاقة، وهو ما يسهل عليها دراستها الجامعية، كما تجيد العربية (الفصحى). وتقول إن كثيرات من الطالبات يلتففن حولها لسؤالها باستغراب عن كيفية قدومها إلى غزة.
وتشعر ديمير بنوع من الراحة لنظام الجامعة الإسلامية التعليمي، الذي ينص على فصل الطالبات عن الطلاب (لكل فئة مساحتها الخاصة). وتضحك مازحة: "جميل أن تكون الصبايا مع الصبايا، والشباب مع الشباب".
وتنتهز الفتاة التركية، أوقات الفراغ، كي تسير على شاطئ غزة، المطل على البحر المتوسط، وتبدأ في رحلة التعرف على ثقافة سكانها. وتصف سكان غزة، بأنهم "أهل الكرم"، وتقول إنها أحبت طعامهم الشهي، وتستدرك ساخرة: "لقد زاد وزني".
ورغم المخاوف من تعرض القطاع لحرب إسرائيلية، أو هجوم عسكري محدود، إلا أن ديمير لا تخشى من ذلك. وخلال إقامتها، تعرضت غزة لهجوم صاروخي شنته إسرائيل رداً على إطلاق قذيفة من القطاع تجاه البلدات الإسرائيلية. وتعترف بأنها شعرت بالخوف "قليلاً"، لكنها سرعان ما استجمعت قواها.
وشهد قطاع غزة المحاصر ثلاث حروب شنتها إسرائيل بين العامين 2008 و2014 كانت أعنفها الحرب الأخيرة قبل عامين والتي أدت إلى مقتل 2323 فلسطينيًا، بينهم 578 طفلاً، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.
(الأناضول)