يعاني السوريون الذين يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة السورية، من غياب جهات رسمية قادرة على منحهم وثائق ثبوتية معترفا بها، فيما يخص حالات الزواج والطلاق وشهادات الميلاد والوفاة وغيرها.
وفي مسعى لتنظيم الأحوال المدنية، عملت عدد من المنظمات المدنية والحقوقية في سورية، على تفعيل السجلات المدنية في المدن والبلدات السورية في مناطق سيطرة المعارضة، ومنها ريف حلب وإدلب وريفها ودرعا وريف دمشق، وباتت توثّق الوقائع وتحتفظ بها في سجلات خاصة، وتصدر أوراقا "غير رسمية" لإثبات هذه الوقائع، يتم العمل بها في باقي مناطق سيطرة المعارضة.
إلا أن حاملي هذه الوثائق يعانون مشكلة عدم الاعتراف الدولي بها، إذ يقول عبد الجليل قصاب، الذي يعيش في بلدة سرمين في ريف إدلب: "قمنا باستصدار بيانين: واحد للزواج والثاني عائلي لولدي من مدينة إدلب، زوجته لا تزال تقيم معنا وهو يعمل في تركيا منذ عدة أشهر، قدمنا البيان لمعبر باب الهوى الحدودي لإجراء لمّ شمل، لكنه جاء بعد شهر مع الرفض، وقالوا لنا إن ورقة الزواج غير رسمية، ولم نجد حلاً للأمر بعد".
وتعتمد العديد من مؤسسات الأحوال المدنية الموجودة في مناطق المعارضة اليوم، على النظام نفسه الذي كانت تعمل عليه في السابق دوائر النظام، ويعمل به عدد من الموظفين السابقين والجدد، بشكل تطوعي أو مقابل تعويض زهيد من قبل بعض مؤسسات المجتمع المدني لتشجيعهم على الاستمرار في عملهم.
ويشير المحامي عبد الإله الحاج أحمد، الذي يعمل في ريف حلب، إلى أن "الأوراق الصادرة عن هذه المؤسسات لا تحمل أي قيمة قانونية، ما يتم هو أشبه بعمليات التوثيق، في ظل غياب مؤسسات قانونية تُعنى بتسيير أمور الناس في مناطق سيطرة المعارضة، وعدم قدرة الكثيرين على التنقل إلى مناطق سيطرة النظام، ما يتم هو أفضل من لا شيء"، متابعاً أنه "حتى اليوم، لا تعد هذه الوثائق رسمية، لأنها صادرة عن منظمات مجتمع مدني، في الوقت الذي يجب أن تكون صادرة عن جهة حكومية. وحتى اليوم، لا يوجد اعتراف قانوني بأي جهة من جهات المعارضة من قبل أي دولة أخرى".
ويضيف: "يجب على المواطن السوري أن يكون واعيا بأن ما يحصل عليه من قبل هذه المؤسسات ليس أكثر من إثبات حالة، ولا يمكن أن يعتمد عليه في أي إجراء كالسفر أو لمّ الشمل وغيرها. تُبنى هذه الوثائق على مبدأ الثبوت بالكتابة، وفي المستقبل يمكن أن تعترف جهة رسمية بها وتدوّنها في سجلاتها".
ويتابع الحاج أحمد، "تختلف الجهات الداعمة لهذه المؤسسات لاختلاف المناطق التي تتواجد فيها، لذا هي غير مرتبطة ببعضها، ولا تتبع جهة واحدة".
وكان النظام السوري قد عمد إلى نقل الملفات والسجلات الرسمية من العديد من المدن قبيل أن يفقد السيطرة عليها.
ولاستخراج أوراق رسمية معترف بها، يضطر كثيرون للسفر إلى مناطق سيطرة النظام، إذ يقول فادي الحموي، وهو أحد أهالي جسر الشغور، إنه بات على أهالي جسر الشغور والمناطق المحيطة بها أن يسافروا إلى حماة، لاستخراج أي ورقة رسمية، كجواز السفر أو إخراج قيد أو غيره.
ويضيف "إنها مهمة شاقة، لأن السفر لم يعد أمراً سهلاً بين مناطق النظام والمعارضة، لكن من يريد أن يستعمل الورقة خارج البلاد يضطر إلى ذلك، بعد أن نقل النظام كل المعاملات الرسمية الخاصة بنا إلى محافظة حماة".
ويعاني السوريون المتواجدون في دول الجوار، من ذات المشكلة، وهي صعوبة الحصول على استخراج أوراق رسمية من حكومات الدول التي يتواجدون فيها، بسبب عدم حيازتهم إقامة رسمية فيها، ولا من المؤسسات السورية التي لا تمنحها لمن يقيمون خارج البلاد بصفة غير رسمية.
وكان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، أصدر، أمس، مرسوماً يسمح فيه للمغتربين بتسجيل الوقائع المدنية في السجلات السورية، لمجرد إبرازه وثيقة تثبت الواقعة، شريطة تصديقها من الجهة المعنية في الدولة التي يقيم فيها، في حال عدم تواجد سفارة أو قنصلية سورية فيها، مشترطاً أن يقوم صاحب العلاقة بتسجيل تلك الواقعة لدى السفارة أو القنصلية السورية أو السفارة أو القنصلية المكلفة بمصالح السوريين في محل إقامته أو في مكان حدوث الواقعة.
ويوضح الحاج أحمد أن "المرسوم الأخير قد يحل العديد من العقبات القانونية التي تعترض بعض السوريين في دول الجوار"، ويضيف "كان من الممكن للنظام أن يقدم هذا الإجراء منذ سنوات، والذي هو من حق أي سوري أينما وُجد، لا نعلم مدى الجدية في تطبيقه، وتأجيله إلى هذا الحين قد يعود إلى أسباب عدّة؛ قد تكون سياسية أو مالية من خلال جمع الرسوم بالعملة الأجنبية، أو حتى إحصائية، إذ يفتقد النظام لبيانات تخص ملايين السوريين الذين غادروا البلاد".