كل التطورات العاصفة التي تطالعنا بها وسائل الإعلام تتطلب من الجامعة، كل جامعة في العالم، إعادة تعريف دورها الذي درجت عليه عقوداً أو قروناً عندما كانت عبارة عن مؤسسة ذات حرم وسور عال لا يراه العابرون قربها، تدور بين قاعاتها المقفلة وجدرانها أعقد الأبحاث وأصعب المناظرات والنقاشات الحامية في الميتافيزيقيا والفلسفة والتاريخ والعلوم وغيرها.
مؤسسة يخوض أساطينها بوجوههم دائمة العبوس، وبأثوابهم التي تشبه ثياب القضاة أسئلة الحياة والوجود والكون والإنسان والطبيعة من نواح مختلفة. لكن الإنترنت فاجأها على حين غرة وفرض هيمنته وسلطانه على هذه المؤسسة ما أجبرها على أن تعيد تعريف دورها ورسالتها ووظيفتها وآلياتها المعتمدة بعد أن دمرت الرسائل القصيرة والطويلة كل ما أحاط بها وأحاطت نفسها به من أسوار وجعلها جزءاً من العالم الافتراضي.
مع هذا التطور لم تعد الجامعة مصدر العلوم ونشر المعارف والمؤسسة التي تملك وكالة حصرية لموضوعات معقدة مزمنة وشائكة منذ فجر الحضارة. الكثير من الجامعات هنا وهناك قررت إلى حد ما التفاعل مع هذا الوافد الجديد وخلقت اختصاصات جديدة تتلاءم مع وقائعه القاهرة، أو أقامت فروعا تقدم خدمات التعليم عن بُعد لطلاب لا يرونهم أساتذتهم أبداً أو يرونهم لماماً وبتقطّع.
وفرض الإنترنت سلطانه على أساتذة الجامعة، وبات من لا يجيد منهم استعمال الحاسوب ينتمي إلى جيل مضى بلا عودة، وكذلك على كل ما تملكه الجامعة من نُظم وتجهيزات ومختبرات ومكتبات ووسائل تواصل ومراكز تسجيل وخدمات وترفيه. لكن الأمور خرجت عن هذا الحد عندما ترافق هذا كله مع اقتصاد السوق وعصر المعلوماتية أو العولمة بشتى مناحيها. هذا التطور لم تقف حدود التغييرات التي أحدثها على دول المركز، بل شمل أيضاً دول الأطراف، سواء أكانت فقيرة أم غنية. لكن العولمة ليست صفة واحدة تعبّر عن تدفق الرساميل المالية والبضائع التي تنساب بسلاسة من دون عوائق بين هذه القارة أو تلك، إذ رافقها نمو اقتصاد التكنولوجيا والمعرفة. وتكلل ذلك كله بعولمة سوق العمل.
في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كانت الجامعة الأميركية في بيروت تنتج الكفاءات لدول الخليج، والجامعة اليسوعية للبنان وسورية وجامعة القاهرة لمصر وهكذا. الآن تغص الأقطار العربية بالجامعات، أما سوق العمل فيتم من خلال الإنترنت، ومبدأ العرض والطلب يربط زاويتا الكرة الأرضية هذه بتلك. وعليه باتت المواصفات المطلوبة لا بد أن تنسجم مع هذا التحول الذي يشمل العالم. يعني ذلك أن الأمور الآن وغداً ستسير في هذا المنحى كأنه القدر المحتوم.
(أستاذ جامعي)
اقــرأ أيضاً
مؤسسة يخوض أساطينها بوجوههم دائمة العبوس، وبأثوابهم التي تشبه ثياب القضاة أسئلة الحياة والوجود والكون والإنسان والطبيعة من نواح مختلفة. لكن الإنترنت فاجأها على حين غرة وفرض هيمنته وسلطانه على هذه المؤسسة ما أجبرها على أن تعيد تعريف دورها ورسالتها ووظيفتها وآلياتها المعتمدة بعد أن دمرت الرسائل القصيرة والطويلة كل ما أحاط بها وأحاطت نفسها به من أسوار وجعلها جزءاً من العالم الافتراضي.
مع هذا التطور لم تعد الجامعة مصدر العلوم ونشر المعارف والمؤسسة التي تملك وكالة حصرية لموضوعات معقدة مزمنة وشائكة منذ فجر الحضارة. الكثير من الجامعات هنا وهناك قررت إلى حد ما التفاعل مع هذا الوافد الجديد وخلقت اختصاصات جديدة تتلاءم مع وقائعه القاهرة، أو أقامت فروعا تقدم خدمات التعليم عن بُعد لطلاب لا يرونهم أساتذتهم أبداً أو يرونهم لماماً وبتقطّع.
وفرض الإنترنت سلطانه على أساتذة الجامعة، وبات من لا يجيد منهم استعمال الحاسوب ينتمي إلى جيل مضى بلا عودة، وكذلك على كل ما تملكه الجامعة من نُظم وتجهيزات ومختبرات ومكتبات ووسائل تواصل ومراكز تسجيل وخدمات وترفيه. لكن الأمور خرجت عن هذا الحد عندما ترافق هذا كله مع اقتصاد السوق وعصر المعلوماتية أو العولمة بشتى مناحيها. هذا التطور لم تقف حدود التغييرات التي أحدثها على دول المركز، بل شمل أيضاً دول الأطراف، سواء أكانت فقيرة أم غنية. لكن العولمة ليست صفة واحدة تعبّر عن تدفق الرساميل المالية والبضائع التي تنساب بسلاسة من دون عوائق بين هذه القارة أو تلك، إذ رافقها نمو اقتصاد التكنولوجيا والمعرفة. وتكلل ذلك كله بعولمة سوق العمل.
في خمسينيات وستينيات القرن الماضي كانت الجامعة الأميركية في بيروت تنتج الكفاءات لدول الخليج، والجامعة اليسوعية للبنان وسورية وجامعة القاهرة لمصر وهكذا. الآن تغص الأقطار العربية بالجامعات، أما سوق العمل فيتم من خلال الإنترنت، ومبدأ العرض والطلب يربط زاويتا الكرة الأرضية هذه بتلك. وعليه باتت المواصفات المطلوبة لا بد أن تنسجم مع هذا التحول الذي يشمل العالم. يعني ذلك أن الأمور الآن وغداً ستسير في هذا المنحى كأنه القدر المحتوم.
(أستاذ جامعي)