الحرب في سورية أجبرت الأطفال على البقاء في منازلهم، ما حدّ من فرصهم للّعب في الخارج. وفي سورية، بات الحلّ، بالنسبة لكثيرين، هو الهاتف الذكي
بعدما بكى طويلاً، استسلمت نور لإرادة طفلها الصغير جود، الذي لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات. وضعت هاتفها الخلوي أمامه، وما إن رآه حتّى صمت. حمله وبدأ يلمس الشاشة، إلى أن وجد لعبته المفضلة. تقول نور التي تعيش في دمشق: "لا يحلّ السلام في هذا المنزل إّلا حين يمسك هاتفي. هذا خطئي لكنّني عاجزة عن إصلاحه. في البداية، كان يشاهد برامج الأطفال عبر شاشة الهاتف، لأنّ الكهرباء مقطوعة في معظم الأحيان، ولا يمكننا تشغيل التلفاز. في تلك المرحلة، لم أنتبه إلى أنّه بات يطيل النظر إليه ويتعلق به. كنت أستغلّ فترة هدوئه لقضاء بعض الأشغال. بعد فترة، لم يعد يسمح لي بأخذه. حين يبكي، لا أجد طريقة لإسكاته إلا إعطائه الهاتف. بات أكثر تعلّقاً بالهاتف منّي. في المساء يمسكه وينام".
تضيف نور: "حذفت ألعابه المفضّلة من الهاتف، لكنّني لم أحتمل الأمر كثيراً. صار مزاجه سيئاً جداً. سعيت إلى لفت انتباهه إلى أمور أخرى من دون جدوى. أشعر بالذنب. إنّه طفلي الأوّل، ولا أعتني به بالشكل المناسب".
يشكو عدد من الأهالي في سورية بسبب إدمان أطفالهم على الأجهزة الذكية، ويستسلمون إلى الواقع في ظل عدم قدرة كثيرين على إيجاد بدائل لتسلية أطفالهم من جرّاء الحرب. سهيلة، وهي أمّ لثلاثة أطفال، كانت قد نزحت من ريف دمشق إلى ضواحيها. تقول: "طفلي الأصغر فادي في الرابعة من عمره. طفولته مختلفة. أنجبته مع بداية الأزمة، ولم أسجّله في أي روضة أطفال خوفاً عليه من الخطر. ونتيجة سفر معظم أقاربنا وأطفالهم، لم يعد يزورنا أحد ولم يختلط بأطفال من عمره. الحرب تمنعنا من أخذه إلى أي مكان للعب، ولا نسمح للأطفال حتى بالخروج إلى ساحة المنزل للعب وحدهم. صديقه الوحيد هو الهاتف، ولا أستطيع حرمانه منه أيضاً".
تضيف سهيلة: "في البداية، كان يأخذ هاتفي أو هاتف والده. وبما أننا لا يمكننا الاستغناء عنه أيضاً، اشترينا له هاتفاً يتضمن تطبيقاته المفضلة. يفاجئني بقدرته على فتح الصور وتعديلها. يمكنه الرد على الهاتف والاتصال وإرسال الصور على واتسآب لشخص محدّد. في المقابل، ألاحظ أن لديه تأخراً في النطق، كما أنه قليل الحركة وأكثر عزلة. لست قلقة جداً، وأعتقد أنه سيتجاوز هذه الأمور حين يدخل المدرسة".
أما شيماء، وهي أم لطفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف السنة، وتعيش في حلب، تقول إنها قرّرت التصرف لإبعاد طفلتها عن الهاتف المحمول. تقول: "كغيري من الأمهات، استخدمت الهاتف لإلهاء طفلتي قليلاً، ولم أفكر أبداً في عواقب الأمر. في أحد الأيام، سمعتها تقول بابا واوا، ورأيت أنها فتحت إحدى الصور المنشورة على فيسبوك، يظهر فيها جثة شهيد تسيل منه الدماء. ولأنه كان لديه لحية كوالدها، ظنّت أنه هو. وحين عاد إلى البيت، ظلّت تردّد واوا. منذ ذلك اليوم، لم أسمح لها بحمل الهاتف رغم إلحاحها. شيئاً فشيئاً، نجحت بأن أجعلها تحب اللعب والرسم".
كنانة، وهي طبيبة أطفال تعمل في دمشق، تقول إن نحو نصف الأهالي الذين يراجعونني مع أطفالهم في العيادة يستعينون بهواتفهم المحمولة لتهدئة أطفالهم خلال فترة المعاينة أو الانتظار. "يمكنني التأكيد أن حالة الإدمان على الهواتف المحمولة تشمل الكبار والصغار. لكن ما لا يدركه الأهل هو التأثير المدمر لهذه الهواتف على صحة أطفالهم النفسية والعقلية والجسدية". تضيف أنّ الطفل الذي يتفاعل مع الهاتف الذكي سيكون حتماً ضعيف التواصل مع المحيط، وعلاقته العاطفية مع والديه أضعف، ما يؤثر على نمو شخصيته مستقبلاً، بخلاف ما يعتقد الأهل. وتوضح أنّ الأجهزة الذكية تحرم الأطفال من التفكير والتخيل في أهم مرحلة من مراحل تطوّر الدماغ، ما يؤثر على قدراتهم العقلية حتماً. وتُلاحظ أن الأطفال الأكثر تعلقاً بالهواتف الذكية أكثر انفعالاً، ولا يلتزمون بالنوم في الوقت المحدد، كما أنهم يعانون من عدم التركيز وانخفاض قدرتهم على التعلّم.
تضيف الطبيبة: "دائماً ما يشكو الأهل من الانشغال وضغوط الحياة والظروف التي لا تسمح لهم بالتنزه مع أطفالهم. أنصحهم دائماً بخلق مساحة داخل منزلهم، بدلاً من أن يبحث عنها أطفالهم في الهواتف. ببساطة، يمكن شراء بعض الألعاب والألوان وغيرها التي تساهم في تطوير قدرات الأطفال، والتي تتيح للطفل اللعب داخل المنزل. يمكن تخصيص ساعات محددة للطفل لمشاهدة شيء عبر الهاتف أو اللعب فيه ربّما كمكافأة، وليس كوضع طبيعي".
اقــرأ أيضاً
بعدما بكى طويلاً، استسلمت نور لإرادة طفلها الصغير جود، الذي لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات. وضعت هاتفها الخلوي أمامه، وما إن رآه حتّى صمت. حمله وبدأ يلمس الشاشة، إلى أن وجد لعبته المفضلة. تقول نور التي تعيش في دمشق: "لا يحلّ السلام في هذا المنزل إّلا حين يمسك هاتفي. هذا خطئي لكنّني عاجزة عن إصلاحه. في البداية، كان يشاهد برامج الأطفال عبر شاشة الهاتف، لأنّ الكهرباء مقطوعة في معظم الأحيان، ولا يمكننا تشغيل التلفاز. في تلك المرحلة، لم أنتبه إلى أنّه بات يطيل النظر إليه ويتعلق به. كنت أستغلّ فترة هدوئه لقضاء بعض الأشغال. بعد فترة، لم يعد يسمح لي بأخذه. حين يبكي، لا أجد طريقة لإسكاته إلا إعطائه الهاتف. بات أكثر تعلّقاً بالهاتف منّي. في المساء يمسكه وينام".
تضيف نور: "حذفت ألعابه المفضّلة من الهاتف، لكنّني لم أحتمل الأمر كثيراً. صار مزاجه سيئاً جداً. سعيت إلى لفت انتباهه إلى أمور أخرى من دون جدوى. أشعر بالذنب. إنّه طفلي الأوّل، ولا أعتني به بالشكل المناسب".
يشكو عدد من الأهالي في سورية بسبب إدمان أطفالهم على الأجهزة الذكية، ويستسلمون إلى الواقع في ظل عدم قدرة كثيرين على إيجاد بدائل لتسلية أطفالهم من جرّاء الحرب. سهيلة، وهي أمّ لثلاثة أطفال، كانت قد نزحت من ريف دمشق إلى ضواحيها. تقول: "طفلي الأصغر فادي في الرابعة من عمره. طفولته مختلفة. أنجبته مع بداية الأزمة، ولم أسجّله في أي روضة أطفال خوفاً عليه من الخطر. ونتيجة سفر معظم أقاربنا وأطفالهم، لم يعد يزورنا أحد ولم يختلط بأطفال من عمره. الحرب تمنعنا من أخذه إلى أي مكان للعب، ولا نسمح للأطفال حتى بالخروج إلى ساحة المنزل للعب وحدهم. صديقه الوحيد هو الهاتف، ولا أستطيع حرمانه منه أيضاً".
تضيف سهيلة: "في البداية، كان يأخذ هاتفي أو هاتف والده. وبما أننا لا يمكننا الاستغناء عنه أيضاً، اشترينا له هاتفاً يتضمن تطبيقاته المفضلة. يفاجئني بقدرته على فتح الصور وتعديلها. يمكنه الرد على الهاتف والاتصال وإرسال الصور على واتسآب لشخص محدّد. في المقابل، ألاحظ أن لديه تأخراً في النطق، كما أنه قليل الحركة وأكثر عزلة. لست قلقة جداً، وأعتقد أنه سيتجاوز هذه الأمور حين يدخل المدرسة".
الهاتف وسيلتهما للتسلية (لويزا غوليماكي/ فرانس برس) |
أما شيماء، وهي أم لطفلة تبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف السنة، وتعيش في حلب، تقول إنها قرّرت التصرف لإبعاد طفلتها عن الهاتف المحمول. تقول: "كغيري من الأمهات، استخدمت الهاتف لإلهاء طفلتي قليلاً، ولم أفكر أبداً في عواقب الأمر. في أحد الأيام، سمعتها تقول بابا واوا، ورأيت أنها فتحت إحدى الصور المنشورة على فيسبوك، يظهر فيها جثة شهيد تسيل منه الدماء. ولأنه كان لديه لحية كوالدها، ظنّت أنه هو. وحين عاد إلى البيت، ظلّت تردّد واوا. منذ ذلك اليوم، لم أسمح لها بحمل الهاتف رغم إلحاحها. شيئاً فشيئاً، نجحت بأن أجعلها تحب اللعب والرسم".
كنانة، وهي طبيبة أطفال تعمل في دمشق، تقول إن نحو نصف الأهالي الذين يراجعونني مع أطفالهم في العيادة يستعينون بهواتفهم المحمولة لتهدئة أطفالهم خلال فترة المعاينة أو الانتظار. "يمكنني التأكيد أن حالة الإدمان على الهواتف المحمولة تشمل الكبار والصغار. لكن ما لا يدركه الأهل هو التأثير المدمر لهذه الهواتف على صحة أطفالهم النفسية والعقلية والجسدية". تضيف أنّ الطفل الذي يتفاعل مع الهاتف الذكي سيكون حتماً ضعيف التواصل مع المحيط، وعلاقته العاطفية مع والديه أضعف، ما يؤثر على نمو شخصيته مستقبلاً، بخلاف ما يعتقد الأهل. وتوضح أنّ الأجهزة الذكية تحرم الأطفال من التفكير والتخيل في أهم مرحلة من مراحل تطوّر الدماغ، ما يؤثر على قدراتهم العقلية حتماً. وتُلاحظ أن الأطفال الأكثر تعلقاً بالهواتف الذكية أكثر انفعالاً، ولا يلتزمون بالنوم في الوقت المحدد، كما أنهم يعانون من عدم التركيز وانخفاض قدرتهم على التعلّم.
تضيف الطبيبة: "دائماً ما يشكو الأهل من الانشغال وضغوط الحياة والظروف التي لا تسمح لهم بالتنزه مع أطفالهم. أنصحهم دائماً بخلق مساحة داخل منزلهم، بدلاً من أن يبحث عنها أطفالهم في الهواتف. ببساطة، يمكن شراء بعض الألعاب والألوان وغيرها التي تساهم في تطوير قدرات الأطفال، والتي تتيح للطفل اللعب داخل المنزل. يمكن تخصيص ساعات محددة للطفل لمشاهدة شيء عبر الهاتف أو اللعب فيه ربّما كمكافأة، وليس كوضع طبيعي".