كثيرون هم الأشخاص المصابون بأمراض مزمنة الذين يصرّون على أداء فريضة الصوم. هؤلاء قد يتعرّضون للخطر، لذا عليهم عدم إسقاط تعليمات معالجيهم من حساباتهم.
مع حلول شهر رمضان، يُسأل عن أحوال هؤلاء المصابين بأمراض مزمنة في حال قرّروا الالتزام بالصيام. هل يؤثّر ذلك على صحتهم، وإلى أيّ مدى؟ أمّا الإجابة، فلا أحد قادر على الإفادة بها غير أهل الاختصاص في المجال الصحي. هؤلاء هم المؤهّلون لمعرفة ما هو مسموح وما هو غير مسموح تناوله، بالإضافة إلى سلوكيات أخرى.
الأطباء ينصحون عادة من يعاني من مرض مزمن بعدم الصيام. الطبيب المتخصص في أمراض الغدد الصماء والسكري الدكتور ألكسندر شعيب من هؤلاء. ويقول لـ "العربي الجديد" إنّهم يفعلون ذلك، لكنّ بعضهم يصرّ على أداء تلك الفريضة، "فنضطر على سبيل المثال لدى مريض السكري، إلى تغيير مواعيد جرعات علاجه لا سيّما الأنسولين. صحيح أنّ العلاجات أصبحت أكثر تطوّراً، غير أنّنا لا نحبذ صيام المصاب بالسكري. هو في حاجة إلى شرب المياه بصورة مستمرّة، بالإضافة إلى احتمال هبوط السكر في دمه من وقت إلى آخر، إذ يبقى فترة طويلة من دون تناول أيّ طعام".
من جهته، يرى الطبيب المتخصص في أمراض الغدد الصماء والسكري الدكتور ماريو عون أنّه "من غير الممكن التعميم في هذا الإطار". ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "مرض السكري مثلاً، نوعان. السكري من النوع الثاني يحتاج إلى أدوية مختلفة من بينها الأنسولين، ومن الممكن أن تُتّخَذ في أوقات معيّنة. أمّا السكري من النوع الأول، فإذا لم يُؤخذ علاجه في وقته المحدد، فإنّ ذلك يؤدّي إلى نقص حاد في الأنسولين في الدم، إلى درجة الهبوط الحاد والغيبوبة. لذلك، من غير المستحسن الصيام في هذه الحالة الصحية الدقيقة، إذ ثمّة خطورة على المصاب. وهذا ينطبق كذلك على من يعاني من أمراض قلب".
في السياق، يشدّد الاختصاصي في التغذية الدكتور أنطوان صليبا على "أهميّة الاعتدال في تناول الوجبات الغذائية". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّه "في العادة لا يُسمح للمصابين بأمراض مزمنة بالصيام إذ من المحتمل أن يؤثّر ذلك على صحتهم، خصوصاً المرضى الذين يعانون من قصور في القلب ومن داء السكري ومن ارتفاع ضغط الدم ومن الشحوم في الدم. ويُفضَّل إعفاؤهم من الصيام لأنّ الوقت عامل مؤثّر نظراً لطول ساعات الامتناع عن الطعام، وبعد ذلك يأكلون دفعة واحدة". يضيف صليبا أنّه في حال أصرّ المريض على الصيام، "ننصحه ألا يتناول كمية كبيرة من الطعام عند الإفطار حتى لا يعرّض نفسه لخطر الدخول في غيبوبة إذا ارتفع السكري، في حين نضطر إلى تغيير مواعيد الدواء، لا سيّما الأنسولين". كذلك ينصح صليبا المريض "باستبدال القطر العادي بمادة الفركتوز. المهم يبقى في التركيز على النوعية والكمية، لذا من المفضّل ألا يتناول المريض المأكولات الدسمة وتقسيمها على وجبات عدّة مرّة كل ساعتين، على أن تكون البداية مع مأكولات خفيفة من قبيل السلطة مع تحاشي السكر والنشويات". ويركّز على "ضرورة تناول وجبة السحور، إذ بذلك يصبح الوقت أقصر في انتظار موعد الإفطار".
تتّفق الاختصاصية في التغذية الدكتورة نيكول صايغ مع هؤلاء وتحذّر من "عسر الهضم الذي قد يعاني به المرضى، لأنّهم يتناولون المأكولات دفعة واحدة خلال وقت قصير عند الإفطار. كذلك فإنّ الأكل في الليل يؤدّي إلى مزيد من عسر الهضم، لا سيّما بسبب قلّة الحركة، بخلاف ما هي الحال خلال النهار". تضيف لـ "العربي الجديد" "أنّ ثمّة اختلالاً في إفراز الهرمونات خلال الصيام لدى المصابين بأمراض مزمنة، لذا ننصحهم بعدم الصيام. وثمّة نسبة كبيرة من هؤلاء يتجاوبون معنا". وتشدّد صايغ على "ضرورة التعويض من خلال الشوربة (الحساء) والامتناع عن استهلاك كثير من الملح وتناول الطعام على دفعات"، مضيفة أنّ "السحور مهم جداً على أن يكون خفيفاً، لأنّ الطعام الدسم يزعج الصائم عند النوم".
إلى ذلك، يقول الاختصاصي في الطب الداخلي الدكتور إيلي فرح إنّ "ثمّة أشخاصاً لا يستطيعون الصيام لأنّهم مجبرون على تناول الدواء ثلاث مرات يومياً، في حين أنّ ثمّة آخرين يستطيعون ذلك إنّما باتباع علاج مناسب يُخصّص لهم". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّهم ينصحون المرضى الصائمين "بعدم البقاء في مناطق حارّة ورطبة إذ يؤدّي ذلك إلى التجفاف". ويخبر فرح أنّ "أكثر المرضى الذين نعاينهم في فترة الصيام يطلبون منّا استبدال موعد الأدوية ليتمكّنوا من الصيام. والمشاكل الكبرى نواجهها مع الذين يعانون من حالات صحية متقدمة من قبيل قصور في الكبد أو القلب أو الكلى، إلى جانب المرضى الذين سبق وخضعوا لعمليات جراحية. هؤلاء جميعهم ننصحهم بعدم الصيام". ويتابع فرح أنّ "الأشخاص المصرّين على الصيام، ندعوهم إلى التخفيف من ساعات العمل ليحصلوا على فترة راحة كافية، بالإضافة إلى الإكثار من شرب المياه خلال الإفطار والسحور والتركيز على المأكولات المغذية".
أمّا الاختصاصية في التغذية الدكتورة كلير شامية فتشدّد على "ضرورة استشارة أهل الاختصاص". وتقول لـ "العربي الجديد" إنّ "على المريض المصرّ على الصيام أن يستشير اختصاصيّاً في التغذية، سواء أكان يعاني من السكري أو من أمراض قلبية أو من ارتفاع ضغط الدم أو غيرها، فلكلّ واحد قواعد صحية خاصة به". من جهته، يركّز الاختصاصي في التغذية الدكتور عمر عبيد على "أهمية الإكثار من شرب المياه، لا سيّما وأنّنا في فصل الصيف. بذلك نتجنّب التجفاف".