في تعليل التعديلات المقترحة تتوافق وزيرة شؤون الهجرة والدمج، إنغا ستويبرغ، مع حزب الشعب الدنماركي في التشديد، استناداً إلى أنه "بعد 3 أعوام في مملكة الدنمارك يجدر بالأجنبي أن يتعلم اللغة بشكل كاف ليكون قادراً على محادثة الطبيب عن حصى الكلى أو تدخل جراحي ومرض السكري وأي من التشخيصات والأعراض في الحديث العادي بين الطبيب والمراجع".
المقترح الذي تؤيده بشدة وزيرة الهجرة، أثار جدالاً داخلياً بين المستوى السياسي والطبي وخبراء الدمج. ترى ستويبرغ، وفقاً لما صرحت به، أمس السبت، للقناة الثانية "TV2" بأنه "على اللاجئين والمهاجرين إظهار القدر الكافي من المسؤولية الشخصية لتعلم اللغة". وتشرح ستويبرغ تأييدها المقترح: "المسألة برأي مبدئية، فالإنسان عليه واجب تعلم اللغة، ليس من المعقول أننا في الحكومة يجب أن نفتح محفظتنا في كل مرة يزور فيها المراجع الأجنبي طبيباً".
ويعمل النظام الصحي الدنماركي، بناء على الاستقطاعات الضريبية بدفع رواتب الأطباء في العيادات والمشافي والاخصائيين ضمن ما يسمى "التأمين الصحي لكل المواطنين"، بغض النظر عما إذا كان صغيراً أو كبيراً، ويعمل أم لا، بالإضافة إلى ذلك فإن الوصفات الطبية يجري دعمها من وزارة الصحة ضمن نظام "إضافة دعم القطاع الصحي" بعد تجاوز الدفع الذاتي بمبلغ نحو 1400 كرونة (240 دولاراً أميركياً)، بحيث تخفف أعباء دفع الفواتير الأدوية على المواطنين.
وبالرغم من ذلك تعج البلديات حول الدنمارك بمن يعيش على راتب الإعانة ويطالب بدفع فاتورة الوصفة الطبية كاملة. ويستثنى أطباء الأسنان، والعيادات الخاصة بالتجميل وما شابه، من الدعم الكامل للمراجعة. فالتأمين الصحي يدعم جزئياً زيارة أطباء الأسنان، إلا في حالات الفقر الشديد وعدم القدرة على تحمل فواتير فجائية، وهذه تتطلب فحصاً دقيقاً يقوم به أطباء موظفون في البلديات لتحديد حاجة الإنسان بالفعل للقيام بإصلاح الأسنان.
اعتقاد ستويبرغ، وعدد من المشرعين المؤيدين لتعديل تغطية نفقة الترجمة، لا يتفق معه رئيس رابطة الأطباء، أندرياس رودكيوبينغ، الذي يرى أنه "من غير المعقول أن تتوقع من الأجانب الذهاب إلى الأطباء بدون مترجمين بعد ثلاث سنوات إقامة".
المعارضون لذهاب الأجنبي إلى الطبيب بدون مترجم، أو تحمل الفاتورة بعد 3 سنوات، يرونه مقترحاً "خطيراً للمرضى وغير آمن للأطباء ويخلق عدم مساواة"، بحسب ما يقول خبراء من وكالات الترجمة والرابطة الدنماركية الطبية. فبالنسبة لمدير جمعية وكالات الترجمة، يسبر هاردر سوناغوورد، يتعلق الأمر "بمبالغ بسيطة لا تتطلب اتخاذ سياسات رمزية (كناية عن اتفاق يمين الوسط مع الشعب الدنماركي لتشديد المزيد من قوانين الهجرة)". وبالنسبة للخبير في "طب الهجرة" في مستشفى جامعة أودنسه، مورتن سودامان، فإنه "لا يجب تحويل الفئة الأضعف (اللاجئين والمهاجرين) لساحة لعب سياسي".
وبالرغم من ذلك يصر حزب فينسترا، ليبرالي محافظ، الذي يقود حكومة ائتلافية ليمين الوسط، بالتوافق مع حزب الشعب على أن "القضية ليست سياسة بل تكاليف مالية ودفع للاندماج وتعلم اللغة". فبحسب الأرقام الرسمية التي تسوقها الحكومة لتعديل قانونها فإن العام 2015 لوحده شهد 243 ألف ساعة ترجمة في قطاع الصحة لوحده. ويضاف إليه ترجمة في قطاعات أخرى، بلديات ومحاكم وشرطة ومحاميين، ودوائر رسمية أخرى. ووفقاً لأحدث أرقام "الأقاليم (المحافظات)"، المسؤولة عن دفع تكلفة الترجمة، فإن عام 2016 كلفتها ساعات الترجمة في القطاع الصحي لوحده نحو 152 مليون كرونه (نحو 64 مليون دولار). وتهدف الحكومة في مقترحها إلى أن تصل في 2019 إلى تحصيل 2.5 مليون من المراجعين كرسوم.
شركات الترجمة، التي تشمل لغات أوروبية أيضاً، ترى أن المقترح "سيؤثر على نوعية الخدمة المقدمة بغياب عدد كاف لمن يستطيع الترجمة في القطاع الصحي، واختيار المريض مترجمه سيؤدي إلى مشاكل"، بحسب ما تذهب كارينا غراوسين من رابطة الترجمة.
بالنسبة ليمين الوسط، الذي يبحث عن توفير المزيد من الأموال لمصلحة الإصلاحات الضريبية، التي يراها بعضهم "تذهب نحو إثراء الأثرياء وإفقار الفقراء" بالاعتماد على أصوات اليمين المتشدد، كما يشيع اليسار الدنماركي، فإن اهتمامه أيضاً مادي. لكن ذهاب مترجم مع مريض مراجع لا يتقن اللغة الدنماركية سيكون مرهقاً له إذا ما عرفنا أن ساعة الترجمة، والتي تحتسب بعد مرور 15 دقيقة، لا تقل في المتوسط عن 40 يورو(نحو 50 دولاراً)، يضاف إليها مواصلات المترجم باحتساب، الكيلومتر بين سكنه ومكان الترجمة، عدا عن أن الترجمة بالنسبة للمترجمين المحلفين هي أكبر بكثير، وتتجاوز مع احتساب ساعة المواصلات 100 يورو(نحو 122 دولاراً).
محاولة تسويق وزيرة الهجرة للتعديلات، مدعومة من ساسة في معسكر اليمين المتشدد، تستند إلى اتفاق مواطنين كثر معها في قضية "واجب تعلم اللغة خلال 3 سنوات". في حين يرد الخبير في طب المهاجرين بمستشفى جامعة أودنسه، سودامان، إن "هؤلاء اللاجئين منهم من هو غير قادر (على التعلم) بسبب مشكلة في الذاكرة والتركيز على التعليم بسبب تأثيرات الصدمات النفسية التي تعرضوا لها".
قوانين قديمة
وكان البرلمان الدنماركي في 2010، قد مرر قانوناً يقضي أن "المهاجر الذي عاش أكثر من 7 سنوات ويرغب أن يرافقه مترجم لمراجعة الأطباء عليه أن يدفع بنفسه جزءاً من الفاتورة بمقدار 150 كرونة (نحو 24 دولاراً)". لكن النتيجة وصفت بـ"كارثية" بعد عام من التطبيق، فوفقاً لإحصاءات نقابة الأطباء تراجعت نسبة زيارة الأطباء إلى النصف. وبالنسبة للطبيب مورتن سودامان فإن "ما يجري اقتراحه الآن يشبه المقترح الكارثي السابق الذي توقف العمل به بسبب ما أنتجه. فكيف تخفض المدة إلى 3 سنوات (مقابل 7 في الماضي) في حين أنك أمام عوائل لا يبقى لدى كل فرد فيها سوى 400 كرونة (نحو 63.5 دولاراً) شهرياً للطعام والمواصلات والملابس والأدوية، فلم يكن بإمكان هؤلاء وفق القانون الماضي أن يدفعوا 150 كرونة لزيارة الطبيب مرة أو مرتين في الشهر، فكيف سيستطيعون تحمل كامل الفاتورة في المقترح الجديد؟".
رئيس نقابة الأطباء، أندرياس رودكيوبينغ، لا يود "العودة إلى ما كان قبل 7 سنوات، عندما بدأنا نشهد أطفالاً يحضرون مع والديهم للترجمة من أجل توفير التكلفة، ما يضع الأطفال في مأزق حقيقي مع الأهل الذين بالأصل لا يودون أن يورطوا الأبناء في أمراضهم، بالإضافة إلى نوعية الترجمة غير الجيدة في استخدام أحد أفراد الأسرة ما يؤدي إلى غياب مشاعر الأمان في العلاقة بين الطبيب والمراجع".