للشهر الثاني على التوالي يشكو سكان عددٍ من مناطق العاصمة العراقية بغداد من انتشار الجرذان وأنواع مختلفة من القوارض، ألحقت بهم خسائر مادية كبيرة، موجهين التهم إلى "سكان الكوكب المجاور"، مشيرين بذلك إلى الزعامات السياسية والحكومية المقيمين في المنطقة الخضراء وسط بغداد.
ويحمّل الأهالي "سكان الكوكب المجاور" مسؤولية إهمال معالجة الأزمات من نفايات وشبكات المجاري والصرف الصحي والمناطق المهجورة، التي تعتبر جميعها مصادر رئيسة لانتشار القوارض والجرذان. ويرون أن الأزمة زادت حدّتها مع رمي الشركة المتعهدة بتنظيف شوارع المنطقة الخضراء ومنازلها النفايات المستخرجة منها في المناطق السكنية المجاورة.
ومن أبرز المناطق التي ضربتها آفة القوارض هي الكرادة وكرادة مريم والجادرية والصالحية وشارع السعدون والباب الشرقي، وهي تمثل محيط المنطقة الخضراء وأهم أحياء العاصمة وتتوسط جانبي دجلة المار وسط بغداد.
ويتهم أهالي الكرادة المسؤولين الحكوميين في المنطقة الخضراء في بغداد بالتسبب بانتشار القوارض بسبب اهتمامهم بتنظيف منطقتهم المحصنة من النفايات والأزبال ورميها في أماكن العاصمة الراقية، ومنها الكرادة.
ويوضح حسن الربيعي من وجهاء الكرادة، أن "القوارض تنتشر انتشاراً غير معقول في المنطقة، ونسعى لمكافحتها بشتى الطرق لكن دون جدوى، لأن الإهمال الحكومي واضحٌ لمناطقنا".
ويضيف الربيعي لـ"العربي الجديد"، أنه "خلال أسبوع واحد قتل 9 جرذان تسببت في منزله بخسائر بينها إتلاف نقود، وقطع أسلاك الإنترنت عن المنزل، والتسبب بعطب كهربائي كاد أن يؤدي إلى حريق"، مبيناً أنه يشاهد "سيارات النفايات تخرج من الكوكب المجاور وتفرغ حمولتها في شارع أبو نؤاس عند مجمع الحاويات، وتبقى هناك يومين أو ثلاثة قبل نقلها إلى المطامر وهذا سبب زيادة المشكلة"، لافتاً إلى أن "وزارة البلدية أو أمانة بغداد تتفرج وهناك مخاوف من نقل تلك القوارض أمراضاً وأوبئة خطيرة".
ويتابع إن "أمانة العاصمة ومسؤولي الحكومة يتحملون جميعهم مسؤولية مكافحة القوارض الناجمة عن تكدس النفايات وطفح المجاري وكثرة الأماكن المهجورة، منعاً لانتشار الأوبئة والأمراض ونحن الأهالي لا نملك الإمكانات اللازمة لتنظيف مدينتنا".
ونظم عدد من الشبان حملات لملاحقة ومكافحة القوارض لا تخلو من التندر.
يقول محمد حمداوي لـ"العربي الجديد": "دفعنا اليأس من الحكومة وأمانة العاصمة لتنظيم حملات شبابية لملاحقة ومكافحة القوارض بوسائل بدائية كالعصي والمصائد الشبكية والسموم، لكن الأمر يحتاج لتدخل حكومي ورفع النفايات التي تعتبر سبباً رئيسياً لانتشار القوارض".
ويضيف: "كأننا نعيش في كوكب آخر، وكأن ساسة المنطقة الخضراء يعيشون في كوكب مجاور ولا يهتمون لأمرنا مطلقاً. ورغم مناشداتنا المستمرة للمسؤولين لم نجد منهم أي استجابة، ونحن نخشى من انتشار الأمراض والأوبئة الخطرة بسبب القوارض".
ولم تسلم الملابس والفُرُش والأثاث المنزلي من عبث القوارض فتوجه الأهالي إلى الوسائل البدائية لمكافحتها عبر شراء المصائد والسموم القاتلة للقوارض، مع أن سبب المشكلة يكمن في النفايات المتراكمة وشبكات المجاري.
يقول سلام فاضل (48 عاماً): "أصبح شغلنا الشاغل ليلاً ونهاراً أن نتوجه إلى السوق ونشتري المصائد الصغيرة البدائية والسموم المضادة للقوارض لمكافحتها في منازلنا لكن دون جدوى، فهي كثيرة جداً ولا تنفع معها هذه الوسائل وتتلف كل شيء في المنزل من ملابس وفرش وأغطية وطعام".
ووجد بائعو المصائد والسموم المكافحة للحشرات والقوارض فرصتهم الذهبية، بعد الارتفاع الملحوظ في مبيعاتهم في الآونة الأخيرة.
يقول حيدر المرسومي صاحب محل لبيع مستلزمات مكافحة القوارض: "مبيعاتنا ترتفع يومياً أكثر كلما تراكمت النفايات في أحياء العاصمة، لأن هذا يعني تزايد أعداد القوارض والحشرات، فيقصدنا الأهالي لشراء المصائد والسموم لمكافحتها".
لكن المرسومي يعترف أن هذه الآلات والسموم لن تقضي على الحشرات والقوارض المنتشرة في بغداد إذا لم تقم الحكومة العراقية بوضع حل جذري عبر رفع أطنان النفايات المتكدسة.
ويطلق أهالي العاصمة بغداد على المنطقة الخضراء المحصنة التي تضم الحكومة العراقية والبرلمان ومؤسسات الدولة السيادية وسفارات الدول، اسم "الكوكب المجاور" سخرية وغضباً مما يعتبرونه إهمالاً حكومياً لهم ولمناطقهم التي تجتاحها القوارض والحشرات الضارة.
وسبق للعاصمة بغداد أن تصدرت قائمة أسوأ مدن العالم غير الصالحة للعيش البشري عام 2016، حسب تصنيف أصدرته شركة عالمية مختصة باستشارات الموارد البشرية.